الإفتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الإفتتاحية
 انقضت منذ أيام سنة 2015 وغادرتنا غير مأسوف عليها. وبرغم المآسي والآلام التي عاشها خلالها العرب من الخليج إلى المحيط، فإنّنا نستقبل العام الجديد بتفاؤل وأمل لعلّه يكون عاما مخالفا لسابقيه وربّما نرى فيه من المحاسن ونعيش فيه من المسرّات ما ينسينا  معاناة السنوات الخوالي. 
ما حدث في السنة الفارطة في مناطق عديدة من وطننا العربي أمر جلل يجعل الولدان شيبا. فما عاشه السوريون والليبيون واليمنيون والعراقيون على وجه الخصوص طيلة أيامها ولياليها لا يمكن أن يوصف بغير الانتحار الجماعي. فقد كان تدميرا ذاتّيا ممنهجا ازدادت وتيرته يوما بعد يوم عبر تقاتل وتناحر لم يشهد تاريخ المسلمين مثله بعد ما شهده في الفتنة الكبرى. 
سنة انقضت لم يرسخ عنها في الذّاكرة سوى صور أشلاء الأطفال والنساء وجثث المدنيين المبثوثة هنا وهناك بشوارع صنعاء وبغداد وريف دمشق. مدن كانت بالأمس قبلة للزائرين وكتابا مفتوحا لتاريخ حضارة العرب والمسلمين  فغدت  بفعل أبنائها إلى مدن أشباح لم يبق فيها حجر ولا بشر . من كان يتوقّع قبل خمس سنوات من الآن ما حدث ويحدث باستمرار كل يوم من قتل ودمار وخراب واستباح لإنسانية الإنسان وذبحا للقيم والأخلاق؟ 
 قبل خمس سنوات من الآن، عندما اندعلت الثورات العربية من تونس وانشرت كالنار في الهشيم في أرجاء الوطن العربي، حسبنا أنّ الشمس قد أشرقت ولن تغرب وأنّ أيام الدكتاتوريات قد ولّت وانتهت معها الآلام والمآسي وأنّ الشعوب العربية بانتفاضتها قد قررت أن تنخرط في عمليات التحرر من الاستبداد والتسلط وأن تلتمس طريقها نحو الحرية. لكنّ عربا منّا أبوا إلاّ أن يخربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي الأعداء فتحوّل الربيع العربي إلى خريف تساقطت معه المكاسب كما تتساقط أوراق الشجر وتحوّل الحلم العربي إلى كابوس مخيف يعلم الله وحده متى تستيقظ منه الشعوب.
فبدلا من حصول انتقال من الاستبداد والقمع إلى الحرّية والديمقراطية ومن نظام الشخص الواحد إلى نظام ديمقراطي ومن حكم العائلة إلى حكم الشعب عبر إرساء دعائم نظام يقوم على المواطنة، اشتعلت الحرب في كلّ مكان وتحرّكت الأيادي الشيطانية الخبيثة لتصبّ الزيت على النّار وتأجّج الفتن هنا وهناك فصار العربيّ إمّا قاتلا أو مقتولا أو لاجئا يبحث خارج وطنه عن مكان لعلّه يجد فيه  بعضا من الاستقرار الذي افتقده .
فهل سيكون العام الجديد تواصلا مع سابقيه فيزداد جراح الأمة تعفّنا خاصّة وقد شهد مطلعه بروز الصراع السعودي الإيراني إلى العلن؟ أم أن الفرج آت مع مرور أيامه بعد أن يستفيق الفرقاء من غيّهم ويقتنعوا أنّ التناحر والاقتتال لا نتيجة له سوى مزيدا من المآسي والدمار ؟ فيهتدون إلى حلول أخرى يعالجون بها اختلافاتهم بعيدا عن روائح البارود والدم المسفوك على قارعة الأنهج والمفترقات؟ 
في ظل هذه المآسي والآلام يصدر العدد الواحد قبل المائة من مجلة الإصلاح يحمل في طيّاته عددا من المقالات المتنوعة التي نرجو برغم طول بعضها أن تخفف عن القارئ وطأة الأحداث وتنير له الطريق فتبدد حيرته وتشرح له صدره ... فقراءة ممتعة