السراج المنير

بقلم
الهادي بريك
كلمة رشد بين المغالين فيه ومنكري رسالته - ج 3
 هناك خصوصيات تهم كل نبي وأخرى خاصة بالرسول محمد عليه السلام. 
1 ـ  هو خاتم الأنبياء جميعا، فلا نبي بعده وهذا شرف له ولأمّته إذ تحال مهمّة النّبوة في وظائفها التّعليمية إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. 
2 ـ هو خيار من خيار من خيار فهو في معقد الشّرف سلالة وطينة. وهو سيد الناس وسيد أولي العزم الأربعة (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى). وهو الوحيد المبعوث إلى الناس كافة والوحيد المبعوث إلى الثقلين من الإنس والجن. 
3 ـ لا يأكل الصدقة لأنّ صاحبها صاحب اليد السفلى وصاحب اليد السفلى لا يمكن أن يبلغ رسالته إلى النّاس بشهامة وكرامة ومروءة ولكنّه يقبل الهديّة والهديّة غير الصّدقة. 
4 ـ ما يتركه لا يورث بل يذهب إلى خزينة الدّولة أي إلى الضعفة والمحتاجين. هو عليه السلام لم يورث شيئا سوى درعا مرهونا عند يهودي. وربّما يكون المقصد من عدم وراثته أن يتعالى النّاس على بعضهم بعض لتكون كسروية وراثية بسبيل المال الذي يأتي بالجاه وقطعا لدابر الوراثة السلطانية في الإسلام وإيغالا في مبدئية التشاور والتوافق حول الحاكم الجديد لا يورث النبي. 
5 ـ من أكبر مظاهر اليسر في دينه أن الأرض جعلت له ولأمته مسجدا وطهورا. 
6 ـ ولا تأكل الأرض أجسام الأنبياء كلهم بل حتى الشّهداء ومن باب أولى وأحرى الصدّيقين وذلك إكراما لهذه الفئة المجاهدة المقاومة الكريمة من البشر. ولا يعدّ ذلك في حقّ بقية النّاس إهانة طبعا ولكنّه إكرام الكرماء. 
7 ـ مستجاب الدّعوة ككلّ نبي لقوله « ما من نبي إلا وقد أوتي دعوة مستجابة إلا أنّي خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة». أيّ كرم يحيط بهذا النبي الكريم الذي لم يستهلك هديّة ربه إليه في الدّنيا بل ظلّ يحتفظ بها بكرا ليوم تشخص فيه الأبصار وليكون شفيعا لأمة في ذلك اليوم العظيم؟. 
8 ـ صاحب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود يوم القيامة فهو في أعلى أعالي فراديس الجنان الكريمة. 
9 ـ رأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية مرتين على الأقل. 
10 ـ يواصل في الصّوم فيطعمه ربّه ويسقيه ولا نفقه ذلك كيف يكون ونؤمن به، ونهينا نحن عن الوصال لأنّه تعذيب نفس لها علينا حقّ الإطعام والإرواء. 
11 ـ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة إكراما له وأول من تفتح له الجنّة إكراما له كذلك.
 12 ـ صاحب الكوثر ـ هل هو الحوض فحسب أم هو غير ذلك ـ وهو الكثير من كل شيء نعمة وفضلا. 
13 ـ تنام عيناه وعينا كلّ نبي ولا ينام القلب منهم ولذلك تكون رؤياهم حقا.
14 ـ نبيّ الفطرة وخلالها فهو صاحب دين الفطرة الذي يأمر بما تأمر به الفطرة وينهى عما تنهى عنه الفطرة أي السّليقة الآدمية الأولى بلا تقعر ولا إلتواء. دين البساطة في قوّة واليسر في متانة. 
15 ـ رعى عليه السّلام الغنم قبل البعثة وقال أنّه ما من نبي إلاّ ورعى الغنم. هنا لا بد من إجتناء حكمة. الأنبياء يعدهم ربّهم سبحانه قبل بعثتهم سيما إذا كانوا رسلا. ركّز نظرك هنا على فنّ القيادة والتّعامل مع مختلف الأصناف وليس على المرعي نفسه. لو شغلت نفسك دوما بالبحث عن العلاقة بين المشبه وبين المشبه به لما ظفرت بشيء. إنّما هي أمثال وتشبيهات يراد منها الحكمة والمقصد. ما العلاقة بين إمرأة وبين قمر؟ ما من نبي إلاّ ورعى الغنم ليتدرّب على فنون القيادة والتّعامل مع مختلف التّصرفات إذ يتعلّم الصّبر والحلم وما يتيحه له ذلك من فترات طويلة في التّدبر والتّأمل وغير ذلك. كما يتعلّم النّبي الكدّ والجدّ والمثابرة والمسؤولية وغير ذلك. 
16 ـ من خصوصياته كذلك عليه السلام أنه قال أنّه نصر بالرّعب مسيرة شهر. لا يعني ذلك أنّ عدوه لا يهاجمه. بل يهاجمه وينال منه. ولكنّ النصر بالرّعب معناه أنّ قوة نفسيّة تغشاه عليه السّلام لترهب عدوه ولا ينصر بالرّعب إلاّ من إمتلأ فؤاده بالخوف من الله سبحانه. هي القوّة الرّوحية التي تجعل المرء مقداما لا يتأخّر من بعد حسن قراءة التوازنات. 
17 ـ ومن خصوصياته كذلك أنّه أُحلت له الغنائم ـ كما قال عليه السلام ـ ولم تحل لنبي من قبله. هي غنائم الحرب وأفياء القتال. أحلّت له لأنه صاحب دين جامع وهو مسؤول على تأسيس أمة لها كيان وتصرف أمرها سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وغير ذلك. مثل تلك الأمة تحتاج إلى أموال من ناحية ومن ناحية أخرى فإنها تعامل أعداءها بالمثل وهو قانون دولي معروف فلا يليق بأمة ـ هي خير أمة أخرجت للناس ـ أن يأخذ عدوها غنمها عند إنتصاره عليها ثم لا تعامله بالمثل. أخذ الغنائم وسيلة من وسائل إرهاب المعتدين. 
18 ـ ومن خصوصياته كذلك عليه السلام أنه أحل له ما لم يحل لغيره من النساء أي تعددا. وفي ذلك حكم كبيرة وكثيرة إذ لم يتزوج محمد الإنسان ـ عليه السلام ـ سوى زوجة واحدة ظل معها حتى ماتت وهي الأم العظيمة خديجة عليها الرضوان. أما محمد النبي عليه السلام فهو يحتاج لدعوته أكثر من إمرأة فما من إمرأة تزوجها من بعد خديجة عليهن الرضوان جميعا إلا ليكون لها في الدعوة محطة معروفة فقد تكون قنطرة علاقات ود وتعاون أو كف حرب على الأقل بينه وبين قبيلة مشركة أو يهودية وقد تكون قنطرة مصاهرة ضرورية مع بعض أصحابه المقربين جدا من مثل الوزيرين أبي بكر وعمر سيما عائشة التي لولاها لما وصلنا منه زهاء ألفي حديث فهي أكبر محدثة عنه من بعد أبي هريرة سيما أنه تنفرد بالرواية الخاصة عنه أي فيما يتعلق بحياته الخاصة معه مما لا يتنسى إلا لزوجة. وقد تكون زوجته مطلقة طاعنة في السن ليس لها من يؤويها وقد تكون قد إرتد عنها زوجها .. إلى آخر ذلك مما يجعل كل زيجاته محطات دعوية فيها التكافل وفيها الإحتضان وفيها بناء المصالحات والموافقات السياسية وفيها الحاجة الدينية إلخ .. 
لأي حكمة مات كل ولده؟ 
رزق الولد كله من خديجة عليها الرضوان إلا إبراهيم فهو من مارية القبطية. مات الذكور كلهم في سن الحنث أو قبلها ولم يتزوج من بناته سوى فاطمة التي نكحت عليا وهي الوحيدة التي أنجبت له حفيدين حييا حتى تحملا مسؤوليات عائلية وسياسية وإدارية أي الحسن والحسين عليها الرضوان. أما اللتان تزوجهما ذو النورين عثمان (أم كلثوم ورقية) فلم يعش لهما الولد. فبالخلاصة قضى سبحانه بموت ولده الذكر كله عدا السبطين من فاطمة. أظن أن الحكمة هي نفسها حكمة عدم إنتفاع قرابته بميراثه أي الحيلولة دون نشوء نزاع على من يرثه في الخلافة. هذا النبي ليس له رسالة تورث بالسلطان إنما تورث رسالته بالشورى سياسيا وبالعلم لإبلاغ الكتاب والميزان. جاء لبناء ناموس جديد على غير ما عهد عند الفرس والرومان. نجى الله الأمة أن تعبد نبيها من بعد موته كما فعل بعيسى عليه السلام ولكن وقعت مبكرا في الإنقلاب ضد قيمة الشورى التي جرت عليها الخلافة الراشدة وظلت فينا كسروية نورث كما يورث المتاع. 
كلمة الختام.
1 ـ كل ما ورد في الكتاب وفي السنة معا حول هذا النبي إنما يتعلق برسالته وبخلقه العظيم وليس بأسرته ولا ببدنه وجسمه فهو من هذه الناحية بشر ككل بشر. وعندما ننحرف لنجعل من مناسبات ميلاده هجرانا لذلك وقبوعا حول جسمه أو حول أسرته فالذنب ذنبنا نحن. بل تلك هي البدعة البادعة. 
2 ـ ستلفى من يعرضه بطلا من أبطال كمال الأجسام في تحدّ مسف لرسالة الإسلام ولإتجاه القرآن والسنة وستلفى من يتحدث عن أسرته ولا يتحدث عنه هو وستلفى من ينسف كل ذلك ويلغيه.. 
3 ـ درست هذا النبي في القرآن الكريم فألفيت أن أركان هويته التي حفل بها الوحي الكريم رباعية الأبعاد فهو بشر لا يختلف في البشرية عن أي بشر وهو نبي رسول مبلغ لا يكره أحدا على دين ولا هو حفيظ ولا مسيطر ولا جبار ولا وكيل عن الناس وتدينهم بل هو بشير ونذير. وهو صاحب رفعة وتكريم في وليجة لم يطأها ولن يطأها مخلوق حتى يوم القيامة. وهو صاحب رسالة عنوانها العلم والمعرفة والصف الواحد المرصوص على إختلافه وتنوعه وحسم الإختلافات بالتشاور والتوافق وصون الأمة وقيمها بالحديد لردع المحارب والمعتدي. ذلك هو المطلوب معرفته عن هذا النبي الكريم. 
4 ـ ولا فائدة في الدخول مجددا حول مشروعية الإحتفاء بميلاده من عدمه. هذه قضية محسومة بسبب أن الإحتفاء الذي يقع منا اليوم ـ إن وقع ـ هو إجتماع في مسجد أو في أي مكان وليس فيه منكرات وأن الأمر دنيوي عادي لا ديني بل هو مناسبة لمزيد التعرف إلى هذا النبي الكريم عندما يعانق الناس القرآن الكريم مرة أخرى يستنطقونه حول محمد عليه السلام. 
أملي دوما هو أن الناس من غيرنا يجهلون محمدا عليه السلام ولو أحسنا تقديمه إليهم بالقرآن وبالسنة الصحيحة لأحبوه ودخلوا دينه. ولكن فاقد الشيء لا يعطيه كما قالت العرب ونحن أهل الفقد هنا ومن جهل شيئا عاداه. هم يجهلونه ويسمعون عنا ولا يسمعون منا فمن حقهم فعل ما تمليه عليه أهواؤهم. العيب فينا نحن وحسب. 
والله أعلم. 
-----
-  باحث تونسي 
عضو الأمانة العامة للتجمع الأروبي للأئمة والمرشدين
brikhedi@yahoo.de