وجهة نظر

بقلم
عزيز بوطلحة
السياسة الخارجية لأمريكا في الشرق الأوسط
 يتّهم البعض أمريكا بالتّخاذل في موضوع سوريا وأنّها لم تكن حازمة في قصفها للإرهابيّين وليس لديها سياسة واضحة في هذا الملف الذي أثقل كاهل العرب المتعطّشين للدّماء والعنف من أجل الحفاظ على مناصبهم ونفوذهم وكسر رغبة الشّباب في التّغيير والديمقراطية. يُريدون من أمريكا أن تخوض حربا لسواد أعينهم  كأنّ أمريكا لا يهمّها سوى المال. أمريكا أخذت درسين مهمّين، واحد في أفغانستان سنة 2001 والآخر في العراق سنة 2003، لذلك أصبحت أمريكا حذرة جدّا في السّياسة الخارجيّة.
درس  جهاد أمريكا في أفغانستان
بعد الدعم الذي قدّمته أمريكا للمجاهدين في أفغانستان من أجل تحريرها من الاتّحاد السّوفياتي في ثمانينات القرن الماضي ووقوفها جنب دولة الكويت ضدّ صدام حسين في عام 1991، لم يكن بحسبان أمريكا أنّها ستصبح هدفا لمخالفيها من الإسلاميّين المتشدّدين وسيكلفها ذلك خسارة باهضة في الأرواح، اذ شهدت في الحادي عشر من سبتمبر/ شتنبر من سنة 2001 انفجارات خلّفت حوالي 2973 قتيلا، ولا أظنّ أنّ الشّعب الأمريكي ورُؤساؤه سينسون ذلك اليوم ولا تلك المشاهد المؤلمة التي تابعها العالم عبر شاشات التلفزة. 
أُتهمت القاعدة بزعامة أسامة بن لادن الذي أسّس حركة أسماها «الجبهة العالميّة للجهاد ضدّ الأمريكان» ورفع شعار الجهاد العالمي واعتبر ما حدث «غزوة 2011». فتدخّلت أمريكا في أفغانستان ولا زالت هناك الى يومنا هذا ولا شكّ أنّ الخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين مهمّة وهذا ما جعل أمريكا قلقة ولا تريد التدخّل في سوريا.  
قصّة العراق وايران معروفة ومعروف أيضا الدّعم الذي تلقّاه صدام من الاتّحاد السوفياتي لأنّه نظام اشتراكي ومن الولايات المتحدة الامريكيّة لأنّ الأنظمة العربيّة الصّديقة والحليفة لأمريكا كانت راضية عن صدام حسين، ولكن عندما اتّجه صدّام الى احتلال الكويت تحوّلت المحبّة إلى عداوة وتدخّلت أمريكا بمساعدة وطلب عربي وتمّ القضاء على صدام حسين وتورّطت أمريكا في الوحل العراقي منذ 2003 الى اليوم وكان هذا سبب آخر في تردد أمريكا من التدخل في سوريا.
تكتفي أمريكا في هذه الأيام بالتّحليق في سماء الشّرق الأوسط عاليا جدّا، ولا تريد حتى النّزول من أجل ردّ التّحية!!! ولابدّ من أنّ الأنظمة العربية المتهالكة عوض أن تهتم بشؤونها وتتشارك في السّلطة مع شعوبها، تعبت من رفع بصرها الى السّماء ومن انتظار نزول الأمريكان منها فشدّت الرّحال صوب موسكو التي لم تتوان في صفعها وباريس التي استحلّت العسل العربي وهي التي لا تجيد هذه الأيام الكالحة سوى لغة التّنديد والشجب والدّعم والدّهن. 
الوحل العربي و تغيّر المشهد
في رسالة واضحة نصحت أمريكا أصدقاءها بأنّ ما يهدّد الأنظمة العربيّة ليس إيران ولا الإرهاب وإنّما استبدادهم لأنّ إيران والإرهاب والتّطرف هي نتائج لأسباب فإذا اختفت الأسباب اختفت النتائج. في السادس من  أفريل/أبريل 2015 قال أوباما في حوار مع الصحافي توماس فريدمان ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز»: «أعتقد أنّه عند التّفكير فيما يحدث في سوريا على سبيل المثال، هناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك والقيام بشيء». وأضاف «لكن السّؤال هو لماذا لا نرى الدّول العربيّة تحارب الانتهاكات الفضيعة التي ترتكب ضدّ حقوق الإنسان؟ أو يقاتلون ضدّ ما يفعله الرّئيس السّوري بشّار الأسد؟». وأعلن أوباما أنّه يريد أن يناقش مع الحلفاء في الخليج كيفيّة بناء قدرات دفاعيّة أكثر كفاءة، وطمأنتهم على دعم الولايات المتّحدة لهم في مواجهة أيّ هجوم من الخارج، وأضاف «هذا ربما يخفّف بعضا من مخاوفهم ويسمح لهم بإجراء حوار مثمر بشكل أكبر مع الإيرانييّن». وأشار أوباما أنّ أكبر خطر يهدّد الدّول العربية ليس التّعرض لهجوم محتمل من إيران، وإنّما «السخط داخل بلادهم، لاسيّما من قبل الشّبان الغاضبين والعاطلين، والإحساس بعدم وجود مخرج سياسيّ لمظالمهم». وأضاف «ينبغي على الولايات المتّحدة أن تتساءل كيف يمكننا تعزيز الحياة السّياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشّبان السّنة أنّ لديهم شيئا آخر يختارونه غير تنظيم داعش».
----
- باحث سياسي
b.aziz1900@gmail.com