وجهة نظر

بقلم
عزيز بوطلحة
البيروقراطيّة الإدارية وإصلاحها
 تتصف الأنظمة المتخلّفة بأنّها أنظمة تعتمد على سلطة المكتب أو حكم المكتب (bureaucracy) وبطريقة غير مباشرة يصبح الموظّف أكثر ارتباطا بالمكتب إذ من خلاله يستمدّ قوّته ونفوذه وينقطع عن العالم الخارجي أو عن أي اجتهاد خارج المكتب أو المسطرة الإدارية ويصبح مرتبطا بل محافظا على شكل النّظام الذي وجده وتربّى فيه، ويكاد كلّ الموظفين يصبحون مكتفين بهذه العلاقة ويحصلون على كمّية من إشباع رغباتهم من السّيطرة والزّهو. فحديث بسيط خارج ما ألفه الموظّف يفضح ضعفه ومستواه في التّسيير والتّدبير وهذا ما يجعل المواطن في صراع دائم مع الموظف الذي لا يجيد سوى التّعامل مع العمليات التي ألفها أو العادية ويغدو حبيس عادات إداريّة وإجراءات محدّدة سلفا بحيث يولد التطبيق الصّارم لهذه القوانين الرّوتين والجمود في التّنظيم وفي عقل الموظف.
تساهم البيروقراطية بنصيب وافر في عرقلة النّمو والاستثمار لأنّ طبيعتها مجبولة على التّطبيق الصّارم للقانون وعلى تضارب الإختصاصات عوض تكاملها وكثرة الوثائق وكثرة المتدخّلين والشبابيك، كل هذا زيادة على سلوك الموظّفين ومزاجهم يجعل كل عملية إستثمار تتطلّب حيّزا من الزّمان يعتبر بنظر الإقتصاديين والمواطنين هدرا للوقت وشططا في إستعمال السّلطة ونكون أمام طبقة بيدها الحلّ والعقد تتحكّم في مصير النّاس والدّولة ويصبح بذلك النّظام خاضعا لها بحكم طبيعة العمل .
يبدو أنّ طبيعة سير العمل في الإدارة يفرض على أيّ دولة تريد ان يصبح لها مكان في لائحة الدّول المتقدمة وتريد أن تخفّف عن مواطنيها ضنك الإدارة، أن تربط الإدارة بالفضاء الخارجي وتستفيد عن طريق دمج الموظّفين في هذا الفضاء الذي يعرف نموّا متسارعا. ويكون هذا الإدماج عن طريق التّكوين المستمر وخلق محفّزات ومكافآت مرتبطة ليس بالرّفع من الإنتاج فقط بل بجودة المنتوج وتبادل الموظّفين بين الإدارات والوظائف وربط المسؤولية بالكفاءة وخلق روح المبادرة لدى الموظف ودمجه في المحيط الخارجي . 
على الدولة أن تراقب نتائج كل إصلاح ومتابعته وفق النظريّات العلميّة في التّسيير والتدبير وتراقب مدى فعالية ونجاعة هذه الإصلاحات حتى لا تصبح جامدة وتصبح لها نتائج سلبية عوض إيجابية.
(1) ربط المسؤولية بالمحاسبة والمعاقبة.
علينا أن نربط المسؤولية بالمحاسبة فبما أنّ مُتحمل المسؤولية يستفيذ من مكافأت مرتبطة بوظيفته فعليه أن يتحمّل الأخطاء النّاتجة عن ممارسة وظيفته تلك سواء كانت الأخطاء متعمّدة أو غير متعمّدة، والمحاسبة تؤدّي إلى تسليط عقوبة سواء كانت سالبا للوظيفة أو للمكافآت حسب طلبيعة الخطأ،.غير أنّ أسلوب المعاقبة  له سلبيات جانبيّة، فهو كالسّيف فوق الرّقبة وهوغير فعال يجعل من الموظّف كالخروف ينتظر ساعة التّضحية به ويقتل فيه روح المبادرة . 
(2)  ربط المسؤولية بالمراقبة والتحيسن
Planifier, faire, suivi(contrôler) et agir (ou améliorer).
هذه النظرية تعالج تحسين الأداء والإنتاج عن طريق القيام بالتّخطيط لعمليّة ما أوّلا ثمّ تنفيذها وتحقيقها ثمّ مراقبة هذا المخطّط أوالعملية ومتابعتها ودراستها، ومن ثمّ  إدخال تعديلات على هذه العمليّة من أجل تحسينها.
ربط المسؤولية بالتّحسين أو التطوّر من أجل عدم الوقوع في الأخطاء أو إصلاحها في البداية وبصفة آنية ولتحقيق غاية عدم تكرار تلك الأخطاء.
كل موظف مسؤول هو معرّض للوقوع في مواقف جديدة وآنية  يكون لزاما عليه أن يتّخذ قرارا لا يعرف نتائجه مسبّقا، وكل ربط للمحاسبة بالعقاب هو خلق لدى الموظف عجزا و قصرا و نقتل فيه روح المبادرة لذلك وجب ربط المراقبة أو المتابعة بالتحسين عن طريق التّدخل الإستعجالي لإصلاح سبب الخلل  حتّى لا يقع في الأخطاء ثانية بعيدا عن المعاقبة وقاعدة التّحسين تعني  كذلك مقارنة بين الأهداف والنتائج المحصل عليها ومن ثمّ أخذ القرارات المناسبة لتحقيق الأهداف أو الوصول إليها  كما سُطرت.
(3)  التحسين المستمر  -   (Amélioration continue) 
تجاوزت البلدان الغربية مرحلة  التّكوين المستمر ودخلت طور التّحسين المستمر، فكلّ يوم تبادر الإدارة إلى معالجة منظومتها وتراقب مدى نجاعة التّدابير المتّخدة وفعاليّة الحلول في معالجة القضايا المطروحة وادخال التّحسينات الضّرورية بصفة مستمرة فهي تواكب المتغيرات بصفة متلاصقة وبديناميكية، فالإدارة دائما في تحوّل وتغيّر مرتبط بقضاء حاجيات ومتطلبات ورغبات وكماليات المواطن والوطن. 
على كل إدارة ( أو نظام ) تريد أن تتأقلم مع الوضع الحادث والسريع والآني،  أن تكون منظومتها القانونيّة والإقتصادية والإجتماعية والدينية  قابلة للتّعامل مع الإجراءات الاستثنائيّة بصفة عادية ولديها مناعة إكتسبتها من خلال المعرفة النظريّة والتجريبية، فتنزيل النّصوص التّشريعية أو الاجراءات الادارية بطريقة سليمة والتطبيق الصحيح لها يساهم في الرّفع من مردودية الموظف  ويجعل  للمساطر الإدارية مرونة ونجاعة وفعالية في العمل ويُضيّق الهوة بين الأهداف المرجوّة والمحقّقة.
يعتمد التحسين المستمر على مجموعة من التّدابير والاجراءات لتحقيق أهدافه وهي كالتالي : 
(*) إجراءات علاجية (action curative): وهي أجراءات آنية تقوم بالمعالجة على أثر الأعطاب « effet du dysfonctionnement» أو معالجة نتائج الخلل. 
(*) إجراءات تصحيحية (action corrective) :تقوم بمعالجة الأسباب الحقيقية للمشكل أو الخلل لمنع حدوث ذلك مرّة أخرى. 
(*) إجراءات وقائية (action préventive): العمل الذي يشتغل على الأسباب المحتملة لحدوث عطل محتمل لمنع الإصابة به. ويهدف هذا العمل إلى استباق خطر حدوث خلل. 
ويجب على الادارة أن تسعى جاهدة للحدّ من عدد الإجراءات العلاجية لصالح الإجراءات الوقائية..
ومن بين الدوافع أو الأسباب التي تؤدّي عادة إلى القيام باجراءات التّحسين نذكر:
- استعراض الأداء السنوي
- تقرير التدقيق الداخلي والخارجي
- استراتيجية جديدة للإدارة
- اكتساب شراكة في المجموعة
- مشروع الأعمال
- وصول الموظفين الجدد
- الأفكار الصادرة من قبل الموظفين
ونحن نرى من خلال الأمثلة أن أسباب التّحسين المستمر، داخلي أو خارجي.
التحسين المستمر الذي تنشأ مواضيعه من الحياة اليومية للمواطنين والموظفين ويساهم في ردم الهوة بين المواطنين والوطن حتى يصبح الوطن للجميع وليس رهين فئة فقط من المجتمع . 
----
- باحث سياسي
b.aziz1900@gmail.com