نقاط على الحروف

بقلم
محمد الهميلي
هل لسقوط الدب الروسي في مستنقع الشام علاقة بأجندات إسرائيل ؟
 حتّى نستطيع الحديث عن علاقة الكيان الصهيوني بما يحدث في سوريا خاصة وبالمحيط الإقليمي عامة، وعبثها بالأمن القومي العربي والتركي وخاصة بدول الطوق وبمختلف دول الربيع العربي نذكّر بأهم المراحل التاريخية والميدانية والعملياتية للمقاومة العربية الاسلامية:
- المرحلة الاولى تمريغ أنف إسرائيل من طرف المقاومة الاسلامية اللبنانية. 
- المرحلة الثانية إنتصار إستراتيجي للمقاومة الفلسطينية من خلال صمودها الأسطوري 
- توصّل المقاومة العربية والاسلامية في الأرض المحتلة ولبنان الى معادلة توازن الرعب مع الكيان الصهيوني .
- تفاجىء الكيان الإسرائيلي وحليفته الولايات المتحدة الأمريكية بالربيع العربي .
- قلب الموازين ودخول المنطقة في فوضى السّلاح.
- ضعف نظام «السيسي» الذي انقلب ضدّ الشرعية بمصر وعدم امكانية تعويل إسرائيل عليه في المستقبل نتيجة الرفض الشعبي له واشتعال منطقة سيناء وتحوّلها إلى بؤرة للمسلحّين المناهضين للنّظام العسكري. 
- إقتراب  «القاعدة» و«داعش» من حدود إسرائيل. 
- تنامي قوة تركيا ونجاح الاسلام السياسي فيها والتزام الخارجية التّركية بمناصرة كل القضايا العربية العادلة وإنحياز قطر والسعودية  لدول الرّبيع العربي. 
- تولي الملك سلمان سدّة الملك بالمملكة العربية السعودية الذي عرف عنه رفضه للانقلاب العسكري بمصر وما لذلك من تأثير على حسابات إسرائيل بالمنطقة.
- خسارة أمريكيا لكل حلفاءها من حكام عرب طالتهم يد الثورات العربية. 
- الصمود الاسطوري للتجربة الانتقالية التونسية رغم تكالب العديد من الباحثين عن إفشالها وخاصة إسرائيل ومن والاها من الأنظمة العربية وبعض الاطراف الداخلية المعارضة لمآلات الثورة التونسية.
- تنامي ظاهرة الإعتراف بشرعيّة القضية الفلسطينيّة عالميا خاصّة بعد رفع علم دولة فلسطين على مبنى الامم المتحدة.
- إرهاصات تحرير الضفّة الغربية من سطوة «السّلطة» وانطلاق إنتفاضة القدس التي اتخذت منحى ثورة السّكاكين ممّا بعثر حسابات الكيان الصهيوني ومرغت وجهه في التراب أمام العالم خاصة بعد نجاح المقاومة والاعلام العالمي من توثيق خيبة الجيش الاسرائيلي أقوى جيش في العالم بظهوره مظهر المذعور كالفئران أمام فتيات وفتيان المقاومة.
- تحقيق ثورة السكاكين الأخيرة في القدس والضفة الغربية لنجاحات ميدانية بسقوط أعداد كبيرة  من القتلى والجرحي أكثر مما أحدثته الصواريخ والبنادق حيث ثبت بالبرهان أنّـه يمكن إيذاء أسرائيل بابداع وسائل جديدة للمقاومة إذا ما انعدمت الوساءل الحربية المتوازنة .
- التطور النوعي لواقع الاعلام العربي بعد ميلاد العديد من القنوات التي تبث داخل وخارج الارض المحتلة تحت مسمى «الاعلام المقاوم» الـذي نجـح فـي تعرية الكيان الصهيوني ودحض أراجيفه وأكاذيبه وكشف عوراته للعالم على أنه أكبر جيش نازي وفاشي ووحشي.
نتيجة هذه الاحداث والمحطات التاريخية للفعل الميداني للمقاومة، وجدت إسرائيل نفسها في وضع لا تحسد عليه، وبعد تأكّدها من قرب سقوط آخر أسوار حكم الأسد صاحب نظرية «السلم واللاسلم» أو «الحرب واللاّحرب» مع الكيان الصهيوني الذي دمر البلاد وقتل أكثر من 350 ألف سوري وشرّد الملايين، كان على إسرائيل إمّا أن تدخل الحرب لتنقض «بشار» أو البحث عن حصان طروادة بالوكالة ليدخل المنطقة كمنقض للنظام القمعي السوري، فتمّ الإيعاز إلى بشار الأسد بضـرورة طلـب العون والتدخل الروسي لينقظ نفسه من الأزمة التي تردى فيها خاصة بعد تكوين حلف ضد الارهاب  تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لدعم مقاتلي الثورة السورية ضدّ النظام والدواعش.
وبالرغم من أن روسيا كانت دوما تنآ بنفسها عن التدخل المباشر في المنطقة حيث لم تسع إلى إنقاذ القذافي أكبر حلفاءها في المنطقة وتركته يغادر حكمه ذليلا ويفارق الحياة في أبشع صورة، فإنّها إبتلعت الطُعم هذه المرّة ودخلت وحل المنطقة العربية دون أن تدرس جيّدا نتائج ذلك وتقرأ لتحركها العسكري ألف حساب خاصة وهي تعلم جيّدا كيف هربت امريكا من مستنقع العراق تاركة بعض القوات الرمزية بعد تأمينها سياسيا. وما كان لروسيا أن  تقع في هذا الفخّ  لولا طبخ الخطة الجهنمية  لتوريطها في قاعة عمليات أمريكية إسرائيلية مدعّمة من دول إقليمية بالمنطقة الهدف منها الإجهاز على الدب الروسي الذي أصبح مشاكسا ومقلقا لسياسات أمريكا وحلفاءهـا الاوروبيين في دول شرق أوروبا وفي كامل المناطق السخنة بالعالم .
الدبّ الروسي اكتفى لحدّ الآن بالعمليّات العسكرية الجوّية موجّها ضرباته إلى كل من يحمل السلاح ضد بشار من دون أن تفرق بين داعش وجيش النصرة والجيش الحـر والمقاومة الشعبية بخلاف الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها الذين يعتبرون المقاومة المعتدلة شريكا وحليفا لأنهم يوجهون أسلحتهم فقط لقوات بشار ولا يوجهونها ضد الشعب الأعزل. لكنّ روسيا لم تستطيع حسم المعركة كما كانت تتوقع فهل ستقوم بتغيير سياستها العسكرية وتقرّر تحريك آلتها العسكرية البريّة رغم خطورة ذلك أم ستواصل شنّ هجوماتها الجوّية وتكثيفها لعلّها تنجح على الأقل في المحافظة على بقاء «النظام العلوي» في دمشق؟ 
ولقد جاءت حادث اسقاط الجيش التركي للطائرة الروسية كإشارة واضحة لروسيا بأنها غير مرحّب بها في المنطقة وأن وجودها في سوريا كقوة عظمى لا يسمح لها بإنتهاك حرمة جغرافيا المنطقة المعادية لها إيديولوجيا وتاريخيا وأنّ إستجلابها للمنطقة هي مؤامرة صهيونية لم تحسب حِسابها ومآلاتها جيّدا. إنها رسالة لعبت تركيا فيها دور ساعي البريد أمّا مصدرها فهو أمريكا وحلفاؤها.  
روسيا تضع الآن بهذا الخطأ الاستراتيجي مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة رهن الخسارة لأنّها الآن تفرض نفسها كمحتل جديد لأرض عربية تحت غطاء التّدخل بطلب من النظام السوري وهي بهذا تضع نفسها كهدف داخلي مشروع لكل مقاتلي سوريا وكهدف خارجي  لكل الباحثين عن مغامرات الجهاد ضدّ الغزاة ولعلّ هذا هو ما سعت إليه إسرائيل وشركاؤها ليصنعوا من روسيا محتلاّ جديدا فيتمّ تخفيف الخناق عالميا على دولة الكيان الصهيوني عسكريّا وإعلاميا حتّى تلملم جراحها التي أنهكتها بعد حروب فاشلة مع المقاومة الفلسطينيّة . 
روسيا الآن بين خيارين أحلاهما مرّ مواصلة الحرب ودفع تكاليفها التي لا تقدر عليها لأن النظام السوري لا يستطيع تمويل تلك الحرب خاصّة أنها ستكون بالتأكيد طويلة ولا يمكن فضّها في وقت قياسي خاصة أمام وفـرة السلاح بالمنطقة وكثرة مُرسِليه للمقاتليـن السورييـن والأجانب سواء كانوا مقاومين ثوّارا أو إرهابيين، أو خيار الانسحاب وجرّ أذيال الخيبة دون تحقيق هدف إنقاض نظام الأسد. وفي الحالتين ستكون روسيا متورطة للنخاع في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل ستعود عليها بالوبال السياسي والاقتصادي بخسارة علاقاتها مع السعودية وتركيا وقطر وهي من أهم الدول المتعاملة إقتصاديا مع روسيا.
وتبقى دولة الكيان الصهيوني المستفيد الأول ممّا يحدث في سوريا وفي المنطقة عامّة فلا تحوّلوا أنظاركم عنها.
----
- ناشط بالمجتمع المدني - الكاف
hmilimohamed@live.fr