وجهة نظر

بقلم
حسن الجمني
 صارت السياحة  تحتلّ مكانا بارزا في العديد من استراتيجيات التنمية في الدول ذات القدرات السياحية، ويندرج أيضا ضمن بنود جدول أعمال الكثير من المؤتمرات الدولية بشأن التنمية المستدامة.
 وكلّ الدّراسات تؤكّد على أنّ السياحة نشاط شديد الحساسية أمام التقلبات، والاضطرابات التي يشهدها العالم، طالما أن القدر الأكبر من الطلب على هذه الأنشطة يتمثل في رحلات الترفيه، والإجازات، والأعمال التجارية. فخلال الأزمات  الاجتماعية والاقتصادية، تخفض الأسر ورجال الأعمال، في العادة، نفقاتهم على الرحلات من أجل قضاء العطلات الترفيهية، والأعمال؛ الأمر الذي يتسبب في انخفاض ملحوظ في عدد السياح، ومن ثم تقلص العوائد السياحية. ولتلافي ذلك وجب العمل على تعزيز صناعة سياحية مستدامة ومسؤولة.
II-1- تنمية السياحة المستدامة 
   تتمثل التنمية السياحية في «مختلف البرامج، التي تسعى إلى تحقيق الزيادة المستقرة، والمتوازنة في الموارد السياحية، وتعميق، وترشيد إنتاجية القطاع السياحي.» (2) وبالتالي، فهي تقوم على ارتقاء وتوسيع وتنويع الخدمات السياحية، وتلبية حاجاتها؛ أي حاجات السياح والجهات المضيفة إلى جانب توفير الأمن وتوفير الفرص للمستقبل، الأمر الذي يتطلب رسم تخطيط يستهدف تحقيق أكبر معدل ممكن من النمو السياحي، بأقل تكلفة ممكنة، وفي أقصر زمن ممكن بطريقة تستجيب لمقتضيات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والعوامل البيئية بالتنوّع الحيوي .
    مع الملاحظة وأن التخطيط لإقامة تنمية سياحية مستدامة، يستوجب الحفاظ على تنوع الأنظمة البيئية الموجودة؛ لأنها تمثل غالبا القاعدة الأساسية التي يقوم عليها هذا النشاط. فالسّائح القادم إلى تونس لم يعد، في أغلب الحالات، ساعيا وراء عملية تسمير ( bronzage) على الشواطئ، فالتلوث الذي تشهده شواطئ البحر الأبيض المتوسط نفرت السّائح من ذلك وجعلته يسعى للتعرف على بيئة جديدة ونظم عيش مختلفة وتقاليد طريفة... وعلى هذا النحو، فالتنمية السياحية المعاصرة تتمثل  في عملية تطوير ينسجم فيها استثمار الموارد مع اتجاه التطور التكنولوجي مع التغير المؤسساتي.
ΙΙ-2-تنمية سياحية مسؤولة 
يعبّر مصطلح «السياحة المسؤولة» عن مفهوم يحوي معاني متعدّدة ومتشعبة ومتشابكة، تشمل مسؤولية كلا من السائح والمنظم والمؤسّسة السياحية؛ ويشير إلى مسؤولية المواطن عن  نماء ونجاح السياحة في بلاده، من حيث حماية البيئة والإرث الثقافي. 
فبذلك تجعل الدولة السياحة أداة فعالة تساهم بها في تحقيق السلام والتضامن العالميين، ولاسيما في مواجهة الإرهاب والتحديات الاقتصادية الحالية، إضافة إلى احترام الإنسان، والطبيعة، والبيئة، وكذلك القواعد التي تنظم عمل القطاع. ولا يكون ذلك إلاّ باتخاذ تدابير تضمن المسؤولية ، ومن أهمها:
*احترام المنتوج الثقافي: وذلك من خلال بلورة الأنشطة السياحية، بشكل يسمح بمتابعة، وتنمية المنتوج الثقافي الحداثي والتقليدي والفولكلوري وعدم إخضاعه لنمط معياري واحد أو الحد من ثرائه.
*احترام قيم الحداثة وحقوق الإنسان:  إذ يتعيّن على الفاعلين في الميدان السياحي أن يتشبعوا بقيم الحداثة وحقوق الإنسان.
* حماية البيئة: فمن واجب كافة المتدخلين في نمو قطاع السياحة العمل على حماية البيئة والموارد الطبيعية في إطار تنمية اقتصادية مستدامة تستجيب بشكل عادل لاحتياجات وتطلعات الجيل الحاضر، وجيل المستقبل.
ΙΙ- 3- كيف هي حال التنمية السياحية في تونس؟
     تبيّن عديد الدّراسات التي أنجزت قبل سنة 2011 أنّ الجمهورية التونسية وفّرت جميع مقومات الجذب السياحي. فلوحظ وعي سياحي عال على المستويين الرسمي والشعبي، فكان السائح يجد في تونس بغيته مهما تنوّعت وتباينت، فإلى جانب شواطئها التي يبلغ طولها حوالي 1200 كم على مياه البحر الأبيض المتوسط والمجهزة بمرافق وخدمات سياحية متطورة توفّرت فضاءات السياحة الثقافية ممثلة بكنوز من التراث والآثار والمتاحف تعكس كلها تواتر حضارات عريقة شهدتها البلاد منذ فجر التاريخ.
كما عملت الجمهورية على توفير بنية خدمات متطورة في مجال المواصلات والنقل جوًا وبراً وبحراً بالإضافة إلى خدمات الاتصالات الحديثة التي تستوعب كل ما تنتجه تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة .
 فتحوّلت بذلك الجمهورية التونسية خلال السنوات السابقة إلى وجهة تستقطب مجموعات فندقية وذات صيت عالمي بالنظر لما توفره هذه البلاد من مميزات أهمها وفرة السياح الذين قدّر عددهم بسبعة مليون سائح سنويا وتوفر بنية تحتية ضخمة تساعد على إقامة مشاريع سياحية كبرى فضلا عن توفر عوامل جغرافية مناسبة. ويشار إلى أن قطاع السياحة مثل نحو 17 بالمائة من الناتج الإجمالي للبلاد في عام 2009.
وكانت الدّراسات السياحية تتوقع أن تستقطب تونس عام 2014 أكثر من 10 ملايين سائحا سنويا وأن تدر السياحة أكثر من 5 مليارات دولار، وأن يساهم القطاع السياحي في تحرير الدينار وزيادة مخزون البلاد من العملة الصعبة. 
وبدل أن تتحقق هذه التوقعات، لاحظنا مع الأسف الشديد ، انتكاسة قويّة خلال سنة 2015، حيث ألغت العديد من وكالات السياحة الدولية حجوزاتها في تونس بعد مقتل ثمانية وثلاثين سائحا أغلبهم بريطانيون، في الهجوم الذي شنه مسلح على أحد فنادق مدينة سوسة. وهو اعتداء على مصدر تشغيل وتمويل واستثمار ضخم أتى بعد أن كاد التونسيون ينسون ما عرفته تونس عام 1987 من تفجيرات استهدفت 3 فنادق في مدينتي سوسة والمنستير، راح ضحيتها 13 سائحاً، واتهمت في حينه حركة (الاتجاه الإسلامي) بالضلوع فيها، وأوقف وحوكم 7 أشخاص في القضية. فبعد مضي 28 سنة من ذلك الحدث نرى السياحة تستهدف من جديد بعملية إرهابية جرت بمتحف باردو وأفضت إلى وقوع 22 قتيلاً و50 جريحا، بينهم 21 سائحا أجنبيا. ونتيجة ذلك سجلت عائدات قطاع السياحة في تونس تراجعا بنسبة 30.2 % في ما بين 1جانفي و31أكتوبر 2015 مقارنة بالفترة ذاتها من 2010. وتراجع عدد الليالي المشغولة بنسبة 54 %، وعدد الوافدين إلى الحدود بنسبة 32.4 %، بحسب أرقام وزارة السياحة. 
ولإنقاذ الصناعة السياحية بتونس من مخلفات الإرهاب ودفع عجلة التنمية وجب التخطيط لتنمية سياحية مستدامة ومسؤولة، واتخاذ عدّة إجراءات لضمان أمن الفنادق والمطارات والمواقع والمسارات السياحية، مع إطلاق حملة ترويج دولية في الأسواق الاستراتيجية، وخاصّة التفكير في تنمية السّياحة البيئية لعدّة أسباب أخرى سنوردها بعد تحديد مفهوم تلك السياحة ومكوناتها وفوائدها .
ΙΙ- 4- السياحة البيئية («Tourisme- écologique»)= («Eco-Tourism»)
(أ) مفهوم السياحة البيئية:
ظهر مصطلح السياحة البيئية منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، ، ليشير إلى نوع جديد من النشاط السياحي الصديق للبيئة. وهي، حسب تعريف الصندوق العالمى للبيئة: «السفر إلى مناطق طبيعية، لم يلحق بها التلوث، ولم يتعرض توازنها الطبيعي إلى أي خلل؛ وذلك للاستمتاع بمناظرها، ونباتاتها، وحيواناتها البرية، وتجليات حضارتها، ماضيا وحاضرا».
 فهو مصطلح حديث نسبياً، ويشير إلى نوع من السياحة تجذب إليها عشّاق الطبيعة والنبات والحيوان، فهي سياحة صديقة للبيئة عندما نقارنها مع غيرها من الأصناف، وغالباً ما تكون الجمعيات أو المجموعات السِّياحيّة المنضوية تحت هذا الشكل من السِّياحة أكثر حساسيّة للقضايا البيئيّة، لذا نراها حريصة على رفض الإضرار بالمواقع الطَّبيعيّة أو المساس بمكوّناتها وأشكالها بأي شكل كان. وتتقاطع السِّياحة البيئيّة  في هذا المضمار مع مفاهيم أخرى ذات غايات شبيهة كالسِّياحة المسؤولة والسِّياحة المستدامة وغيرها من المسمّيات التي تحمل في داخلها عناصر إيجابيّة نحو البيئة مثلما سلف ذكره.
وقد وصف (Colvin,1994) السائح البيئي بأنه:
‌أ- لديه رغبة شديدة في التعرف على الأماكن الطبيعية والحضارية.
‌ب- لديه خبرة شخصية واجتماعية.
‌ج- يتجنّب توافد السياح إلى الأماكن بأعداد كبيرة.
‌د- تحمل المشاق والصعوبات وقبول التحدي للوصول إلى هدفه .
‌هـ- التفاعل مع السكان المحليين والانخراط بثقافتهم وحياتهم الاجتماعية.
‌و- مرونة التكيف عند وجود خدمات سياحية بسيطة.
‌ز- تحمل الإزعاج والسير ومواجهة الصعوبات بروح طيبة.
‌ح- إيجابي وغير انفعالي.
‌ط- يخيّر إنفاق النقود للحصول على الخبرة وليس من أجل الرّاحة.
وقصد إعادة التوافق بين السياحة والبيئة، جاءت على المستوى الدولي اتجاهات حديثة نحو منح الأنشطة السّياحية الملائمة للبيئة عدة شهائد، منها: شهادة الايزو (14000 لضمان الجودة البيئية )، شواطئ الراية الزرقاء؛ شهادة السياحة الخضراء؛ الفنادق الخضراء وفكرة الفندق البيئي؛
(ب) مكوّنات السياحة البيئية
(ب - 1) عوامل الطبيعية الإيكولوجية
وتضم العناصر والأنظمة الحيوية، وتلك التي تقدّمها الطبيعة كليّاً، مثل سطح الأرض وما عليه من جبال ووديان وغابات ومغاور وأنهار ومحميات وصحارى، وأنواع المشاهدات والخبرات الواسعة المتضمنة فيها، أو التي عمل عليها الإنسان مثل الحدائق والمنتزهات،  فكلما كانت نظيفة وصحية كلما ازدهرت السياحة وانتعشت.
(ب - 2) العوامل المناخية
كالفصول المناخية وما تقدّمه من عناصر وإمكانات وتحوّلات في الصيف أو الشتاء، في الربيع أو الخريف، وبحيث تتحوّل هذه العناصر إلى مكوّنات سياحية كبرى، من مشاهدة الغروب على شاطئ البحر أو ممارسة التزلج على الثلج في الجبال، أو السهر مع النجوم في الصحراء بعيدًا عن كل إنارة.
(ب - 3) العوامل البيولوجية
الثروات النباتية المتنوعة، من أزهار، وأشجار، ونباتات، ومياه معدنية، إلى الثروة الحيوانية والسمكية، من طيور وأسماك وكائنات بحرية وبرية مختلفة.
(ج) أهمّية السياحة البيئية:
 يمكن تحديد أهم عناصر مفهوم السياحة البيئيّة في النقاط التالية:
أ- السياحة البيئية نشاط إنساني يمارسه البشر وفق قواعد وضوابط تحمي وتصون الحياة الطبيعية وترتقي بجودتها وتحول دون تلويثها وتعمل على المحافظة عليها للأجيال الحالية والأجيال القادمة.
ب- السياحة البيئية تحافظ على الكائنات من الانقراض وتجعل الإنسان يساهم في حماية الحياة البرية وصيانتها وزيادة عناصر الجمال الطبيعي فيها.
ج- السياحة البيئية نشاط له مردود اقتصادي متعدد الجوانب تجمع بين الجانب المادي الملموس والجانب المعنوي الأخلاقي المؤثر .
د- السياحة البيئية نشاط يجمع بين الأصالة في حماية الموروث الحضاري الطبيعي والحداثة في تحضرها الأخلاقي حيث تجمع بين القديم والحديث .
هــ- السياحة البيئية التزام أخلاقي وأدبي أكثر منها التزام قانوني تعاقدي وبالتّالي فإن تأثير القيم والمبادئ سوف يحكم هذا النوع من السياحة.
(د) تأثير السياحة البيئية على مختلف مجالات الحياة المجتمعية:
تترتب عن كلّ ما جاء في الفقرات السّابقة فوائد جمّة على السياسة والثقافة والاقتصاد  والمجتمع عموما نذكر منها:
(د - 1) الفوائد الاقتصادية للسياحة البيئية 
تعد أماكن ممارسة السياحة البيئية من أكثر الموارد ندرة في العالم ممّا يجعل الاستفادة من صفة الندرة في تحقيق التنمية المستدامة بما يمكن تحقيقه من المداخيل والأرباح من العملة الصعبة وتحسين الدورة المالية، مع توفير فرص العمل والتوظيف للمعطلين عن العمل، وتنويع الإنتاج الاقتصادي ومصادر الدخل الوطني، وتحسين  تجهيزات البنية التحتية.
(د - 2) الفائدة السياسية للسياحة البيئية 
 تتمثّل في الأمن البيئي بعدم تعرض الدول لاضطرابات ناجمة عن عدم رضا الأفراد عن التلوث أو الإضرار بالبيئة فيتم تعديل ذلك باعتماد السياحة البيئية.
(د - 3) الفوائد الاجتماعية للسياحة البيئية 
تعد السياحة البيئية صديقة للمجتمع حيث تقوم على الاستفادة مما يتوفّر فيه من موارد وأفراد، حيث تعمل على تنمية العلاقات الاجتماعية وتحقيق وتحسين عملية تحديث المجتمع بتعريفه على نظم مختلفة ونقل المجتمعات المنعزلة إلى مجتمعات منفتحة .
(د - 4) الفوائد الثقافية للسياحة البيئية:
تقوم السياحة البيئية على نشر المعرفة وإسهامها في تطوير  ونشر ثقافة المحافظة على البيئة والمحافظة على الموروث والتراث الثقافي الوطني، وثقافة الحضارة  القرطاجية والأمازيغية والرومانية والعربية الإسلامية وغيرها والمواقع التاريخية، وصناعة الأحداث والمناسبات الثقافية والعمل على الاستفادة من الثقافة المحلية مثل الفنون الجميلة والآداب والفلوكلور وسياحة الندوات واللقاءات الثقافية.
وأعتقد أنّ في ذلك كلّه فوائد عقائدية دينية فالسياحة البيئية تعطي فرصا للتّواصل الإنساني الرّقيق والحميمي بين البشر وتنشر السّلم  العالميّة وتساهم في تقريب الإنسان من ربّه بمشاهدة الاختلاف والتنوّع والجمال الطبيعي.
فهل تقوم وزارة السّياحة في بلدنا بما يكفي لتطوير هذه السّياحة؟
المراجع
(1)  إبراهيم مصطفى وأحمد الزيات وحامد عبد القادر ومحمد النجار،المعجم الوسيط، (1-2/467).
(2) أحمد محمود مقابلة (2007)، صناعة السياحة، دار الكنوز المعرفة، القاهرة .
(3) أحمد الجلاد(2002)، السياحة المتواصلة البيئية، عالم الكتاب، طبعة 1، مصر.
(4) محسن أحمد الخضيري(2006)،السياحة البيئية.مجموعة النيل العربية، القاهرة.
(5)
Robert LANQUAR(1993).Le tourisme international .que sais je ?. 5eme édition .Paris : Presses  universitaires.
(6) المنظمة العالمية للسياحة إحصائيات 2008.
World Tourism Organization  6-le site:  www.flickr.com/photos/unwto
(7) عبد الحليم  توميات ( 2011)،  مفهموم السّياحة في القرآن والسنّة. موقع: 
http://www.nebrasselhaq.com/ 
(8)
COLVIN, Jean (1994), Capirona: A model of indigenous ecotourism. Paper delivered at the Second Global Conference: Building a Sustainable World through Tourism, Montréal, Canada
----
- دكتور في علوم التربية، متفقد عام للتربية متقاعد
jemnihassen@yahoo.fr