الأولى

بقلم
فيصل العش
بين «إرهاب المناخ» و «إرهاب البشر»
 أيّ رابط بين الإرهاب والمناخ؟ وأي تشابه يمكن أن يحصل بين المؤتمرات الدولية حول المناخ وتلك التي تنظّم من أجل مكافحة الإرهاب؟ هذه أسئلة وغيرها نسعى إلى الإجابة عنها بقدر المستطاع في هذا المقال وذلك بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي من أجل المناخ بباريس المتمثل في الدّورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتّحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، والدّورة الحادية عشرة لاجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو. «COP21» هو أكبر مؤتمر دولي حول المناخ انطلقت أشغاله يوم الإثنين 30 نوفمبر 2015 بحضور 150 رئيس دولة وحكومة، على أمل التّوصل إلى اتّفاق تاريخي للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.
قال وزير البيئة البيروفي الذي ترأس المؤتمر الدّولي السّابق حول المناخ «مانويل بولغار فيدال» في افتتاح مؤتمرباريس : «إنّ العالم يواجه تهديدين رهيبين، هما الإرهاب والتغيّر المناخي». وقد كان محقّا في ما صرّح به، فإرهاب المناخ لا يقلّ خطرا عن إرهاب «البشر» فلكليهما آثار كارثية معولمة وكلاهما يحمل تهديداً عميقاً لحضارة البشر ويزعزع استقرارَ المجتمعات ويبثّ الفزع في نفوس النّاس ويخّلف خسائر مادّية وبشرية كبيرة. وكلاهما شديد الوطأة على المجتمعات الفقيرة والضّعيفة وسلاحٌ خطير تستخدمه الدّول الغنيّة والمنظّمات الدّولية التي تتحكم فيها، تلوّح به لتضغط في اتجاه تمرير أجندات سياسية واقتصادية تخدم مصالحها. 
ومن أجلهما تقام المؤتمرات الدوليّة والتحالفات للتأكيد على خطورتهما وتمضى الاتفاقيات التي عادة ما تكون لصالح الدّول الكبرى على حساب الشّعوب الفقيرة والمستضعفة حتّى وإن كانت في ظاهرها تحمل مساعداتٍ ودعما لهذه الشعوب ولكنّه دعم مسموم ومساعدات تخفي مطامع كثيرة ومصالح تفوق بكثير حجم هذه المساعدات.
 فالحرب على الإرهاب البشري التي أعلنتها الدّول الكبرى وساندتها في ذلك المنظّمات الدّولية وعلى رأسها الأمم المتّحدة لا تتمّ على أراضيها بل على أراضي الدّول الفقيرة ونتائجها معلومة: مزيد من الدّمار والقتل والتّخريب. ولكن فيمَ تتمثّل الحرب على «إرهاب المناخ»؟ وكيف ستتمّ وبأيّ سلاح؟ وما هي نتائجها الآنية والمستقبليّة؟ وأيّ دور تلعبه المنظّمات الدّولية وعلماء المناخ في ذلك؟ ولماذا يُتجنّب التّساؤل عن المسؤوليّة الجماعيّة للدول الكبرى وخاصة أمريكا والدول الأوروبيّة عن كلتا الظاهرتين؟. 
ماذا نعني بإرهاب المناخ؟
يعيش الإنسان منذ نشأته على سطح الأرض في تفاعل مستمر مع المناخ محاولا التأقلم مع عوامله وحماية نفسه من مخاطرها والسّيطرة على آثارها عبر فهم قوانينها واكتشاف أسرارها. وقد بيّنت الدّراسات العلميّة لتاريخ مناخ الأرض أنّه في تغيّر مستمرّ وأنّه مرّ بفترات مختلفة من البرودة والسّخانة تجسّدت في عصور جليديّة تخلّلتها فترات زمنيّة من التدفئة. كما بيّنت دراسة حرارة الغلاف الجوّي القريب من سطح الأرض أنّها في ارتفاع مستمرّ منذ أن غادرنا العصر الجليدي الصغير(1) وأنّ هذا الارتفاع (2) أدّى إلى تغيّرات مناخيّة كبيرة أثّرت بشكل ملحوظ في مظاهر الحياة على وجه الأرض وتسببت في ارتفاع نسبة تواتر وشدّة الكوارث الطبيعيّة كالأعاصير والجفاف والأمطار الطوفانية والعواصف وموجات البرد التي خلّفت آلاف القتلى وملايين المشرّدين وقضت على عشرات الآلاف من الأنواع النباتية والحيوانية. 
لقد خلقت التّغيرات المناخيّة وما انجر عنها من كوارث عنيفة في المجتمعات البشريّة أجواءً من الخوف وحوّلت حياة الناس إلى كوابيس خاصّة وأنّ درجة عنفها في ازدياد مطرد، وقد فاق بكثير عنف «المتطرّفين» من بني جلدتنا ولهذا أطلقنا على هذه التغيّرات المناخيّة  في هذا المقال مصطلح «إرهاب المناخ».
توافق في الأسباب
تتّفق ظاهرتا «إرهاب المناخ» و«إرهاب البشر» في وحدة المصدر فهما نتاج لأخطاء بشرية قامت بها قلّة قليلة هدفها السيطرة على العالم والتحكّم فيه. فـ «إرهاب البشر» الذي نعيشه اليوم ونكتوي بآثاره هو صنيعة «غربيّة» بامتياز وإن كان منفذوه من أقوام أخرى(3) ونكتفي بذكر دليلين إثنين:
* ما كانت الجماعات الارهابية المتطرفة لتنشأ لو لم تتهيأ لها الظروف المناسبة والتي تمثّلت أساسا في الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم الاسلامي ودعمها المطلق للاستبداد والقمع في هذه الربوع ومنع كل محاولات «النّهضة» مع الانحيازالمفضوح إلى الكيان الصهيوني الغاصب. فغياب العدل العالمي ومحاصرة الفكر المعتدل المستنير كان دافعا أساسيّا لردّ فعل متشنّج عبّرت عنه الجماعات المتطرّفة التي تحوّلت من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التّنفيذ، فكانت العمليات الإرهابية التي لم تفرّق بين الظالم والمظلوم وبين المتّهم والبريء.
* الجميع يعلم أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفاءها هم الذين أوجدوا «القاعدة» ودعّموها بالسّلاح والعتاد (4) لمقاومة الغزو السّوفياتي لأفغانستان ثمّ تفرّخت عنها بقيّة المجموعات الإرهابيّة أهمّها «داعش» التي يكتوي العالم اليوم بنيران أفعالها والتي هي أيضا صنيعة أمريكيّة باعتراف أولي الأمر بالولايات المتحدة (5)
أمّا «إرهاب المناخ» فهو نتيجة للاستغلال المفرط للطّاقة الأحفوريّة (6) من قبل الدول الصناعيّة الذي انطلق مع الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، الأمر الذي تسبّب في التزايد المستمر لنسبة تركيز الغازات الدفيئة (7) في الغلاف الجوّي وخاصّة ثاني أكسيد الكربون الذي بلغ أعلى مستوياته منذ 800 ألف عام. وقد بلغت تلك النسبة حدّا تسبّب حسب عدد كبير من خبراء المناخ في الارتفاع الهام لمعدّل درجة حرارة الغلاف الجوّي الأمر الذي نتجت عنه التغيّرات المناخيّة ومن ثّم ما نعيشه من «إرهاب مناخي». وتشير الأرقام إلى أنّ عددا من الدول من بينها الولايات المتحدة الأمريكيـّة  لا تمثّل إلاّ 13.5 % من سكان العالم، مسؤولة عن أكثر من ثلثي انبعاثات الغازات المتسبّبة في الانحباس الحراري وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون (8). 
  المعالجات المغلوطة
في كلّ مرّة تدقّ نواقيس الخطر تُسرع الدول الكبرى بالاعتماد على ترسانتها الإعلاميّة وهيمنتها على مراكز البحوث العلميّة والمنظمات الدوليّة إلى حشد العالم كلّه رافعة شعارات الحرب على هاتين الظاهرتين والقضاء عليهما، فتُقام المؤتمرات وتصدر القرارات والبيانات لكنّ النتائج تمرّ عادة بجانب المأمول فلا يتحقّق القضاء على «إرهاب البشر» ولا التخفيف من مخاطر «إرهاب المناخ» والسّبب فيما نراه يعود إلى :
* طبيعة المعالجة نفسها التي تنطلق من تقييم خاطئ حيث يُتجنّب التّساؤل عن الأسباب الحقيقيّة لهاتين الظاهرتين وعن المسؤوليّة الجماعيّة للدّول الكبرى وخاصة أمريكا والدول الأوروبيّة عن بروزهما وتضخّمهما.
* البحث عن الحلول التي تخدم الدّول الكبرى على حساب الدّول الفقيرة والنّامية التي ليس لديها القدرة على الوقوف في وجه قرارات الدّول العظمى فتكتفي بطلب المساعدة وتعمل على الاستفادة من الصّناديق التي يتمّ إنشاؤها إثر هذه المؤتمرات لتكون بمثابة  ذرّ الرّماد على العيون (الحصول على بعض الأسلحة والمعدّات العسكريّة بالنسبة لملف «إرهاب البشر» والحصول على بعض الأموال المرصودة لما يسمّى بالتّنمية النظيفة بالنسبة لملف «إرهاب المناخ»).
* الهيمنة المتواصلة للدّول الكبرى على منظمة الأمم المتحدة والمؤسّسات الرّاجعة إليها بالنظر التي لا تستطيع تفعيل القرارات المخالفة لأهواء القوى الكبرى في حالة صدورها. ويكفي أن نذكر بالقرارات الأممية التي صدرت منذ عقود في ما يسمّى بملف القضية الفلسطينيّة والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ ولو جزئيّا) 
* ربط المبادرات والقرارات الصادرة بالتوازن الجيوسياسي العالمي والصراع القائم بين الدول الكبرى فتغيب مصالح الشّعوب والدّول الضعيفة من الحسابات مقابل مطالبتها بالالتزام بالقرارات والمساهمة في تنفيذها ( الحرب على الإرهاب في سوريا / الحدّ من  نسبة الانبعاثات الغازية).
  الخاتمة
لن تختلف نتائج القمّة العالميّة لمكافحة الإرهاب ولا قمّة باريس الخاصّة بالمناخ عن غيرها من القمم والمؤتمرات السّابقة ولن يكون باستطاعة أحد فرض قرارات على الدّول الكبرى التي لن توافق على تنفيذ التّوصيات إلاّ إذا خدمت مصالحها السّياسية والاقتصاديّة أمّا الدول الفقيرة والضعيفة فإنّها ستبقى على هامش الأمر تتحمّل تبعات أخطاء الدّول الكبرى والمنظمات الدولية المهيمنة عليها وتعاني أكثر من غيرها من «إرهاب المناخ» و«إرهاب البشر» في انتظار صحوة حقيقيّة للضّمير الإنساني التي قد تأتي وقد لا تأتي قبل قيام الساعة.
الهوامش
(1) العصر الجليدي الصغير (بالإنجليزية: Little Ice Age) هي الفترة الزمنيـة من بداية القرن الرابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر التي شهدت انخفاض مفاجئ في درجة حرارة الأرض في نصف الكرة الأرضية الشمالي. هذه الفترة كانت تسبقها فترة طويلة من درجات حرارة مرتفعة نسبيا تسمى الحقبة القروسطية الدافئة.
(2) تشير القياسات العلمية إلى ارتفاع الحرارة على سطح الأرض بما بين 0.4 و0.8 درجة مائويّة خلال الـ150 عامًا الماضية.
(3) التصق الارهاب في هذه الحقبة بالعرب والمسلمين وصارت هويّته «اسلاميّة» لكن التاريخ يبين لنا أن الإرهاب التصق في ما سبق بالعديد من القوميات والايديولوجيات.
إن تغير المناخ، إن لم يتم كبح جماحه، يشكل تهديدًا خطيرًا على الصحة، وإمدادات الغذاء، والتنوّع البيولوجي، وسبل العيش في جميع أنحاء العالم
(4) كان الهدف من تأسيس «القاعدة» محاربة الشيوعييـــن في الحرب السوفياتيــة في أفغانستان، بدعم من الولايات المتحدة عبر برنامج لوكالة المخابرات المركزية سمي بـ «عملية الإعصار» وبمساعدة المخابرات الباكستانية والسعوديّة . 
(5) أنظر كتاب «الخيارات الصعبة» (بالإنجليزية: Hard Choices) لصاحبته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، نشر في عام 2014، وتغطي فترة إداراتها لوزارة الخارجية الأمريكية من عام 2009 حتى 2013.
(6) الطاقة الأحفورية هي ذاك النوع من الطاقة المحصل عليه عن طريق استغلال الوقود الأحفوري المستخرج من باطن الأرض، وخاصّة الفحم الحجري والنفط .
(7) الغازات الدفيئة هي غازات توجد في الغلاف الجوي تتميز بقدرتها على امتصاص الاشعة التي تفقدها الأرض (الاشعة تحت الحمراء) فتقلل ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء، مما يساعد على تسخين جو الأرض وبالتالي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي.
(8) المصدر : «EDGAR: Trends in global CO2 emissions: 2014 report»
-----
- مدير المجلّة
faycalelleuch@gmail.com