قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
بين زعامتين
 حين تحين ساعة أفول النّظام المصري الحاكم في البلد حاليا وهي قاب قوسين أو أدني، فسوف يدرك داعموه والرّاسمون لخطّ سيره أنّهم أخطؤوا خطأ فادحا حين جعلوا للانتخابات البرلمانيّة في مصر تاريخا قريبا من تاريخ الانتخابات في تركيا، إذ في حين كانت المناسبة  الثّانية حدثا محليّا وعالميّا يدعو للإعجاب ويُبرز الديمقراطيّة في أبهي حللها، جاءت المناسبة الأولى بمثابة الكارثة على الديمقراطية والانتخابات وكل أنواع المشاركة الشّعبية في تقرير المصير. وفي حين جلبت الانتخابات البرلمانيّة في تركيا كلّ الاحترام لشعبها ومؤسساتها لم تجلب الانتخابات في مصر إلاّ كل الخزي للنظام وأتباعه وفتحت باب الخوف على مصراعيه أمام المصريّين الذين لم يعد أحد منهم يعرف على وجه الدّقة أين يسير السّيسي وأتباعه بالبلد، وإن كان الشّعب المصري قد جلب لنفسه قدرا هائلا من الاحترام حين رفض المشاركة في تلك المهزلة.
تزامن الحدثان فكان العرس في تركيا لافتا من شدّة بهائه وكان القلق المضني لافتا في مصرمن شدّة وطأته على النفوس والأمكنة.
(2)
جاءت نسبة المشاركة في تركيا برقم غير مسبوق في أيّ انتخابات، وعلى الرّغم من أنّها كانت انتخابات إعادة فإنّ الشّعب التركي قال ما يريد قوله بصوت مرتفع ودون خشية من أيّ عواقب يمكن أن تحلّ به وبناخبيه. وكذلك جاءت نسبة المشاركة المصريّة برقم غاية في الدّلالة على نفور النّاس من النظام وشخوصه وألاعيبه وقال الشّعب في مصر كلمته بوضوح رغم التّهديد والوعيد والخشية ممّا يمكن أن يلحق بالجميع من أذى جرّاء ما قيل للنّظام في واضحة النّهار علنا أمام العالم.
في تركيا كان الاستفتاء على شعبية حزب العدالة والتّنمية يحمل في طيّاته استفتاء آخر هو الاستفتاء على زعامة السيد رجب طيب أردوغان لا لحزبه فقط أو لطيف واسع من مريدي هذا الحزب من الأتراك وإنّما على زعامته لكلّ اللّذين صوّتوا للعدالة والتّنمية فيصبح بالتالي الزّعيم التّركي الأول بلا منازع.
وفي مصر كان الأمر يجري على قدم وساق بعد الانقلاب على الرئيس مرسي كي يتحوّل عبد الفتاح السّيسي من وزير للدّفاع وقائد من قادة الجيش إلى زعيم همام لم تنجب المحروسة له مثيلا. ولقد اعتاد المصريّون في البداية على ربط الإعلام بين ميزات السّيسي وشخصيته الفريدة وبين ميزات شخصيّة الرئيس عبد الناصر ليقال على نحو مضحك أنّ الأول ليس إلاّ امتدادا للثّاني ووريثا له وعند إخواننا في مصر مثل يقول «من لا كبير له يشتري كبيرا».
حاول الإعلام المصري وجوقة المطبّلين والمنافقين كلّ ما في وسعهم أن يصنعوا للرّجل هالة و لكنّهم اصطدموا بعقبات كأداء كثيرة لعل أهمها على الإطلاق أنّ الرّجل لا يمكن أن يكون زعيما، فهو فاقد لكلّ مقومات الزّعامة بل فاقد حتّى للكريزما واللسان اللّذان من دونهما يكون المرء ثقيلا حتى علي نفسه.
(3)
لم يكن أوردوغان سوى رجل مغمور يبيع البطّيخ في دكّان متواضع ثم استطاع مع رجال آخرين أن يؤسّس حزبا ثم فاز في الانتخابات وحصل على ثقة النّاس ليحوّل هذه الثّقة إلى معول للبناء استطاع بواسطته أن يجعل من تركيا بلدا متقدّما فلم يلق من الشّعب التّركي إلا كلّ التّشجيع حتى صار الزّعيم التّركي الأوّل بلا منازع بمباركة قطاع واسع من شعبه.
ولم يكن السّيسي إلاّ انقلابيّا خان ثقة أوّل رئيس منتخب وانقلب على إرادة الشّعب المصري ولم يستطع أن يحصل على ثقة الشّعب المصري في أيّ استحقاق انتخابي، ولم يحفل سجلّه القصير إلاّ بالكوارث والمآسي . ومن العبث الحديث عن أيّ حظّ له في الزّعامة في مصر لا الآن ولا في قادم الأيام.
إنّ مسألة الزّعامة عندنا نحن العرب والمسلمين مسألة جديرة بالاهتمام والدّراسة، فهل حقّا نحتاج إلى زعماء لا نستطيع فعل شيء من دونهم ؟ وهل حقّا كان عندنا زعماء كما كان للأمم الأخرى زعماء؟ وهل من تسمّوا عندنا بالزّعماء كانوا زعماء حقيقيين استمدّوا أحقّيتهم في الزّعامة من إرادة شعوبهم كما فعل أردوغان؟ هل كان بورقيبة وعبد الناصر والحسن الثاني والقذافي زعماء حقّا؟ وهل كان لا بدّ من زعامتهم؟ وما الذي جنته شعوبهم من زعامتهم لها؟
(4)
كانت ثورات الرّبيع العربي يتيمة من زعماء يدّعون الفضل على النّاس في نجاحها، وتلك حكمة بالغة لمن يريد أن يقارن بين مآلات الفعل الشّعبي حين يكون نابعا من إرادة جماعية ومآلات فعل المجموعة القليلة الشّبيهة بالعصابة وما يمكن أن تجرّه من خراب على الجميع. ولعلّنا سوف نرى شواهد كثيرة تدعّم هذه المقارنة بعد أن يتقرّر المصير النّهائي لهذه الثّورات وهي على أي حال أحد أمرين زعامة كزعامة أردوغان محكومة بالآن وهنا أو أخرى كزعامة السّيسي محكومة بالدّفع المتواصل نحو الانهيار.