قول على عجل

بقلم
محمود جاء بالله
وإنك لتهدي الى صراط مستقيم ...
 منذ أن خلق الله آدم عليه السلام واستخلفه في الأرض ، بنية الإعمار والبناء والتأثيث، ظلّت البشرية قاطبة في رحلة دائمة للبحث عن الصراط المستقيم والطريق القويم. ولقد كانت بعثة الأنبياء والرّسل عليهم الصلاة وأزكى التسليم، عونا للإنسانية  جمعاء في هذا البحث عن النّهج السّوي، فلقد أُرسل الرّسل بالبينات والكتاب والميزان وذلك هو نهج الهدى والطريق القويم ودعائم الرسالة يقول تعالى «لقد أرسلنا رُسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان لِيَقُوم النَّاسُ بالقِسط» (سورة الحديد - آية 25). تلك هي رسالة الرّسل من آدم الى الحبيب المصطفى عليهم الصلاة والسلام، رسالة قوامها : 
(1) البيان والحجة 
«لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات...» فلقد أُرسِل الرّسلُ بالحجج والبيانات فكانوا هم الدليل والبرهان على عناية الله وتعهده لخلقه، فلم يترك سبحانه البشريّة دون رسل تذكر، تبشّر وتنذر، بل بعث فيهم ومنهم، من يهدي الى الطريق السّوي، ويزكّي الأنفس الطّاهرة، ويعلِّم  الكتاب والحكمة، ويكشف لهم مكامن العلم والمعرفة يقول عزّٓ وجل «كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آيَاتِنَا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» (سورة البقرة - آية 151) . رسالة حجج وبينات كي لا يكون للناس على الله حجة يقول تعالى « رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرُّسُل وكان الله عزيزا حكيما» (سورة النساء - آية 165). ذلك هو عدل الله فالرّسل بعثوا لمخاطبة عقول البشر وهدايتهم بالبيان والدليل والبرهان، تمكينا للحقّ ودحضا للباطل . 
(2) الكتاب 
« وأنزلنا معهم الكتاب ...» فالكتاب نزل بمعيّة الرّسل ليوضّح للنّاس ما استشكل عليهم وينظم كل العلاقات ويبيّن الواجب والحقّ. يقول تعالى « وأنزلنا اليك الكتاب بالحقّ مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جآءك من الحق لكل جعلنا شرعة ومنهاجا» (سورة المائدة - آية 84)، فالكتاب هو المنهاج والشرعة والمرجع المعتمد نزل مع الرسل من الله لتعليم النّاس وإقامة صرح الحق . 
(3) الميزان 
«وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ...» الميزان هو آلية القيس والوزن ومعيار تقييم الأداء لإثبات القسط وإقامة العدل فأُمر الناس بإقامة الميزان قسطا وعدلا «وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان» (سورة الرحمان - آية 9). الانسان مسؤول عن إقامة الميزان وتثبيت قيم العدل والانصاف فلا يمكن ان تستمر المجتمعات البشرية ويعمر الكون الا على أساس العدل يقول العلامة عبد الرحمان ابن خلدون « العدل أساس العمران». 
رسالة الرسل كانت بينات وحجج مثبتة لمبادئ الاستخلاف ومعهم الكتاب حامل لتعاليم الاستخلاف والميزان كأداة ومعيار لتثبيت قيم العدل وتحقيق مبادئ الاستخلاف وذاك هو  النتاج المنشود والقصد المأمول من بعثة الرسل. وفي هذا المساق كانت رسالة الرسول الخاتم والنبي الاكرم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فلقد كان نبي الرحمة والهدى. 
يقول الله سبحانه وتعالى « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا» (سورة الفتــح - آية 28) أرسل  محمد صلى الله عليه وسلم بالبيــان الواضــح ودين الاســـلام ليعليه على الملل كلها. أرسل هداية الى البشرية ورحمة للعالميــن . إن رسالة الاســـلام  شملت أرقى المعالم وأسمــى المبادئ وأقوم السبل يحملها رسول  كريم ، اقترن اسمـــه بإسم  الذات العليـــة شهادة تفرق بين الإيمان والكفــر، فلقد كــان رسولنا الكريــم عليه السلام خاتم المرسلين وأمامهم فتميزت رسالته بان كانت : 
(1) رسالة جامعة للبشرية قاطبة « وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون» (سورة سبأ - آية 28) . رسالة خاتمة بعد ان تحقق نضج البشرية وارتقاء فكرهم لقبول دعوة الاسلام ، هذه الدعوة الشاملة والتي اكتملت معها معالم الدين وتمت بمقتضاها نعم الله على الخلق فكان بها تمام الرضاء « اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا» (سورة المائدة - آية 3). إنّها الدعوة  التي سجلت يأس المناوئين وفشلهم في إخمادها لأنها مضت بين الناس تحرر العقول وتحقق طمأنينة القلوب وسعادة في الدنيا والاخرة . 
(2) رسالة الرحمة للعالمين « وما أرسلناك الا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء - آية 107). الرسول الكريم كان عنوان الرحمة المهداة للعالمين بما حملته دعوته، رسالة الاسلام، من قيم للعالمين تحقق معاني الانسانية في أبهى مظاهرها، دعوة للتحرر من ربقة الهوى ومن كل أشكال الاستعباد والاسترقاق والامتهان لكرامة الانسان . 
(3) رسالة الهدى «وإنك لتهدي الى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الارض ألا الى الله تصير الأمور» (سورة الزخرف - آية 53). فكما ان القرءان يهدي للطريق القويم « إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم» (سورة الإسراء - آية 9)، فالرسول الكريم ايضا يهدي للصراط المستقيم، هداية من مشكاة واحدة ومن نبع إلاهي يشع نورا « يهدي الله لنوره من يشاء» (سورة النور - آية 35)  تلك هي هداية القرءان تلتقي مع سنة البيان فهُما امران متلازمان لا يفترقان، يهديان الى صراط الرحمان، من تمسك بهما لن يضل ابدا، وذلك ما أكده الرسول عليه الصلاة والسلام « تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» (المحدث الالباني وقال إسناده حسن) . 
(4) رسالة الأسوة « لقد كان لكم في رسول الله أُسْوَة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخرة  وذكر الله كثيرا» (سورة الأحزاب - آية 21)، الرسول عليه السلام كان الأسوة والقدوة الحسنة به تقتدي البشرية جمعاء تقتفي آثاره ، فهو يحمل كل معاني الريادة والقيادة ، ايمانا وسلوكا قولا وعملا ، فلم تعرف البشرية قاطبة أعظم من محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . 
  البشريّة اليوم في أمسِّ الحاجة الى هذه القيم الرّاقية والى منارات تضيئ دروب الإنسانية تعينها على اتخاذ الطريق المستقيم، ومجتمعاتنا اليوم، العربية والإسلامية، هي الأكثر احتياجا لهداية تخرجها من سبات الموتى ومن جبروت واستبداد الظالمين ومن  تقصير أحالنا الى عجز دائم ووهن مكبل وهوان محطم.
اننا اليوم وأكثر الأيام القادمة في حاجة الى كتاب الله وسنّة رسوله كي نستلهم منهما أسباب النهوض وتغيير حالنا وأوضاعنا الى أحسن حال، في حاجة أن نعيد بيننا خصال الحبيب المصطفى اللهم صلي وسلم عليه الى يوم الدين .
------
- مهندس وماستير في التصرف
Jabmoda@gmail.com