الرأي الحر

بقلم
شمس الدين خذري
اخلاق الإنطلاق
 الحديث عن الأخلاق في عصرنا هذا مهمّ ولكن الأهمّ تطبيقه على أرض الواقع والتساؤل المحيّر نوعا ما في هذا الموضوع هو لماذا رغم ازدياد نسبة التّدين تراجعت أمامها الأخلاق؟ أليس هذا ما نلاحظه في شوارعنا؟ أليس من المفروض أن يكونا متلازمين ومترابطين وكلّما ازداد المرء تديّنا ازداد وتحسن خلقا؟ 
ففي دراسة لجامعة «جورج واشنطن» لأكثر البلدان التزاما بمبادئ الإسلام، وجد أنّ المراتب الأولى تحتلّها بلدان أوروبيّة مثل ايرليندا والدانمارك وغيرها، بينما البلدان الإسلامية غير موجودة في أعلى الترتيب! أليس في الأمر غرابة تثير تساؤلكم أيضا  وتجعلكم تتساءلون: لماذا هذا التناقض؟ لماذا لا يعكس إسلامنا وتديّيننا أخلاقنا؟ أسئلة عديدة تفرض نفسها على الجميع وربّما أهمها ماذا نحتاج لمواجهة هذا التناقض؟ وماذا نحتاج للإنطلاق ولنهضة أمتنا من جديد؟ نحن نحتاج بكل بساطة للأخلاق. نحتاج للعودة إلى أخلاقنا الإسلامية.
 ولهذا تراني أتطرّق في هذا المقال المختصر إلى أهمية الأخلاق وكيف تكون هذه الأخلاق من أسس النّهضة المنشودة للإنطلاق من جديد لقيادة العالم ليس سياسيا واقتصاديا وإنّما بأخلاقنا، فالأخلاق بإختصار هي مفتاح النهضة والإقلاع وهي سرّ من أسرار التّقدم وهي التي تفتح أبواب الإبداع والتميّز في جميع المجالات والإختصاصات. لنضع الأخلاق في معادلة بسيطة لكنّها هامّة تربطها بالنهضة وتتمثّل في: أخلاق+علم+عمل= نهضة ثم لنتساءل إن كنّا نطبّق هذه المعادلة وماذا نحتاج لتحقيقها.
إذا لابدّ من علم وعمل مصحوبان بالأخلاق لتحقيق النهضة وبناء حضارة تنافس الحضارات الأخرى فالعلم والعمل لن يساويا شيئا من دون الأخلاق، تخيّل عالما متعلّما وصاحب علم غزير يأتيه الناس من كلّ مكان ليتعلّموا عنه لكنّه يسيئ معاملتهم نتيجة سوء أخلاقه وفي بعض الأحيان يكتم بعض علمه بسبب سوء خلقه أفلا ينفر الناس من حوله ويكرهونه ويكرهون حتّى علمه، فما بالك لو كان متديّنا. فماذا ينفع علمه وماذا سيضيف هذا المتدين للأمّة غير التسلّط والكلام البذئ؟ وكذلك يشمل هذا الموقف المعلم والأستاذ والطبيب وكل مسؤول أو صاحب قرار لا يتّسم بالخلق الحسن حتّى وإن كان فقيها أو مفتيا.
«وإنك لعلى خلق عظيم» صدق الله العظيم هكذا خاطب الله تعالى نبيّه وعظّم خلقه فالدّين الخلق كما قال النّبي الأكرم وهو القائل أيضا «إِنَّ مِن أحَبِّكُم إِليَّ وأَقربِكُم مِنِّي مجلسًا يومَ القيامَة: أَحاسِنكم أخلاقا» وهناك العديد من الأحاديث التي تتحدّث عن عظمة الأخلاق وأهميتها. والأخلاق من الإيمان، وكيف لا،  فمن شعب الإيمان الحياء وهو من الخلق وحسن الظن من الخلق والإيثار والإبتسامة في وجه الآخرين من حسن الخلق وبرّ الوالدين والعمل الصّالح من الخلق. 
وإذا أردنا أن نعرّف الأخلاق فإننا سنقول أنها بكل بساطة حياتنا فهي كل شيء فيها وهي لا تحلو إلا بحسن الخلق، فالرسول عليه السلام كان خلقه القران وهو مرجعنا لو اتبعناه لاستقامت حياتنا ونهضت أمّتنا. أليس هو القائل: «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»؟ إنّ فهمنا لمرجعيّتنا وتركيزها على الأخلاق هو من أسس تحسّن حياتنا وحالنا. لكن كيف نعود لهذه الأخلاق؟ فبعد فهمنا لمرجعيّتنا من أين نبدأ لإصلاحها وكيف السبيل لغرس هذه القيم فينا؟ 
لا يمكن الحديث عن الأخلاق من دون ربطها بالأسرة ودورها في التربية الأخلاقيّة وإحياء المعاني الجميلة في الدين وهذا ليس عن طريق الدروس الطويلة والمواعظ الكثيرة التي يلقيها الآباء والأمهات على مسامع أبنائهم كل يوم، فهذا كلّه مع أهميته غير كاف، فالأم أو الأب الذي يعلّم إبنه حسن الخلق ويفعل عكسه هو بذلك ينتج جيلا سيّئ الخلق. ومن القدوات والمرجعيّات أيضا نجد المعلمين، فلهم دور هام في بناء شخصيّة الطفل فأخلاقهم وتصرفاتهم تنعكس وتأثّرعليه، فإنتبهوا أيها المعلمون والأساتذة، أنتم تحملون  فكرا وقيما ورسالة عظيمة فلا تخونوا هذه الرّسالة، فأنتم من تنشؤون الجيل الجديد وتربّونه ليقود مجتمعه للرّيادة والتميّز.  وكما للمعلمين دور فإنّ لعلماء الدّين والدعاة دور كبير أيضا في تأطير الشّباب خاصّة في وقتنا الحالي وكما قال سيّدنا عمر بن الخطاب «كونوا دعاة لله وأنتم صامتون، فقالوا له كيف ذلك، فقال لهم بأخلاقكم» فلنكن جميعا دعاة بأخلاقنا وحسن تعاملنا.
المرجع:
دراسة جامعة جورج واشنطن :
http://circassiatimesarabic.blogspot.com/2015/04/blog-post_12.html
------
- باحث 
khadhri.chamsedine@gmail.com