وجهة نظر

بقلم
يسري بوعوينة
الرباعي الراعي للإرهاب(3) - الراعي الثالث : الفقر
 ما اجتمع الإستبداد والظّلم إلاّ وكان الفقر ثالثهما...الإستبداد يفتح أبواب الظّلم على مصراعيها وما إن يجد الظّلم موطئ قدم في المجتمع حتى تظهر أولى تجلياته وهي الرّغبة والنّهم الشّديد لامتلاك كلّ شيء...الأخضر واليابس...المال والأعمال وحتى النّاس...مع تراكم الأموال عند فئة إلى درجة لا تجد أين تنفقها سوى على الموضة والسيارات الجديدة، تجد في المقابل فئة أخرى لا تجد رغيفا يابسا أو قليلا من الدواء وبين الفئتين رجل دين يمنح الفئة الأولى البركة والدّعوات ويطالب الفئة الثّانية بالصّبر، أو لا يكفيها أنّ لها جنّة عرضها السّماوات والأرض ؟؟؟
نحن بلا منازع أمّة الفقر...لم نعرف يوما طريقة لإنتاج الثّروات وتوزيعها على إمتداد تاريخنا، فكنّا دائما نلتجئ إلى الحلّ الأسهل: الغزوات (بما هي حروب إستعماريّة توسّعية حتّى وإن تلبّست بلبوس الإسلام) في الماضي والبترول ومصادر الطّاقة في عصرنا الزّاهي...ماذا ننتج وماذا نبيع؟ لا شيء تقريبا...أموال الرّعية في الماضي كانت تنفق على القصور ومجالس الطّرب والشّعر وما أكثر ما قرأنا في كتب التّاريخ قول أمير المؤمنين أو كبار حاشيته «امنحوا هذا الشاعر وزنه ذهبا»...تبذير لأموال من هنا تقابله فاقة كبيرة من جانب الرّعية التي أسلمت أمرها لله وأقنعت نفسها - يا لِغرابة الأقدار- أنّ الفقر نعمة من الله وأنّ الفقراء يدخلون الجنّة، فتواكلت وتقوقعت في المساجد تنتظر السّماء أن تمطر ذهبا وفضّة بدل أن تكدّ وتعمل وتحاسب الحكّام على موارد الإنفاق العامّة حتّى لا يضيع درهم طريقه إلى جيب الخليفة....
الفقر ليس شرطا لخلق الإرهاب، لكن بمجرد تتبع الأصول الإجتماعيّة للإرهابيّين نجد أنّ معظمهم قادمون من أحزمة الفقر...في تونس مثلا نادرا  جدّا ما تجد إرهابيّا من «المرسى» أو من «سيدي بوسعيد» أو «القنطاوي» مع أنّ هذه ليست قاعدة فبن لادن ملياردير ورغم ذلك فقد سلك طريق الجهاد الوعرة من السّودان إلى «طورا بورا» ولكن «بن لادن» يمثّل حالة شاذّة، فالغالب الأعمّ يبقى كون الأحياء الشّعبية والمهمشة تمثّل البيئة الحاضنة لوحش برأسين الإرهاب والانحراف وهما وجهان لعملة واحدة...لا يعني هذا أن نلقي بأحياء كاملة في المحرقة فنتخلّص من المأزق، لأنّ المشكلة ليست في هذه الأحياء الفقيرة ولكن المشكلة في الفقر...إنّ ما يجب أن نقضي عليه هو الفقر الذي يحطّم الآمال و يحول الشّباب إلى وحوش ضارية تنتقم من مجتمعاتها...لا أن نهدم هذه الأحياء أو نحوّلها إلى سجون، كلّ ساكن فيها متّهم حتى تثبت براءته....
بين الهجرة السّرية  المريرة والمدمرة والهجرة إلى بؤر الإرهاب والموت رابط جامع...هو الهروب من الفقر...لا يجب أن نغفل أنّ المقاتلين في صفوف داعش وغيرها يتقاضون مبالغ مالية كبيرة عدا ما يحوزونه من مغانم وفيء وهو ما يغري عديد المرتزقة بالانضمام إلى هذه الآلة الحاصدة للرؤوس... لا تقتصر المسألة على الجانب الدّيني فحسب بل تشمل الجوانب المادّية التي عجزت الدّولة الوطنية عن توفيرها لشبابنا المسكين التائه في هذه الحياة...بلا هدف ولا حتّى طريق إلى هدف...
من حقّنا أن نتسائل كيف يمكن لشابّ أن يتحصل على مستوى تعليمي رفيع وتكاليف الدّراسة ارتفعت بشكل رهيب حتى أصبحت المعرفة ترفا؟....كيف يمكن لشابّ أن يفكر في شراء قطعة أرض وبناء مسكن وشراء سيّارة والزّواج في نفس الوقت؟ يلزم معجزة لتحقيق ذلك وعلى هذا الشاب إمّا أن يسرق فيكون مصيره السّجن أو أن ينعزل في المسجد فيصير غريبا في مجتمعه وعن مجتمعه وما يلبث أن يجد نفسه في جماعة  «طوبى للغرباء»...
لا يستطيع الفرد أن يحسّ بغلاء تكاليف المعيشة وقصر ذات اليد إلاّ حين يعيش التّجربة بنفسه، فأنا مثلا تحدّثت كثيرا عن غلاء تكاليف الزّواج وعزوف الشّباب عنه لكنّي لم أشعر بشوكه إلاّ عند التّحضير لمراسم خطوبتي التي سأقيمها بعد أشهر ...ظننت نفسي ذكيّا بأن استبقت الموعد بفترة طويلة إلاّ أنّني وجدت نفسي أدفع أموالا كلّ يوم تقريبا لشراء مستلزمات عديدة قد تستعمل وقد لا تستعمل خلال الحفلة، أمّا عن الذهب فحدث عن غلائه ولا حرج.... كلّما لمع الذّهب أكثر خفت بريقي أكثر ونقصت أموالي أكثر وأكثر وأكثر...
هل سأصبح داعشيّا؟ لا أعتقد ذلك فرغم الإستبداد والفقر والظلم، نجد شبابا رسموا طريقا مزهرا لأنفسهم فكانوا شموعا أشعلت النّار في بيت الإستبداد العفن وأنارت طريق بقيّة الناس نحو الحرّية...و نجد شبابا رؤوسهم شامخة وقلوبهم راسخة لا يتردّدون في كشف الظّلم ولو كان ثمن ذلك السّجون....و نجد شبابا حوّل فقره من عاهة إلى نقطة للانطلاق نحو آفاق أجمل فكانوا لغيرهم آيات في الاجتهاد والمثابرة والنجاح...
بقيت إذن الحلقة الأخيرة....الحلقة الرّابطة والأهم التي بدونها يستحيل وجود الإرهاب....أقصد الجهل الرّاعي الرابع والأخطر..لا يمكن أن يجتمع النّور والظلام في مكان واحد...إمّا أن يكون هناك علم ونور وإمّا أن يكون هناك جهل وإرهاب وسواد...إمّا حضارة وإما خراب...هما طريقان وأمامنا حرّية الإختيار...
------
- طالب مرحلة دكتوراة في العلوم السياسية
yosri.bouaouina@gmail.com