الإفتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الإفتتاحية
 من مآسي البشرية أنّ مصائبها تتسبب فيها قلّة قليلة ولكنّ آثارها تشمل الجميع، الفقير والغني والضعيف والقوّي والصغير والكبير والذكر والأنثى. فقد طغى فرعون وجرّ جنوده معه إلى الهلاك وكذلك فعل هتلر حين قاد شعبه إلى حرب مدمّرة خلّفت ملايين الضحايا ونشرت الجوع والفقر أينما حلّت. ومن قبله طغى الأمراء والسلاطين المسلمون وأفسدوا في الأرض فانهارت حضارة أمّتهم وأصبحت الشعوب العربية الاسلاميّة لقمة سائغة لبقية الأمم. إنّها سنّة من سنن الله في كونه. يقول الله سبحانه وتعالى «واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منك خاصّة». سورة الأنفال الآية 25
طغى الإنسان فأفسد في الأرض وعمّت المصائب والمآسي، وما نعيشه اليوم هو حلقة جديدة من حلقات هذا الطغيان وتحدّي سنن الرحمان. فالإرهاب المنتشر على نطاق واسع إنّما هو نتيجة لتصرفات قلّة قليلة من البشر خطّطت للهيمنة والسّيطرة على العالم والتّحكم فيه فنشرت الظلم والجهل والطغيان في كلّ مكان فكانت ردّة الفعل قويّة وانتشر الإرهاب وتحوّل إلى آفة فتّاكة عمّت أرجاء العالم. ولم تكن هذه القلّة من البشر (الدول العظمى المهيمنة) مسؤولة فقط على تفجير مصائب الإرهاب البشري وانتشاره في الأرض،والذي كانت وطأته أشدّ على الشعوب العربية المسلمة، لكنّها كانت مسؤولة أيضا عن التغيّرات المناخيّة التي انجرّت عنها كوارث عنيفة من أعاصير وجفاف وأمطار طوفانية وعواصف وموجات برد خلّفت آلاف القتلى وملايين المشرّدين وقضت على عشرات الآلاف من الأنواع النباتية والحيوانية وحوّلت حياة الناس إلى كوابيس خاصّة وأنّ درجة عنفها في ازدياد مطرد، وقد فاق بكثير عنف «المتطرّفين» من البشر وصدق المهندس فيصل العش حين وصفها في مقاله بـ «إرهاب المناخ».
قلّة قليلة لا تؤمن بالأخلاق ولا بإنسانية الإنسان ولا بسنن الكون، تهيمن على العالم وتدفع البشرية إلى هلاك محتوم. يقول الله سبحانه وتعالى « ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» - سورة الروم الآية41
والفتنة هي البلاء والمصائب والعذاب، والجماعة البشرية التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره ولا تقف في وجه الظالمين؛ ولا تقطع الطريق أمام المفسدين هي جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين وهو ما نراه حاصلا بين ظهرانينا وأمام أعيننا. فمن سيقدر على وقف النزيف ويأخذ على أيدى الثّلّة الظالمة؟ 
إنّ البشرية في حاجة ملحّة إلى قيادة جديدة تؤمن بالإنسان وتحارب الفساد والاستبداد في الأرض، فهل تضطلع الأمّة الإسلاميّة بهذا الدور؟ 
تبدو أمّتنا للأسف مريضة فهي جزء من المشكلة بل هي عالة على بقية الأمم ولا دواء لها إلآّ في ولادة جديدة وتجدّد في الفكر والثقافة «لا يقتصر على العقل فقط، وإنّما يتجاوزه إلى اكتشاف الرّوح الإسلامية الخالدة التي تنير لنا طريقنا اليوم» كما ذكر الكاتب محمد الصالح الضاوي في مقاله حول تجديد الفكر الإسلامي.