وجهة نظر

بقلم
عزيز بوطلحة
صراع الحمار و الدب في سنة 2015
 يُنبئ الوضع الذي تعيشه سوريا والعراق وليبيا واليمن بأنّ سنة 2015 ميلادية ستمرّ قاتمة مملوءة بدماء هذه الشّعوب التي تعاني من صراع داخلي تصبغه الأطراف الخارجيّة المحيطة والمنتفعة بالصّراع الطّائفي في حين هو صراع على النّفوذ وتسابق بين الدّول الأوروبيّة وأمريكا وروسيا، علما بأنّ هذه الدّول تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تريد تصريفها في إذكاء الصّراع العربي- العربي والإسلامي ورمي النّار على باقي الأطراف مهما بعدت وإشراكهم في هذه المحرقة والمهلكة التي تحذر منها الأديان السّماوية والأعراف الإنسانيّة.
كلّنا يعلم أنّ أسباب الحرب العالميّة الأولــى والثّانية كان عرقيّا وقوميّا وبعد ذلك  بدأ صراع ذو طابع اقتصادي بين نموذجين اقتصاديين واحد رأسمالي سرعان ما تحوّل الى نظام ليبيرالي وآخر اشتراكي تارة وشيوعي تارة أخرى.عند نهاية الحرب العالميّة الثّانية اختفت دول واختفى معها مجدها كفرنسا (التي احتلّها الألمان في1940) والمجر وبريطانيا وايطاليا واسبانيا وباقي حلفائهـــم وظهرت قوى جديدة تمسك بمقود العالم، هذه القوى التي عرفت كيف تمسك بزمــام الأمور رغم التّنافس الحميم فيما بينها وكانت هي قطب الرّحى في حين كانت دول عديدة على شكل أطراف. فرضت هاتان الدولتان نفوذهما بالقوة النّاعمة والصّلبة حسب الظّــروف. كانت الولايات الأمريكيّة والاتّحاد السّوفياتي هما مركزي القوّة وقطبي العالم وخاضتا حروبا غير مباشرة على أراضي دول ثالثـــة، هذه الحروب استعملت فيها التكنولوجيــــا والمخابرات والإعلام  بشكل مكثّف عوض الرّصاص والصّواريـــخ وأطلق على هذه الفترة ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الثانية من سنـــة 1945 الى تفكّك  الاتحاد السّوفيـــاتي في 1989 بالحرب الباردة.
بعد تفكّك الاتّحاد السّوفياتي ظهر حلف اقتصادي قوي تقوده مجموعة دول أوروبيّة انتظمت فيما بينها في تجمّع عرف تطــوّرا اسمــه الاتّحاد الأوروبــــي (1957) صار له مقر وبرلمـــان وعملة واحـــدة وحرّيـــة تنقل البشر والبضائـــع بين الدّول الأعضـــاء (يضمّ 28 دولة).في حين تعرف الدّول العربيّة تفكّكا رغم وجود جامعة للدول العربيّة مقرّها في عاصمة مصر تجمعهم (تفرّقهم) منذ 1945 تضمّ 22 دولة ومنظمة التّعــــــــاون الإسلامــي (1969) وباقـي الاتحــادات كالذي بين دول المغرب العربــــي ومجلس التّعـــــاون الخليجـــي. كلّ هذه التّجمعـــات رغم عَراقتها لم تستطع أن توحّد العـــرب والمسلميـــــن في أن تكـــون لهم قوّة وكلمــــة تسمع ونفوذ بل دخلت هذه الدول في صراع فيما بينها بصفتها أطراف لدول تحرّكها عن بعد وأسقطت أسباب ونتائج الحرب الباردة بين هذه الدّول ودخلــت في متاهات لم يسلم منها الاّ من باع وطنـــه. في هذه الفترة كانت الأحزاب اليسارية هي صاحبة المبادرة والمشاريع والسّلطة والنّفوذ في كثير من الدّول ومع زوال الاتّحاد السوفياتـــي، ظهر التّيار الاسلامي بكل أطيافه في مقدّمة المشهد وأخذ المشعل من اليسار..
أصبحت أمريكا جانحة نحو التّفرد بالمقدمة ومن خلفها الاتحاد الأوروبي الذي غالبا ما يهمس ودول لا تجيد سوى لغة التّنديد والرّفض ودول عربيّة تجيد الرّكض وراء السّيد الوحيد، كما ظهرت الصّين كقوة اقتصاديّة عالميّة تحققّ نموّا فاق 8 % ممّا مكّنها أن تصبح ثاني قوة اقتصادية بعد أمريكا متجاوزة اليابان وجميع الدّول الأوروبيّة بسبب توسّعها الاقتصادي الذي اجتاحت به كلّ القارات واتّباعها سياسة ضبط النّفس والنأي عن التّدخل في شؤون دول العالم وبذلك أصبح لها أصدقاء كثر رغم اتباعها نظاما شيوعيّا وسيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الحكم. 
عند نهاية 2010 وفي شهر ديسمبر/كانون الأول بدأ مخاض الرّبيع العربي في الظهور في تونس ثم نضج في مصر في شهر جانفي/يناير 2011 وفي فيري/فبراير من نفس السنة في المغرب وليبيا وباقي البلدان العربيّة كاليمن وسوريا والعراق والاردن وسلطنة عمان والبحرين والكويت وموريتانيا والجزائر. كلّ الدول شملها الربيع بدرجات متفاوتة، البعض أزهر وعمّر والباقي انقلب خريفا قبل الأوان .
أرادت بعض الدّول أن تحمي مصالحهــا داخل الدول التي عرفت ربيعا، فحوّلت المشهد من رومانسي الى دراماتيكي وصبّت مزيـــدا من الزّيت على النار ليصبح الوضع أكثر قتامة وغدا الرّبيع خريفا ودبّ الصّراع بين إخوة النّضال والثّورة، بين الاسلاميين واليساريين والليبيراليين وطلّت رأس الحرب بين أبناء الوطن الواحد في ليبيا واليمن وسوريا والعراق وأصبحت هذه الدّول لقمة سائغة للمتطرّفين الاسلامييّن ومرتعا لهم. 
صعود المتطرفين
تلا قتامة المشهد تصاعد الحركات المتطرّفة التي هي ضحيّة قراءة خاطئة للنّص سواءً كان قرآنا أو حديثا أو أقوالا لعلماء، فبسطت نفوذها في العراق أوّلا ثم سوريا لتنتشر في باقي دول العالم وانشقّ فصيل أكثر تطرفا من تنظيم  القاعدة في العام 2013 نشط في العراق وسوريا تحت اسم داعش(الدولة الاسلامية في العراق والشام) لينتشر في باقي الدول معلنا قيام الخلافة الإسلامية، ناصبا زعيمه أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين ومقسّما العالم الاسلامي الى ولايات تابعة له تحت مسمّى ''الدّولة الاسلامية''. ترك هذا الفصيل العالم وباقي الفصائل المتطرّفة في حيرة بعدما سحب البساط  من تحت أقدامها مستقطبا انصارها واتباعها.
يتّبع تنظيم الدّولة الإسلامية العنف ضدّ المخالفين ويكفّر كلّ من لا يبايع ومن يبايع ويخالفه في الرّأي في المسائل الاجتهادية. ففي 2015 قام هذا التنظيم بعمليات قتل لبعض أنصاره بمجرد مخالفات لأوامر القيادة كما قام بأعمال وحشيّة تمثّلت في قتل صحفيين وعمّال إغاثة غربيّين عن طريق جزّ رؤوسهم وقام بحرق بعض أسراه وتفجير آخرين أو إغراقهم في حوض سباحة وترويج ذلك إعلاميّا لبثّ الرعب في نفوس أتباعه ومخالفيه وأعدائه على حدّ السواء .
النقطة التي افاضت الكأس
رغم اشتداد المعارك والصّراع بين المتطرّفين والمعتدلين (الذين اختفوا مع الوقت) والنّظام السّوري وتقدّم المتطرّفين وتوسّعهم على حساب باقي الأطراف (المعارضين المعتدلين والنّظام) بفعل الدّعم الأوروبي والأمريكي والعربي غير المباشر، بقي النظام إلى حدود شهر سبتمبر/شتنبر 2015 متماسكا وعند نهاية الشّهر قررت روسيا التدخّل فجمعت عدّتها وأرسلتها الى سوريا عبر طائرات عملاقة وحرّكت أساطيلها البحرية بمباركة الحكومة السّورية التي طلبت الدّعم بشكل مباشر حتّى يكون التدخّل الروسي مبررا أمام الأمم المتحدة ومطابقا لما ينصّ عليه القانون الدّولي وبدأت في 30 من نفس الشهر في قصف مواقع تسيطر عليها «داعش» و«جبهة النّصرة» و«حركة احرار الشام» و«تجمّع صقور الغاب» وباقي الفصائل المسلّحة ثم تلا هذا القصف صخب إعلامي تقوده الدّول التي تضرّرت مصالحها جراء هذا القصف رغم أنّه كان هناك تحالف «ستّيني» تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وقطر والسعودية والأردن والامارات وبلجيكا وكندا يقصف مواقع داعش والفصائل المتطرفة منذ عام كامل.
ومردّ هذا السّعار الإعلامي العربي والغربي تخاذل التّحالف «الستيني» في محاربة الإرهاب وخوفا من الصورة المخجلة التي سيكون عليها التحالف في حال نجاح التدخّل الروسي خاصّة وقد استعملت روسيا فيه منذ بدايته كل الاسلحة المتطوّرة التي تمتلكها بالإضافة إلى القصف العنيف من أسطولها البحري المتواجد ببحر قوزين. لقد أخذت روسيا احتياطاتها جيدا على ما يبدو لتفادي الأخطاء التي وقعت فيها في افغانستان. 
ولأن النظام السوري يعتبر حليفا وفيا لروسيا، يتساءل البعض لماذا لم تتدخل روسيا قبل 2015 لتنقذه عندما كان يسيطر على كل الأراضي والمدن الكبرى. هل كان الدبّ الرّوسي يراقب ويكتفي بذلك ؟ أم أنّ المسألة، مسألة  انهاك للخصوم؟ وهذا ما يبدو على كل الاطراف رغم ارتفاع صبيب المؤتمرات التي تنتهي بالتنديد بالتدخل الرّوسي واتهامه بتغليب طرف على طرف. إنّ الحملة الإعلاميّة التي تقودها أمريكا ويشاركها فيها حلفاؤها هي في الحقيقة صرخات  لستر الفشل والعجز والخيانة والغدر ومنع كشف مؤامرتهم في جعل العرب في صراع دائم في ما بينهم، ناسين أن لروسيا حسابا آخر ولابد لها من حماية حليفها المطلّ على البحر الابيض المتوسط وتعويض فشلها في ليبيا سنة 2011 والعراق قبل ذلك في 2003. 
لقد تحوّل الصّراع في سوريا الى صراع دولي وجيو سياسي وجيو جغرافي، بعيدا عن دّول الجوار أو بعبارة أصحّ عن الأطراف بل هو صراع بين المركزين أو القطبين، ومن الأسلم لكلّ العرب الانسحاب والتخلّي عن دعم المتطرفين الذين لن تكون وجهتهم الجديدة سوى جيران سوريا وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والأردن ولبنان، أمّا العراق فسيبقى - كلّما طال عمر الصّراع - مرتعا لهم ومفرخة لشباب عربي لا يعرف سوى لغة القتل والعنف. لقد اصبح للمتطرفين رجال أعمال وصفقات ونفوذ وأصبح العالم العربي بيد مافيا اسمها التّطرف، تتجار في السّياسة وصناعة الدّول وتخترق الحدود. 
كل دول العالم العربي والغربي مشغولة هذه الأيام بالحرب وبتجارة الحرب الاّ دول الصين واليابان والهند ودول أمريكا الجنوبيّة فهي منشغلة بالعمل والتّوسع الاقتصادي ..فيا ترى ماذا تخبئ لنا الصّين وأخواتها في المستقبل؟
-----
- باحث سياسي
b.aziz1900@gmail.com