قول على عجل

بقلم
محمود جاء بالله
مراعات الفارق في التوقيت ...
 يوم بعد يوم تزداد أوضــاع الشّعوب العربيّــة تعقيدا وتتعاظم ويلاتهــم، وتظهر لهم صورا تحملها نشرات الأخبار ترســم فضاعة وقتامـــة لا مثيل لها. إنّ المتأمّل اليـــوم في حال الشّعوب العربيّة وما آلت إليه مدنهــم من خراب ودمـــار طال الحديث والقديــم، يدرك أنّ هناك مخططا رهيبا لتدميــر هاته الشّعوب ومحوهـــا واجتثاثهـــا، تقتيلا، تشريدا واعتقالا.
والمؤسف أنّ هاته العمليّة لا تتمّ بيد عدوّ لدود لازال يحتلّ الأرض ويرابط على كلّ الحدود وإنّما بيد أبناء هاته الشّعوب نفسها وكلّ طرف تحرّكه نوازع واتّجاهات وكمّ هائل من الأحقاد تصبّ على رؤوس الأبرياء تفجيرا وتقتيلا حتّى الدّمار والفناء. فالأخبار لا تحمل الاّ الكوارث التي تحدث عندنا، حتى أنّنا لا نخال أنّ اليوم يمرّ دون أن نسمع ونرى مشاهد الدّمار التي طالت كلّ شئ الإنسان والعمران. 
بعيدا عن منطق المؤامرة التي تحاك ضدّ شعوب المنطقة العربيّة، والتي لا ننفيها ولا ننكرها أصلا ، تتبادر إلى الذهن أسئلة عديدة : 
* لماذا كل هذا الدّمار الذي يحدث في ديار العرب والمسلمين دون غيرهم ؟ 
* لماذا ابتلينا بقادة وحكّام لا يراعون ولا يحترمون شعوبهم ؟ 
* لماذا هذا الوهن والضّعف الذي دبّ في هاته الشّعوب فتركت كلّ من هبّ ودبّ يستبيح أرضها وعرضها؟.
* ما السّبيل الى التّغيير ؟ 
ليس المسألة في طرح الأسئلة على كثرتها ولا في البحث عن أجوبة إنشائيّة وتحليليّة وتوصيفيّة ينتهي بها المطاف الى مسكّنات لا تسمن ولا تغني من جوع ولا توقّف الدّمار الهائل الذي أصاب المنطقة. 
ليس الإشكال في المؤامرة وفي خيوطها وفيمن يدبّرها، فهذا أمر أصبح مألوفا، فالقوى الدّولية ساعية أساسا الى :
* حماية إسرائيل وجعلها أقوى دولة في المنطقة (اقتصاديا، علميا وعسكريا) 
* نهب خيرات الشّعوب العربيّة، التي لم تكن في يوم من الأيام خيرا ونفعا لها، بل كانت أرصدة لحكّام فاسدين ونهب للمستعمرين. والكلّ يعمل، حكام هاته الشعوب والقوى الاستعمارية، لكي لا تصل هاته الثروات الى الشعوب. 
* العمل على تدمير قدرات الشّعوب العربية وإفناء شبابها، هذا القلب النّابض، وإدخال هاته الشعوب في كهف العجز. 
* طمس ومحو تاريخ هاته الشّعوب حتّى تصير نكرة لا ماض لها ولا حاضر تبنيه، وبالتالي لا مستقبل تنشده. فالقوى المعادية وعلى رأسها إسرائيل تكره ماض كانت لنا فيه صولات وجولات وتاريخ كانت لنا فيه زمام المبادرة .
* تهجير الشّعوب العربيّة من أوطانها وقطع أواصل مجتمعاتها وتشتيتها بين الدّول وبذلك تمحى كل أحلام الوحدة بينها، وهو ما جعل الصهاينة المغتصبين ، هم المستوطنون وأصحاب الأرض هم المهجّرون .
إنّ الخطب لا زال يتعاظم بل إنّنا نرى أنفسنا في نفق مظلم لا نور في آخره. تدفعنا حميّة الجاهليّة نحو الاقتتال والتّباغض والتّآمر على الأوطان، حيث انقسمت شعوبنا بين ثلّة مدافعة عن القضيّة وثلّة بائعة لها وبقية باقية أسقطت من اهتمامها كل القضيّة.
لقد أصبحت الشّعوب العربيّة الوحيدة في العالم التي تساق الى حتف معلوم وكأنّها غثاء كغثاء السّيل، تجرّها سيول الخيانة لتنتهي بها في بؤر المهانة، شعوب لا حول ولا قوّة لها، شعوب لا تحقّ لها حتى الأحلام. 
أصبحنا نعيش فوارق كبرى في التّوقيت بينا وبين بقيّة الشّعوب، فوارق يصعب تداركها، اجتماعية وثقافيّة واقتصاديّة وفي مناهج التّعليم، وفروق أخرى كثيرة ومتعدّدة تحيلنا على أزمنة التّخلف والتّردي التي شهدتها من قبلنا أمّم أخرى.
 فقدت الشّعوب العربيّة الإرادة في تغيير واقعها، ذلك هو الإشكال الحقيقي، ولم يعد يخامرها حلم العيش الحرّ والكريم. شعوب تطاردها القنابل، والبراميل المتفجّرة والصواريخ التي لم تفجّر البنيان فحسب بل فجّرت الإنسان لتدفن معه الأحلام، وأصبحت الأوطان ملغومة والأرض جدباء، لذلك أحبّ أبناؤها الهجرة بحثا عن الأمان وفي الحقيقة ما هي الاّ أوهام يروّجها تجّار الأحلام. نسي الجميع أن من هاجر الأوطان عاش ذليلا مجتثّا وإن سكن أفخم المنازل واستقرّ في أفضل البلدان فحبّ الوطن من الإيمان وهجران الوطن من الكفران، هكذا تعلمنا على مرّ الازمان . 
يبقى السّؤال الأول والأخير، ما السّبيل الى تغيير هذه الأوضاع ؟ 
إنّ التّغيير لا يحدث أبدا من خارج دائرة الشّعوب العربيّة لقوله تعالى « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ». تلك هي سنّة الكون. لا يجب أن ننتظر التغيير من أحد خارج عن دائرتنا، التّغيير لا يكون بالفعل إلّا منّا ومن الضّروري أن يستند هذا التّغيير الى : 
* إرادة قويّة لدى شعوبنا لحمل راية التّغيير والعمل الجاد من أجله .
* العمل الدّؤوب دون كلل أو ملل لطي الزّمان ومحو الفوارق في التّوقيت حتى نلتحق بالشّعوب المتحضّرة وهي ليست أفضل منّا في شيء . 
* انتهاج اُسلوب المعرفة والتعلم، فالعلم هو مفتاح نجاح الشّعوب . 
* التّمسك بالوطن وعدم هجرانه والذّود عنه  «ومن باع أرضه باع عرضه».
خلاصة القول الطريق ليست سهلة فهي ملغومة والسّماء ليست صافية فهي مليئة بالرّاجمات ولكن يبقى الأمل أنّنا قادرون على التّغيير متى أردنا ذلك وقادرون على تجاوز الفارق في التّوقيت.
الهوامش
(1) سورة الرعد الآية 11
 
------
- مهندس وماستير في التصرف
Jabmoda@gmail.com