شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
خديجة عريب
 ضيفة ركننا في هذا العدد امرأة ليست ككل النساء، شقت طريقها نحو التألق في بلد يعرف بنزاعات عنصرية بين الفينة والأخرى. ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم وخاصّة أوروبا صعودا يجلب الانتباه للقوى السياسية المتطرفة الرافضة للمهاجرين والدّاعية إلى طرد كلّ من له أصـــول عربيّة أو إسلاميّـــة من أوروبا ، تنجح هذه المرأة صاحبة الشعر الأسود والملامح المغربية في الجلوس على «الكرسي الأزرق» المخصص لرئيس مجلس الشيوخ الهولنـــدي بعد فوزها في الانتخابات المخصصة لذلك.هي امرأة من بين 380 ألف هولندي من أصول مغربية داخل المملكة الهولندية، البالغ عدد سكانها 17 مليونا. إنّها «خديجة عريب» التي مازالت تحتفظ إلى حدّ اليوم بجنسيتها المغربية. 
ولدت خديجة عريب في عام 1960 بمنطقة «حذامي» أحد الضواحي الجنوبيّة لمدينة الدّار البيضاء بالمملكة المغربيّة، وفيها عاشت طفولتها إلى أن قرر والدها الهجرة إلى «بلاد الأراضي المنخفضة» للبحث عن فرص عيش أفضل فانتقلت وهي في سنّ الخامسة عشرة إلى هولندا. وفي أمستردام خطت المهاجرة المغربية الشابة أولى خطوات نجاح كبير، وكانت البداية بالالتحاق بجامعة أمستردام لدراسة علم الاجتماع. وبرغم وفاة والدها، وعودة أمّها إلى المغرب، اختارت عريب خوض التحدي والبقاء لمواصلة دراستها حتّى تحصّلت على شهادتها الجامعيّة من جامعة أمستردام، وكانت من مؤسسات اتحاد النساء المغربيات في هولندا، وتنقلت بين مناصب مختلفة، حيث عملت كمساعدة في منظمات الرعاية الاجتماعية في بريدا وأوتريخت، ومساعدة في معهد للدراسات الاجتماعية والاقتصادية في جامعة ايراسموس في روتردام ونائب رئيس ومستشار سياسي بارز في الرعاية الاجتماعية والصحية في أمستردام، قبل أن تصبح برلمانية عن حزب العمل الهولندي منذ 1998 مع انقطاع قصير بين 2006 و 2007.
«خديجة عريب» معروفة لدى الأوساط السياسية في هذا البلد الأوروبي بشعبيتها وتفانيها في خدمة القضايا الاجتماعية والثقافية سواء للمواطنين الهولنديين أو المهاجرين. وارتكزت اهتماماتها السّياسيّة على محاربة العنصرية والتمييز، وعلى قطاع الصّحة لاسيما الرّعاية الصحية للنساء المغربيات والتركيات. كما اهتمت بمعضلة النساء اللواتي يختفين بعد العطلة الصيفية، وهن المغربيات والتركيات اللواتي يتركن لمصيرهن بالبلد الأصلي، من طرف أزواجهن، بعد العطلة الصيفية، إذ يستولي الزوج على جواز السفر، في الوقت الذي لا تجيد فيه المرأة الحديث باللغة الهولندية، وقد حققت عريب حلاّ لهذه المسأل، حيث تم تخصيص موظفين يستقبلون لمثل هؤلاء النساء في السفارات الهولندية بالمغرب وتركيا.
قررت «خديجة عريب» دخول السّياسة بهدف مبدئي حيث صرّحت بأنّها: «دخلت عالم السياسة لأن أمورا كثيرة لا تعجبني، تضايقني، وأرى أنها يجب أن تتغير».
رشحت نفسها عام 2012 لرئاسة البرلمان، إلا أنها فشلت في الفوز. وتولت خديجة عريب فعليا رئاسة البرلمان الهولندي بالوكالة، منذ استقالة الرئيسة «انوشكا فان ميلتنبورغ» في ديسمبر 2015. وفي 13 جانفي 2016 فازت برئاسة الغرفة الثانية في المؤسسة التشريعية الهولندية بعد حصولها على 83 صوتا من أصل 134 صوتا، من مجموع 150 عضوا في المستشارين، متفوّقة على ثلاثة مرشّحين آخرين. أثار فوز خديجة عريب استياء اليمينيين الهولنديين، حيث وصفه «خيرت فيلدرز»، زعيم حزب من أجل الحرية، بـ «اليوم الأسود في تاريخ هولندا».وسبق وأن أعلن حزبه معارضته ترشيح عريب لمنصب رئاسة البرلمان، لأنها تحمل بذات الوقت الجنسية المغربية.
تتميّز «خديجة عريب» بشخصية قوية رغم قصر قامتها، كما تتميز بقدرة كبيرة على النقاش والمنازلة السياسية، تقول خديجة «لأن قامتي قصيرة، يعتقد البعض انه من السهل التغلب علي، ولكن بالمنقاشات البرلمانية أتغلب عليهم، سيما إذا غضبت، فاني أكون حادة وصارمة جدّا». بهذه الصفات أصبحت خديجة تحظى باحترام متميّز من طرف زملائها وأهلتها لتصبح أول امرأة عربية تترأس برلمانا أوروبيا. 
لا تحبّذ خديجة أن تكون نموذجا، لكنها كثيرا ما تواجه بهذه المهمة، وتستسلم قائلة: «الفتيات المغربيات في هولندا بحاجة كبيرة إلى نموذج يجدن فيه أنفسهن. إنهن يطمحن إلى آفاق أخرى. تُصوّر المرأة المغربية في الإعلام هنا كما لو كانت بائسة، وكان هذا هو الدافع بالأساس الذي جعلني افتح أحضاني لهؤلاء الفتيات». 
ولخديجة مؤلفات عديدة عن الهجرة وقضايا المرأة، ضمّنتها المعارف التي اكتسبتها عبر دراساتها الجامعيّة في علم الاجتماع وهي خلاصة لتجاربها النضالية في محاربة العنصرية والتمييز. ومن أهمّ مؤلفاتها « الكسكسي يوم الأحد» (Couscous, le dimanche) والذي تحدثت فيه عن طفولتها في الدار البيضاء قبل هجرتها إلى هولندا. ويحمل الكتاب دلالات على تشبثها بأصلها المغربي، وأن ذاكرة الهوية لديها لا تزال حيّة ومشدودة إلى الوطن الأم.
«خديجة عريب» نموذج للمرأة التي حينما يُفتح لها مجال الاشتغال بحرّية، فإنها تثبت قدرتها على تحمل مسؤوليات كبيرة ومهام رفيعة.