في العمق

بقلم
اسماعيل بوسروال
جدل حول الشذوذ في الإعلام التونسي يكشف لوثة الحداثة الزّائفة
 (1) إعلام غير ملتزم بقضايا المجتمع 
تابعت برامج وتحاليل في عدة برامج تلفزية وإذاعية كانت مادتها الإعلامية الرّئيسية الحديث عن اللّواط والمثليّة الجنسيّة وجمعية شمس وتنظيم فيمن وغاب الحديث عن العدل الاجتماعي والحقّ في التّنمية وواجب التّصدي للجريمة وكيفيّة النّهوض بالتّربية والتّعليم والبحث العلمي ...هذا الطيف من الإعلام التونسي لا تحرّكه قضايا المجتمع من خدمات رديئة وبيئة ملوّثة وأفق غائم أمام شباب يائس يُعاني الفقر والبطالة وتُضجره العزوبيّة والعنوسة... قضايا المجتمع هي الزّواج العادي حيث تحلم كلّ فتاة بفارس الأحلام ويتمنّى كلّ شابّ تكوين أسرة وانجاب أطفال، والسؤال الذي كان من المفروض طرحه هو كيف نساعد هذا الشّباب على إيجاد شغل وسكن وأجر ومتطلبات تكوين أسرة؟ 
(2)  مثقفون بــــ «لاثقافة»
تابعت ثلّة من المثقّفين تحصّلوا على شهائد « بلا مصداقيّة» يتحدّثون في الدّين والعلم والأخلاق والقانون وهم يجهلون كلّ شيء ولا أظنهم يتعمّدون الجهل ... هم يسعون الى نشر الفساد والانحلال متبنّين نظرية «معرفية» خاطئة تقول أنّ أصل الكائن البشري بدون ّ جنس محدّد وهي الجندر  «الخنثى» Le genre , the gender  وأنّ تحديد الجنس عمليّة تكيف اجتماعي وبالتّالي يمكن للشّخص أنّ يختار جنسه لاحقا ويمكنه أن يتحوّل من ذكر إلى أنثى أو العكس ... وهي ليست نظريّة علميّة بيولوجيّة ولكنّها نظريّة «فلسفية» شأنها شأن نظرية النّشوء والارتقاء لداروين ... ومن العجائب أنّها تُدرّس في بعض المدارس الغربيّة في مادّة « البيولوجيا» ( تمرير السمّ في الدّسم). 
(3) الزوجان هما  الذكر و الانثى وما عداه « فاحشة» و « فساد في الأرض»» 
إنّ الحكمة الإلهيّة التي على أساسها خُلق الكون هي استمرار الحياة الإنسانيّة وتتمثّل في توفّر عنصريْن هما «الذّكر والأنثى» في البشر والحيوان والنّبات وإنّ عكس سنّة الكون يؤدي إلى تدمير الحياة الإنسانيّة. ومن قصص القرآن البليغة أنّ الله سبحانه وتعالى لم ينصح نوحا عليه السّلام أن يضع في فلكه ذهبا ولا فضّة بل طلب منه أن يضع من كل زوجيْن اثنين لضمان استمرار الحياة «حتّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيــلٌ» ( سورة هود - الآية 40). والله سبحانه وتعالى يقول «ومن كل زوجيـــن خلقنا اثنين لعلكم تذّكرون» ( سورة الذاريات - الآية 49).
وربط الزوجين بالمودّة «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (سورة الروم - الآية 21). كما ربط الزوجيْن بالبهجة حيث ورد في الذّكر الحكيم « وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ »  (سورة ق - الآية 7 ). 
حسم القرآن الكريم المسألة حيث قال « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» (سورة النساء - الآية 1) ويحدّد الزوجيْن بوضوح بيّن « وأنّه خلق الزّوجيْن الذّكر والأُنثى» (سورة النجم -الآية 45 ) ..
والمثقفون التونسيون الذين يتحدثون عن نشر الفاحشة والانحراف الأخلاقي تحت عناوين الحرّيات الفرديّة هم أبعد ما يكونون عن الحداثة فهم يجدون سعادتهم في ولائهم لأسوأ مظاهر التّدمير الذّاتي للانسان في الحضارة الغربية ولو كانوا حداثيين لاستوعبوا الدّراسات الاجتماعية التي تبرز معاناة الانسان الغربي في ظلّ التفكّك الأسري والانهيار الأخلاقي ولاستفادوا في المقابل من منجزات الغرب في المجال العلمي والتّقني لحلّ مشاكل مجتمعهم وتطوير حياة الأزواج والزوجات والأبناء والبنات في ظلّ التّوادد والتراحم وبرّ الوالدين ورعاية الاطفال رعاية تامة.  
(4) في الدستور فرحوا بالمساواة و «جهلوا» التكامل 
يعتبر الدستور التونسي الجديد 2014 ديمقراطيّا حداثيّا وهو في نفس الوقت أصيل لأنّه تبنّى القيم الانسانيّة والعربية والإسلامية وقد أشار في الفصل7 إلى أنّ «الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، وعلى الدّولة حمايتها»    
وعلي المشرّع عند تنزيله للقوانين المدنيّة لاحقا أن يُضيف أنّ الأسرة تتكوّن من امرأة ورجل لأنّ الدستور أشار في التوطئة الى ما يلي: «وبناء على منزلة الإنسان كائنا مكرّما، وتوثيقا لانتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية»، والكرامة الانسانية لا تتحقّق الا باحترام خاصيّات الفرد « امرآة» و«رجلا» وبهما تتكون الأسرة  « الخلية الاساسية في المجتمع». 
كما أشارت توطئة الدستور إلى « المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات والعدل بين الجهات» وتمّ تنزيل جزء من هذا المبدإ في الفصل 21: «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز» {...} والفصل 46 الذي جاء فيه « تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات.»{...} 
هو نصّ دستوري تقدّمي وديمقراطي وجيّد من جميع النّواحي ... ولكن ... صاحبته حملة كاذبة على حركة النّهضة تدّعي أنها ترغب في أن يتضمّن الفصل أن المرأة مكمّلة للرّجل وهذا مغاير تماما للمقترح المقدم الذي كان يتحدث عن « تكامل» أدوار المرأة والرّجل في نصّ راق وسام للعلاقة بين زوجين يبنيان أسرة وتتكامل أدوارهما من أجل سلامة أفراد الأسرة وتحقيق سعادتهم بجهود مشتركة. ومفهوم التّكامل مفهوم إنساني نبيل لا يمكن أن يرتقي اليه المجتمع الاّ بعد تحقيق « المساواة» بين الجنسين والعدل بين الفئات والجهات. 
(5) التكامل درجة أرقى من المساواة و لا تحدث إلاّ بعد تحقيق العدل والانصاف  
ورد في القرآن الكريم قول الله تعالى «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ»  (سورة البقرة - الآية 187)  وقوله :« وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» (سورة الأعراف - الآية 18)
هنالك علاقة تلازميّة جسديّة وروحيّة وعاطفيّة وحسّية ومعنويّة بين الزّوجين كتلازم الملابس لصاحبها. وهذه الصّورة الحسّية والمعنويّة تُبرز أهمية التّكامل بين الذّكر والأنثى لتحقيق « الاتحاد» والوحدة لخليّة متكوّنة من عنصرين يكمّل أحدهما الآخر ... الرّجل مكمّل للمرأة والمرأة مكمّلة للرجل وحاجة أحدهما إلى الآخر حاجّة مادّية ونفسية وروحية لا تكتمل سعادة الفرد في غياب « الزّوج الآخر»
(6) مهمة تنتظر الدولة وأسندها اليها الدستور 
على الدولة أن تحمي الأسرة وفق الفصل 7 من الدستور وعليها سنّ القوانين التي تسير في هذا الاتجاه وإفساح المجال أمام الحقوقيين المدافعين عن تماسك الأسرة التونسية وتكامل أدوار عناصرها وتشجيع الجمعيات والمنظمات العاملة في هذا الاتجاه. فالمجتمع يُعاني من قضايا التفكك الأسري حيث تحتل تونس المراتب الأولى عالميا في قضايا الطلاق كما تعاني من تفشي ظاهرة عقوق الأبناء وإهمال الوالدين ولذا نحتاج إلى تربية المجتمع و الأسرة على تكامل الأدوار في البيت وفي الشارع وفي رعاية الأطفال وفي التضحية المتبادلة من الزوجين لفائدة « سعادة الأسرة آباء وأبناء وأجدادا»  
وقد بين تفشي الطلاق وسوء العلاقات الزوجية ضعف الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة وتفكك تلك الروابط أمام أي مشكلة طارئة وعدم استعداد الأطراف للتضحية المتبادلة والنزوع نحو المنحى الفردي الأناني وغياب الشعور بالحاجة إلى التكامل الذي يبني سعادة تمتد في الزمن عبر الأجيال من أبناء وأحفاد فالعلاقة الزوجية هي رباط قوي وميثاق غليظ فقد قال تعالى : « وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» (سورة النساء ـ الآية 21).
أمّا  الإعلام فهو مدعو - إذاما أراد خدمة الوطن - إلى التخلي عن تسويق الأفكار العاملة على تدمير الذات وتخريب كيان الأسرة عبر نشر الرذيلة والفحشاء والحثّ على المنكر والانحراف تحت عناوين « حداثية».
-----
- عضو الهيئة العلمية لشبكة التربية والتكوين والبحث العلمي ريفورس 
ismail_bsr2004@yahoo.fr