شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الشريف الإدريسي
 جغرافيا ومؤسّسيها. استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النّهضة الأوروبية. إنّه أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الله بن إدريس المعروف باسم «الشّريف الإدريسي» نسبة للأدارسة العلويين الذين أسّسوا دولة الأدارسة بالمغرب. ولقب أيضا بـ «الصّقلي» لأنه اتخذ جزيرة صقليّة مكاناً له بعد سقوط الدّولة الإسلاميّة، ولقب بـ «سطرابون العرب» نسبة للجغرافي الإغريقي الكبير «سطرابون».
ولد الإدريسي في مدينة سبتة شمال المغرب الأقصى عام 493 هـ (1100 ميلادي). وتعلّم فيها أبجديات القراءة والكتابة ثم انتقل إلى فاس ومنها إلى قرطبة قبلة العلم والحضارة آنذاك، ليمكث بها عدّة سنوات درس خلالها الفلسفة والرياضيات وأتقن الجغرافيا والفلك والطب والصيدلة والنبات. كان الإدريسي منذ صغره موهوبا، توّاقا للمعرفة وعاشقا للسفر والترحال. قام برحلات علمية كثيرة كان لها أكبر الأثر في تكوين معلوماته الجغرافية والتاريخية، التي صقلته علمياً وفكرياً، ومهدت لوضع مؤلفاته، فقد انطلق في رحلته إلى شبه الجزيرة الإسبانية وجنوبي إيطاليا والبرتغال، كما وصل إلى شواطئ فرنسا وإنجلترا الجنوبية وتجوّل بمدنها، ثم عبر البحر إلى المغرب وتجوّل في شماله وجنوبه، وعاش حينا في مراكش، وحينا آخر في قسنطينة، ثم رحل إلى المشرق وطاف البلاد فزار الحجاز ومصر وتجوّل في آسيا الصغرى، وانتهى به المطاف في جزيرة صقلية ضيفا على الملك روجر الثاني الملك النورماندي الذي أحسن استقباله في بلاطه وأغدق عليه وكفله بالرعاية، إلى درجة أن المحيطين بروجر اعتقدوا أنه اعتنق الإسلام لما رأوه من شديد الإعجاب بالإدريسي وبالثقافة وبالعلوم الإسلامية وخاصة الجغرافيا.
ولأن روجر كان محباً للمعرفة فقط طلب من الإدريسي أن يعلمه بعضاً مما عنده وهذا ما فعله الإدريسي برسمه بعض الخرائط ومن بينها خريطة الوطن العربي، التي رسمها عام 1154 م، وهي واحدة من خرائط العالم القديم الأكثر تقدما.
كما طلب منه أن يضع كتابا شاملا في الجغرافيا لوصف طبيعة البلدان، وثقافاتها وجبالها وأنهارها وسهولها وأوديتها، فوضع كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» الذي اعتمد فيه على مشاهداته في رحلاته الكثيرة التي قام بها إلى البلدان والدّول المختلفة، وعلى التقارير الجغرافيّة التي وصلته من الوفود التي أرسلها إلى المناطق الأخرى، ثم على المراجع الجغرافية التي اطمأن إليها ووثق بمعلوماتها، كمؤلفات بطليموس، وابن حوقل، والمسعودي. واستغرق في وضع كتابه هذا خمسة عشر عاما تقريبا، وأتمّـه في عام 548هـ /1123م.
وقد حرص الإدريسي على دعم كتابه بسبعين خريطة للعالم المعروف في زمانه، اشتملت على 356 مدينة أفريقية، و740 مدينة أوروبية، و959 مدينة آسيوية. فكان بحق أعظم موسوعة جغرافية وبشرية في زمانه. 
واهتمت الدوائر العلمية في العالم بهذا المصنف وعدته غير مسبوق في مجاله، واعتبرته بهذا الكتاب أول جغرافي يقوم بمشروع علمي امتد ليشمل جميع أقطار المعمورة، بعد أن كانت أعمال الجغرافيين العرب تهتم بالعالم الإسلامي فقط. 
قالت عنه دائرة المعارف الفرنسية: «إن كتاب الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وإن ما يحتويه من تحديد للمسافات ووصف دقيق يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية في القرون الوسطى».
ظل الإدريسي في بلاد النورمنديين؛ فصنّف كتاب «روض الأُنس ونزهة النفس» الذي اشتهر فيما بعد باسم كتاب «المسالك والممالك». وبالإضافة إلى الكتابين المذكورين كانت له مؤلفات أخرى في الجغرافيا منها مصوّر لأشكال الكرة الأرضية، وخرائط تعد أولى الخرائط الصحيحة في العالم. 
وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في عصور الظلام، رازحة تحت وطأة التخلف وهيمنة الخرافة والأساطير، كان الإدريسي مبدعا في رسم خرائطه اعتمادا على مبدإ كرويّة شكل الأرض، فالإدريسي يرى أن الأرض كروية لكنها ليست دائرية تمامًا فهي كالبيضة يقسمها خط الاستواء إلى قسمين متساويين؛ شمالي وجنوبي. 
ويعدّ الادريسي أول من قاس بنجاح خطوط العرض. والتزمت خرائطه بمقياس الرسم وتحديد خطوط الطول والعرض تحديدًا دقيقًا مستخدمًا الألوان.   
وقد اطلق اسم «الادريسي» على أحد برامج الحاسوب وهو نظام معلومات جغرافيّ يستخدم بشكل واسع في أمريكا وفي كل أنحاء العالم. ولقد اختير هذا الاسم تكريما لهذا العالم الفذ ومساهمته الكبيرة في علم الجغرافيا. 
كما كتب الادريسي في الأدب والشعر والنبات ووضع عدّة مؤلفات علمية تفصح عن علمه الواسع بعلوم الأرض والنبات والأعشاب والأدوية منها «الأدوية المفردة»، و«الصيدلة»، و«الجامع لصفات أشتات النبات». 
توفي الإدريسي سنة 560 هـ/1166م .