قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
هذا يوم لن يأتي
 (1)
سقط آلاف العراقيين جراء الحصار الذي أطبق على العراق لسنوات طويلة ومعظم هؤلاء الضحايا كانوا للأسف أطفالا لا حول لهم ولا قوة، وحين سئلت «مادلين أولبرايت» عن الكارثة التي سببها الحصار للشعب العراقي قالت ما معناه «تلك ضريبة على العراقيين دفعها». انقضت سنوات الحصار بعد احتلال العراق وبقي في الذّهن وفى سجلاّت التاريخ آلاف الصّور والحكايات عن مآسي كثيرة ومعانات يندى لها الجبين ما كان للبشريّة جميعا السّماح بها أو تبريرها رغم أنّ الذين قاموا بها كانوا يدّعون دائما حرصهم على السّلام العالمي وعلى حقوق الانسان .
(2)
ليس ما حدث في العراق وحده ما يدعو للحيرة من السّكوت المريب للعالم الحرّ عن مأساة يوميّة ترد بالصّوت والصّورة في كلّ نشرات الأخبار وفي الصّحف على مدار السّاعة، فقد كانت ترد علينا بين حرب وأخرى صور الجثث ومشاهد الموت والهلع الذي يصيب الإنسان الفلسطيني جراء اعتداء آلة الحرب الصهيونية عليه.
وبين حرب وأخرى يزداد حجم التّعدي والاعتداء وتزداد بالتّالي صور المآسي والأحزان. وبين كلّ صورة وصورة أشدّ فضاعة تتسلّل سيول التّبريرات الواهية التي لا تعطي الحقّ للشّعب الفلسطيني وإنّما تجعل الحقّ عليه، وما خلا بعض الإعلام العربي فإنّ بقية ما يرد على أسماع العالم فيه إدانة للفلسطيني وتعويم للجريمة الصهيونية يكاد يصل بها حدّ التبرير. ولم يعدم الاعلام الغربي ولا سياسيو هذا الغرب ما يبرّر الوقوف مع الجلاّد بدل الوقوف مع الضحيّة.
(3)
الآن تبدو مأساة الشّعب السّوري الأكثر إلحاحا بين مثيلاتها من المآسي رغم كونها لن تحجب مأساة شعوب أخرى يموت أطفالها ونساؤها وشيوخها كلّ يوم من دون وجود أي بوادر لنهاية هذه المآسي . ليس هذا فحسب، بل إنّ الصور الواردة علينا لحظة بلحظة تدعو إلى الاستغراب الشّديد من برودة العالم المتمدّن تجاه الضّحايا اللذين يزدادون مع كل ثانية. و لعل من المشروع أن نتساءل مثلا إن كان موقف «أولبرات» من مأساة حصار العراق يمثل موقفا استراتجيّا صالحا لكل زمان ولم يكن موقفا شخصيّا يدل على لا مبالاة تلك العجوز تجاه حدث بعينه؟ وهل من البداهة الاعتقاد أنّ الغرب المتحضّر لا يعير أيّ اهتمام للانسان غير الغربي وللطفل غير الغربي وإن كان الضحايا بالمئات كل يوم؟
سقط مئات الآلاف من الضّحايا في رقعة من الجغرافيا تقع بين فلسطين وليبيا وبلاد الشام، وكان سقوطهــم محزنا لنا نحن المؤمنون بالتّحرر والسّلام .غير أنّ الذين قتلوا والذين ساهموا فى القتل لم تجر محاسبتهم ولم يسعَ العالم الحرّ إلى كفّ أيدي القتلة وإجبارهم على احترام حق الآخرين في الحياة.
(4)
ضرب الإرهاب مدنا في أمريكا فتداعى العالم الحرّ بقضّه وقضيضه لإدانة ما حدث وجهّزت جيوش وأحلاف وأرسلت على عجل لاحتلال بلدان وتغيير أنظمتها وتحويلها الى ركام. وحين وقعت تفجيرات إرهابية فى إسبانيا أو في لندن أو في غيرها من مدن الغرب جرى التركيز على وحشيّة الفعل والفاعلين وبراءة المقتولين والضحايا وكذلك جرى التركيز على مقدار الصّدمة التى تلقاها ذووهم من جرّاء الإرهاب البشع المسلّط على أبرياء. والآن يضرب الإرهاب فرنسا فيصبح العالم كلّه بمثقفيه وإعلامييه وكتّابه فرنسيّون جميعا من شدّة التعاطف.
ونحن ندين ما جري بلا أدنى تحفّظ ولا نجد أيّ تبرير للمساس بحقّ النّاس في الحياة ولكنّنا نتساءل هل أنّ الضحايا الذين أسقطهم الارهاب في الغرب بشر وحدهــم من دون أولائك اللذين أسقطهم الارهاب نفسه بطرق أخرى في منطقتنا نحن؟ وهل يأتي اليوم الذي يصبح فيه سكان العالــم «المتمــدن»، رعاة حقوق الانسان، سوريين جميعا أو عراقييــن أو يمنييــن أو مصرييـــن أو فلسطينييــن خاصّة . نخشي بصدق أن هذا اليـــوم لن يأتي.
 .------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com