مشاغبات

بقلم
الحبيب بلقاسم
ليلة رأس العام: جريمة إلهابية فظيعة جدّا...
 إِنَّ مِنْ أكْثَرِ المُفْرَدَاتِ اللُّغَوِيَّةِ تَدَاوُلًا عَلَى ألْسِنَةِ السِّيَاسِيِّينَ والنَّقَابِيِّينَ والمُثَقَّفِينَ والمُفَكِّرِينَ والإِعْلَامِيِّينَ والأَخْبَارِيِّينَ والعَسْكَرِيِّينَ والشُّعَرَاءِ والأُدَبَاءِ والخُطَبَاءِ والعُلَمَاءِ والخُبَرَاءِ وقَادَةِ الأحْزَابِ وسَادَةِ المُجْتَمَعِ والرُّؤَسَاءِ والوُزَرَاءِ والنُّقَبَاءِ والعُمَدَاءِ والنِّسَاءِ الدِّيمُقْرَاطِيَّاتِ والهَيْئَاتِ الفَاعِلَاتِ والبَيَانَاتِ البَيِّنَاتِ، مُفْرَدَةَ الإِرْهَابِ، ورَحِمَ اللَّهُ دَاهِيَةً عَبْقَرِيًّا جَاءَ شَيْئًا فَرِيًّا قَدْ ألْقَى عَلَيْنَا خِطَابًا خَفِيًّا، هُوَ عِنْدَ قَوْمٍ عَسَلٌ نَافِعٌ، وعِنْدَ آخَرِينَ سُمٌّ نَاقِعٌ، هُوَ عِنْدَ قَوْمٍ مِرْهَمٌ وبَلْسَمٌ، وعِنْدَ آخَرِينَ حَنْظَلٌ وعَلْقَمٌ، ولِمَنْ أُذُنُهُ وَاعِيَةٌ وعَيْنُهُ بَاصِرَةٌ وفِكْرَتُهُ ثَاقِبَةٌ وفِطْنَتُهُ حَاضِرَةٌ، يَدْرِي ويُدْرِكُ ويُوقِنُ أنَّ الطُّغَاةَ الفَجَرَةَ، البُغَاةَ الظَّلَمَةَ، وزَبَانِيَتَهُمْ العُصَاةَ وجَلَاوِزَتَهُمْ السُّعَاةَ، لَا يَكُونُ لَهُمْ اِسْتِقْرِارٌ وخُلُودٌ، واَسْتِمْرَارٌ فِي الحُكْمِ وصُمُودٌ، بِغَيْرِ نَغَمَاتٍ أحْدَثُوهَا، وألْحَانٍ أبْدَعُوهَا، وأسَاطِيرَ اِسْتَطَرُوهَا، كَالتَّطَرُّفِ والأُصُولِيَّةِ والتَّعَصُّبِ والسَّلَفِيَّةِ والتَّخَلُّفِ والوَهَّابِيَّةِ والتَّعَسُّفِ والخُمَيْنِيَّةِ والإِرْهَابِ، ومَا الإرْهَابُ إِلَّا نَتِيجَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ ونَاشِئَةٌ بَدْهِيَّةٌ لِكُلِّ هَذهِ التَّصَرُّفَاتِ والتَّعَسُّفَاتِ، ولَيْسَ حُكَّامِ العَرَبِ مِمَّنْ حَكَمُوا بُلْدَانَهُمْ وسَاسُوا شُعُوبَهُمْ بِالقَهْرِ والقَسْرِ، ومَارَسُوا العُهْرَ فِي القَصْرِ، إِلَّا مُقَلِّدِينَ لِحُكَّامِ الرُّومِ والأفْرَنْجَةِ والأعْلَاجِ وبِيزَنْطَةَ، وهُمُ التَّلَامِيذُ النُّجَبَاءُ لِلْأسَاتِيذِ الجُبَنَاءِ، وإِذَا نَظَرْتُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ومَا صَنَعُوا وَجَدْتُمُوهُمْ قَدْ أسَّسُوا فِرَقًا تُحْدثُ فِي البِلَادِ هَرْجًا ومَرْجًا وهِيَاطًا ومِيَاطًا وإِرْهَابًا وإِخْرَابًا، تَتَّخِذُهُ السُّلَطُ الحَاكِمَةُ مُسْتَعِينَةً بِالشُّرَطِ الغَاشِمَةِ، سَبِيلًا ودَلِيلًا لِاسْتِعْمَالِ الهِرَاوَةِ والرَّصَاصَةِ، مِنْ ثَمَّ فَلَا صَوْتَ يَعْلُو فَوْقَ صَوْتِ المَعْرَكَةِ، ولَا مَجَالَ للْحُرِّيَّةِ والدِّيمُقْرَاطِيَّةِ وحُقُوقِ الإِنْسَانِ، وأيُّ مَعْنًى لِذَلِكَ والوَضْعُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، والأمْنُ غَيْرُ مُسْتَتِبٍّ، والإِرْهَابِيُّونَ المُتَطَرِّفُونَ العُمَلَاءُ الخَوَنَةُ صُنَّاعُ الفِتَنِ لَا عُشَّاقُ الوَطَنِ، يُهَدِّدُونَ مَكَاسِبَنَا ويَتَوَعَّدُونَ مَنَاصِبَنَا، ويُرَوِّعُونَ بَرَاعِمَنَا ويُخَرِّبُونَ مَلَاعِبَنَا، وهَكَذَا فِي الحِيلَةِ يُفْلِحُونَ، وبِالمَكْرِ يَنْجَحُونَ، وفِي القَصْرِ يَفْرَحُونَ، وكَيْفَ لَا يَفْرَحُونَ وقَدْ بَلَغُوا مَا يُريدُونَ ويَرُومُونَ، إِنَّهُمْ بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُمْ قَرَارٌ مَكِينٌ، ومُسْتَقَرٌّ أمِينٌ، ولَا يَخْفَى هَذَا عَلَى عَارِفٍ ذَكِيٍّ.
ومَعَ كُلِّ الَّذِي رَسَمْتُ وحَسِبْتُ، وكَتَبْتُ وسَكَبْتُ، يَبْقَى الإِرْهَابُ غُولًا يُقْرَأُ لَهُ ألْفُ حِسَابٍ، ويُؤَلَّفُ فِيهِ ألْفُ كِتَابٍ، ويُنْظَرُ فِي أمْرِهِ نَظَرَ الثَّاقِبِ المُتَبَصِّرِ، المُثَقَّفِ المُتَبَحِّرِ، الحَاذِقِ المُتَدَبِّرِ، تَصْدُقُ فِيهِ النَّوَايَا، وتَحْسُنُ فِيهِ السَّجَايَا، وتَتَّحِدُ فِيهِ الجُهُودُ، ويَلْتَحِمُ فِيهِ الجُنُودُ، مِنْ أجْلِ صَدِّ سَيْلِهِ، والحَدِّ مِنْ وَيْلِهِ، والقَطْعِ مَعَ لَيْلِهِ، فَهْوَ مُتَوَحِّشٌ مُفْتَرِسٌ، لِبُلُوغِ غَايَاتِهِ مُحْتَرِسٌ، هُوَ أعْمَى لَكِنَّهُ دَاهِيَةٌ ذَكِيٌّ، مَا دَامَ وَرَاءَهُ طَاغِيَّةٌ غَبِيٌّ، فَحَتْمًا سَتَنْكَشِفُ الحَقِيقَةُ، وتَنْفَضِحُ الحَقِيبَةُ، وكَانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، اِبْنُ عَلِيٍّ حَكَمَنَا ثَلَاثًا وعِشْرِينَ، وأسْقَطْنَاهُ فِي ثَمَانِيَةٍ وعِشْرِينَ، وغَدًا سَيَسْقُطُ سِيسِيٌّ وأسَدٌ وسَتَذْكُرُونَ مَقَالَتِي، وسَتُدْرِكُونَ أنَّ الطُّغَاةَ هُمُ المُتَطَرِّفُونَ الإِرْهَابِيُّونَ.
لَا حَديثَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ إِلَّا عَنِ الإِرْهَابِ، حَتَّى إِنَّهُمْ صَنَعُوا لَهُ قَانُونًا، وعَقَدُوا لَهُ مُؤْتَمَرًا، وألَّفُوا فِيهِ مُعْجَمًا، وبِاسْمِهِ وبِسَبَبِهِ حُظِرَ التَّجْوَالُ ومُنِعَ التَّرْحَالُ وفُتِّشَتْ مَلَابِسُ، ونُشِّطَتْ مَحَارِسُ، لَا بِلْ بِدَعْوَاهُ اُنْتِهَكَتْ حُقُوقٌ، واعْتُدِيَ عَلَى حُدُودٍ، واَرْتُكِبَتْ مَظَالِمُ، واَقْتُرِفَتْ جَرَائِمُ، عَجِبْنَا مِنْ حُدُوثِهَا فِي زَمَنِ الثَّوْرَةِ، وظَنِّي أنَّ هَذِهِ السِّيَاسَاتِ والمُمَارَسَاتِ تُغَذِّي الإِرْهَابَ وتُقَوِّيهِ، وتَحُضُّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ وتَوْسِعَةِ دَائِرَتِهِ وتَعْمِيقِ حَلْقَتِهِ.
ألَا فَلْيَكُنْ القَوْمُ عَلَى حَذَرٍ وبَيِّنَةٍ، ورَوِيَّةٍ ويَقَظَةٍ، ووَعْيٍ ونَبَاهَةٍ، فَلَا تُنْقَلْ المَعْرَكَةُ إِلَى مَيْدَانٍ آخَرَ يَتَمَنَّاهُ الإِرْهَابِيُّونَ المُتَوَحِّشُونَ، مَيْدَانٍ فِيهِ تَنْمِيَةٌ لَا تَدْمِيَةٌ، ولَا يُمْكِنُ بِأيِّ حَالٍ مِنْ الأحْوَالِ النَّيْلُ مِنَ الحُرِّيَّاتِ والمَسُّ مِنَ المُكْتَسَبَاتِ، بِدَعْوَى مُكَافَحَةِ الإِرْهَابِ، لَا تَجُوزُ المُفَاوَضَةُ فَكَيْفَ بِالمُقَايَضَةِ.
إِنَّ الكَاتِبَ البَلِيغَ المُتَمَيِّزَ عَلَى مَا أخْبَرَ بِهِ السَّادَةُ الفُصَحَاءُ، الرَّادَةُ البُلَغَاءُ، هُوَ ذَاكَ الَّذِي يَبْلُغُ لُبَّ مَوْضُوعِهِ فِي سُهُولَةٍ تَسْبِقُهَا عُذُوبَةٌ، بِأقَلِّ عِبَارَةٍ وأوْجَزِ جُمْلَةٍ وأحْسَنِ أسْلُوبٍ، ولَوْ كُنْتُ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ لَمَا جَاءَتْ مُقَدِّمَةُ مَقَالَتِي فِي خَمْسِينَ سَطْرًا، فَحِلْمَكُمْ أيُّهَا القُرَّاءُ.
قُلْتُ قَدْ أصَابَ مَنْ دَعَا إِلَى مُحَاربَةِ الإِرْهَابِ، وحَضَّ عَلَى صَدِّهِ، وهْوَ مِحْوَرٌ مُهِمٌّ، كُلٌّ بِهِ مُلِمٌّ، غَيْرَ أنَّ ثَمَّةَ مَوْضُوعًا آخَرَ هُوَ عِنْدَ الوُعَاةِ أهَمُّ وأخْطَرُ وأحَقُّ بِالعِنَايَةِ والنَّظَرِ، وأجْدَرُ بِالرِّعَايَةِ والحَذَرِ، وبَيْنَهُ وبَيْنَ الإِرْهَابِ صِلَةٌ مَتِينَةٌ وعَلَاقَةٌ وَثِيقَةٌ، ومَتَى يُهْتَدَ إِلَى مُعَالَجَةِ الأوَّلِ تُبْدَ عَلَامَاتُ الصِّحَّةِ للِثَّانِي، إِنَّهُ الإِلْهَابُ يَا سَادَتِي، إِلْهَابُ غَرَائِزِ الجِنْسِ والشَّبَقِ والشَّهَوَاتِ، وإِضْرَامُ نِيرَانِ الهَوَى والعِشْقِ والمُحَرَّمَاتِ، وتَفْجِيرُ طَاقَاتٍ مَكْبُوتَةٍ وإِطْلَاقُ عَوَاطِفَ مَسْعُورَةٍ، وإِذَا أُصِيبَ مُجْتَمَعٌ بِهَذَا الدَّاءِ العُضَالِ، والعَارِ الزُّؤَامِ، والآفَةِ المُوبِقَةِ، والعَاهَةِ المُهْلِكَةِ، تَحَلَّلَتْ عُرَاهُ، وانْهَارَتْ قُوَاهُ، وتَمَزَّقَتْ أوْصَالُهُ، وتَقَطَّعَتْ أعْضَاؤُهُ، وتَهَدَّمَ بُنْيَانُهُ، وتَحَطَّمَ عُمْرَانُهُ، وبِذَلِكَ أمْسَى لُقْمَةً سَائِغَةً، وفَرِيسَةً سَهْلَةً، يَنْقَضُّ عَلَيْهَا عَدُوٌّ حَاقِدٌ كَانَ أمْسِ بِهَا الدَّوَائِرَ، ويَصْنَعُ لَهَا المَكَائِدَ، ومَعْلُومٌ مُتَعَارِفٌ عَلَيْهِ عِنْدَ المُنْصِفِ الحَصِيفِ والعَارِفِ البَارِعِ، أنَّ هَذِهِ مُؤَامَرَةٌ قَدِيمَةٌ دُبِّرَتْ بِلَيْلٍ، فِي غُرْفَةٍ مُظْلِمَة، اِجْتَمَعَ حَوْلَهَا دُهَاةٌ دَهَاقِنَةٌ، لَا هُدَاةٌ عَبَاقِرَةٌ، مُؤَامَرَةٌ يَهُودِيَّةٌ شَهِيرٌ صِيتُهَا جَهِيرٌ صَوْتُهَا، عَلِمَ المَنَاكِيدُ العَرَابِيدُ سِرَّ قُوَّةِ العَرَبِ، وسَبَبَ عِزَّةِ العَرَبِ، عَلِمُوا أنَّهَا تَكْمُنُ فِي دِينِهِمْ، فِي تَارِيخِهِمْ، فِي هُوِيَّتِهِمْ، فِي عَقِيدَتِهِمْ، فِي قِيَمِهِمْ، فِي صَلَاحِهِمْ واِسْتِقَامَتِهِمْ ووَرَعِهِمْ، فَشَرَعُوا عِنْدَئِذٍ فِي تَنْفِيذِ مُخَطَّطِهِمْ، وهَنْدَسَةِ مَكِيدَتِهِمْ، وصِيَاغَةِ دَسَائِسِهِمْ، ولَمْ يَكَدْ يَمْضِي حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى أصَابَتْ رَمْيَتُهُمْ، وأفْلَحَتْ هَجْمَتُهُمْ، وتِلْكَ غَايَتُهُمْ العُظْمَى وبُغْيَتُهُمْ الكُبْرَى وأحْلَامُهُمْ القَدِيمَةُ، لَا إِمْكَانِيَّةَ لِهَزْمِ العَرَبِ المُسْلِمِينَ بِغَيْرِ هَدْمِ قَوَاعِدِ دِينِهِمْ، وضَوَابِطِ شَرْعِهِمْ، ودَعَائِمِ بِنَائِهِمْ، ومَا هَذَا الَّذِي نَرَاهُ الآنَ مِنْ عُهْرٍ وعُرْيٍ وخَلَاعَةٍ ومُجُونٍ وفِتَنٍ، ولَهْوٍ ورَقْصٍ ومُسَابَقَاتِ مَلِكَاتِ الجَمَالِ، وعَرْضِ الأزْيَاءِ والمَفَاتِنِ والأصْبَاغِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُوبِقَاتِ والمُحَرَّمَاتِ والغَرَائِبِ، إِلَّا تَطْبِيقٌ فِعْلِيٌّ لِلَّذِي خَطَّطَ لَهُ اليَهُودُ، وسَمَّوْا فَاعِلِيهِ حُكَمَاءَ، وكَانُوا جَازمِينَ أنَّهُمْ بَالِغُوهُ، لِإِدْرَاكِهِمْ أنَّ الأرْضَ العَرَبِيَّةَ مُهَيَّأةٌ ومُمَهَّدَةٌ لِتَحْقِيقِ الهَدَفِ، وهَذَا نَبَأٌ نَبَوِيٌّ أخْبَرَ عَنْهُ مُنْذُ أكْثَرَ مِنْ أرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا، لَتَتَّبِعُنَّ اليَهُودَ حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّةِ، لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
لَيْلَةَ رَأسِ العَامِ دَعَانِي جَمْعٌ مِنْ أحِبَّةٍ لِمَوْعِدٍ مُهِمٍّ، لَبَّيْتُ الدَّعْوَةَ فَإِذَا النَّفَرُ الكَرِيمُ يُتْحِفُونَنِي بِشَرِيطٍ وَثَائِقِيٍّ بَثَّتْهُ قَنَاةُ «الزَيْتُونَةِ»، يَتَضَمَّنُ لَوْحَاتٍ فَنِّيَّةً رَائِعَةً، ولَوْعَاتٍ نَفْسِيَّةً لَاذِعَةً، تَحْكِيهَا قِصَّةٌ إِنْسَانِيَّةٌ ذَائِعَةٌ، مُخْتَصَرُهَا العَذَابَاتُ الَّتِي مَسَّتْ حَرَكَةَ النَّهْضَةِ فِي زَمَنِ الطَّاغِيَةِ الأوَّلِ ونَالَتْ مِنْهَا نَيْلًا عَظِيمًا، مُلَاحَقَاتٌ كَانَ جَرَّاءَهَا شُهَدَاءُ ومُعَذَّبُونَ، وطُلَقَاءُ مُهجَّرُونَ، ومَشَاهِدُ يَنْدَى لَهَــا الجَبِينُ حَيَاءً، ومَوَاقِفُ تُصِيبُ شَاهِدَهَا بِالذُّهُولِ والجُنُونِ والنِّقْمَةِ والحَنَقِ الشَّدِيدِ، كَأنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَنَا مَنْزُوعَةٌ مِنْ قُلُوبِهِمْ الرَّحْمَةُ والإِنْسَانِيَّــةُ، لَا مَشَاعِرَ لَهُمْ ولَا عَوَاطِفَ، يَسْتَعْذِبُونَ العَــذَابَ، تَبًّا لَهُمْ وسُحْقًا، ولَبِئْسَ دَارُ القَرَارِ، عُدْتُ إِلَى مَنْزِلِي مُنْهَكَ القُــوَى ذَارِفَ الدَّمْعِ مَكْدُودَ النَّفْسِ أتَمَيَّزُ غَيْظًا وأتَمَزَّقُ غَضَبًا، فَإِذَا زَوْجَتِي وبُنَيَّتِي وَجَدْتُهُمَا مُشَاهِدَتَيْن إحْدَى القَنَوَاتِ الخَاصَّة، ورَأيْتُ مَا لَا يَجُوزُ أنْ يُرَى، عُرْيًا وعُهْرًا وشُذُوذًا وتَحَرُّشًا وقُبُلَاتٍ وعِنَاقًا وفَضَائِحَ وقَبَائِحَ وغَرَائبَ وعَجَائِبَ ومُنْكَرَاتٍ ومُسْكِــرَاتٍ، وجِيءَ بِوَاحِدَةٍ لُبْنَانِيَّةٍ عَارِيَةِ المِنْطَقَةِ السُّفْلَى، وجَلَسَتْ قُبَالَــةَ أَحَدِهِــم حَتَّى بَــدَتْ سَوْأتُهَــا، وكُنْتُ أتَوَقَّــعُ أنَّــهُ مِنَ المَشْهَــدِ والمَحْفِــلِ مُنْسَحِبٌ، فَإِذَا بِــهِ مُظْهِرٌ جَــذَلًا واَشْتِهَــاءً، يَحْدُثُ هَذَا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، مُنْكَرٌ لَيْسَ لَهُ نَكِيرٌ ولَا صَرِيخٌ، مُقْتَرِفُ العَمَلِيَّةِ الإِرْهَابِيَّةِ يُلْقَى فِي أعْمَاقِ الجَحِيمِ، ومُقْتَرِفُ الجَرِيمَةِ الإِلْهَابِيَّةِ يُحْمَلُ فَوْقَ أعْنَاقِ الرِّجَالِ، الإِرْهَابُ يَقْتُلُ فَرْدًا أوْ نَفَرًا، والإِلْهَابُ يَقْتُلُ أمَّةً ويُعْدِمُ عِزَّةً ويُفَرِّقُ مُجْتَمَعًا.
----
- عاشق الضاد
habib.belgecem.fattouma@gmail.com