ظواهر جديدة بدأت تطفو من حين لآخر نتيجة اختلال الطبيعة، منها مرض الجنون الذي أصاب البشر كما سبق وأن أصاب قطعان كبيرة من الغنم والأبقار. مرض استعصى على البياطرة وعلى مربي المواشي الذين بغرض الربح السريع أو لمغالبة الكلفة المرتفعة، سارعوا للحلول السهلة دون علم بما قد ينجر عنها من أخطار.

المرض الذي سمي بجنون البقر من علاماته أن يفقد الحيوان إدراك ما حوله وتناسق حركاته التي يصيبها الاضطراب كما يعزف عن الأكل. وقد اهتدى أطباء المواشي إلى أسباب هذا المرض بعد عدة اختبارات بيولوجية وبكترولوجية، وبفضل تضافر الجهود لبلوغ هدف موحد وضعت له كل الإمكانات والإمكانيات. فقاوموه وعالجوه وكان «آخر الدواء الكي». ومن مكملات العلاج واستئصال أسباب هذه الجائحة، تم اغتيال وقتل عدد كبيرا من المواشي ودفنها أو حرقها. (1)

لم يبدُ غريبا ما تم تداوله من أخبار في شأن جائحة جنون البقر والتي أفادت أن أسبابه تعود للانحراف عن النظام الغذائي الطبيعي لهاته الماشية المعروف أنها عاشبة أصلا وتتناول من الوجبات ما يقدم لها على أنه نباتي، فإذا بها تأكل وتجتر بعضها البعض لحما وشحما مغمسا بمخاليط الذرة والشعير وغيرها من مكونات الأعلاف.

إذا ما تغلب المجتمع الدولي على داء جنون البقر بالكف عن تعليف بعضها ببعض فما العمل لمنع البشر الكواعش لا عفوا الدواعش بل أقصد كوالش، أي جمع كالش، من أكل لحم البشر حيا و ميتا؟ 

صبري على المجازر التي أقيمت باسم الاختلاف. ووجعي من مجزرة الأخوّة ومجزرة الأمل ومجزرة الصداقة ومجزرة السلام ومجزرة الكرامة. جزعي من جزار المستقبل وجزار الحي وويلي من جزار الأمة قاطع الرؤوس الحلال.

ويلي من هذا الجنون الذي يلغي الذات وما حولها ويقود المجتمع نحو انتحار جماعي. يا لها من جائحة تعصف بالبشر دون شفقة ولا رحمة. أي نظام طبيعي اختل لدى ابن آدم حتى يتسبب في هذه الظاهرة التي خلافا لعلامات جنون البقر أكسبت المريض قوة وثباتا في الحركة وأكثر شدة وعزما حتى التوحش. وباعتماد القياس في المسائل المتشابهة وبالرجوع إلى جنون البقر فالنظام المختل لا يمكن إلا أن يكون غذائيا. وبالتدقيق غذاء الروح الذي تغير فجعل المريض مرتعدا من شدة رجع صدى صوت شيخه المعلم حتى التقوقع والانزواء والتوحش.  

ألا يستحق بعدُ تسميته بجنون البشر حتى يتجنّد له الأطباء والأخصائيون للبحث في أسبابه لا السيكولوجية فحسب بل كذلك في الطفرات الجينية. لا بد من لقاح يواكب الطفل من حين الولادة وفي الصف وفي كل مراحل الحياة دون غفلة. يجب مراجعة الأنظمة الغذائية والتعليمية إضافة إلى دراسة تأثيرات الأسمدة المستعملة في ما  كل ما نزرع وتجنب ملوثات البيئة وتأثيرات الكواكب والنجوم وتغيرات الحقول الكهرومغناطيسية في الفضاء الخارجي. حري بنا العناية بكل أنواع التغذية وما يتم إعداده للناشئة من برامج تنقصها الكثير من جرعات الثقافة والفن.

ممن يستمع إليّ حكيم فطين سيأخذ بالأسباب بغرض العلاج ونشر السلام، وآخر حكيم فطين سيطور الأسباب لينشر السلام الآخر.

انفلات الفنان إبداع وانجذاب المتصوف إمتاع واعتدال المتزمت إكراه وقمع دون إقناع.    

(1) أزمة جنون البقر، ظهرت في التسعينات، وتسببت في انهيار سوق لحوم الأبقار نظرا لشعور بالقلق من قبل المستهلكين بعد انتشار وباء التهاب الدماغ الإسفنجي البقري والذي يعرف بـ جنون البقر الذي أثر على المزارع الأوروبية منذ عام 1986. ويشتبه في أن ينتقل للبشر . المرض ظهر في بريطانيا ثمّ انتشر تدريجيا في بقية أوروبا، وللحد من تطور انتشاره قررت العديد من البلدان اعدام العديد من القطعان التي تحمل هذا المرض. وفي هذه المناسبة، اكتشف العامة على أن الماشية لم تستهلك فقط النباتات والأعشاب، بل استهلكت أيضا متممات غذائية من مصدر معدني (اصطناعية أو حيوانية).