قول على عجل

بقلم
محمود جاء بالله
العلم مفتاح نجاح الشعوب والامم
 العلم منارة العقول بحضوره والأخذ به والازدياد منه تستقيم الأعمال وتتحقّق النجاحات. الشعوب الجاهلة تهدم بأيديها كلّ معالم الحضارة والشّعوب المتعلمة تبني وتشيد الحضارات وترفع قواعد وبيوت لا عماد لها. ليس غريبا أن يكون أول ما نزل من الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقرأ .....»، نحن في الأصل أمّة اقرأ، أمّة تجلّ القراءة وتقدّر العلم وأهله ، فهل نحن اليوم  كذلك ؟ 
إنّ العلم الذي سبق التّوحيد والعمل والعبادة يجعلنا ندرك جليّا قيمته وقيمة أهله، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» (1) .
العلم يؤسّس لكل شيء وهو بداية الطّريق الذي يسلكه أي إنسان منذ ولادته. هو نهر وبحر يستزيد منه الإنسان ولا يتوقّف عن ذلك أبدا ، ألم يقل الرّسول الكريم عليه الصلاة والسلام دعاءا صار قرآنا يتلى « وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» (2). لقد كانت منّة الله على عباده المؤمنين أن أرسل اليهم رسولا من أنفسهم ليعلّمهم الكتاب والحكمة. قال تعالى « 
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (3). فحكمة الله اقتضت أن يكون المعلّم مبعوثا منّا يعيش همّ الأمّة ومعاناتها وبذلك يكون أقدر على تعليم النّاس، فهو منهم والعلم إليهم . 
إنّ مفتاح نجاح الأمم والشّعوب في العلم والتّعلم، والإنسان يخلد اسمه بالعلم والمعرفة، وفي حديث الرّسول الأكرم عليه الصّلاة والسّلام « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»(4). فمن أحد أسباب عدم انقطاع عمل المرء بعد وفاته العلم الذي يتركه المرء لينتفع به من بعده، أليس بعد هذا الفضل من فضل؟ أليس بعد هذا الإجلال والّتقدير من إجلال؟. إنّ الله أعلى من شأن العلماء وأنزلهم منزلة الشّهداء على الحقّ وعلى عدله، يقول تعالى « شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (5). أيّة منزلة للعلماء ارقى وأجلّ من هذه؟ لقد اقرّ الله تعالى بأنّ أهل العلم يُرفعون درجات، حيث يقول في محكم تنزيله « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ٌ»(6). 
يرتفع أهل العلم بعلمهم ويسلكون مسالك المعرفة وبذلك يرتقون أعلى الدّرجات، وما يزيدهم تكريما أنّهم لا يستوون مع الذين لا يعلمون، قال جلّ من قال « قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ» (7).
إنّ الأمّة اليوم في أشدّ الحاجة الى صحوة جديدة يقودها العلماء وفي حاجة ماسّة الى العلم والتّعلم . فتأخّر أمّتنا اليوم إنّما سببه في تركنا للعلم والمعرفة، لقد تقدمت الشعوب من حولنا بعلمها وشقّت طريق النّجاح بالعلم والمعرفة، فنفذت به من أقطار السّماوات والأرض، وعمروا الكون واكتشفوا وأنتجوا وأبدعوا ونحن لا زلنا نراوح أماكننا، نعطّل العلم وأهله ونعلي شأن التّافهين، نضيّق الخناق على العالم العامل وننزّل الجاهل أعلى المنازل. إنّ العلم لا تتحقق نتائجه الاّ اذا تبعه عمل وانجاز العلم لا نفع فيه اذا صودر ووقع كتمانه، فالله يطرد من رحمته كاتم العلم، يقول تعالى « نَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (8)، بل إنّ من بين ما يسأل عنه العبد يوم القيامة وقبل أن تزول قدمه كما قال الرّسول صلى الله عليه وسلّم  « ...........وعن علمه ماذا عمل فيه».
إنّ الأمّة عندما لا تقدّر قيمة العلم والمعرفة مع إدراكها أنّها ستحاسب أمام الله يوم القيامة عن العلم وماذا عملت به، لا تعذر بجهلها أبدا ولا عزاء لها بين الأمم، والأمّة الجاهلة زبد سيذهب جفاءا زهي بالتالي أمّة ليس لها ما يمكث في الأرض فينتفع به الناس. 
أمّة « اقرأ» مع الأسف لا تقرأ الاّ النزر القليل وإن قرأت فقلَ ما تفهم. نحن نحتاج اليوم الى تثوير العقول واتّخاذ سبيل العلم سبيلا علّنا ندرك ما فات ونعيد أمجادا بنيناها بالعلم والمعرفة.
الهوامش
(1) سورة محمد - الآية 19
(2) سورة طه  - الآية 114
(3) سورة آل عمران - الآية 164
(4) رواه أبو هُريرة وأخرجه الإمام مسلم
(5) سورة آل عمران - الآية 18
(6) سورة المجادلة - الآية 11
(7) سورة الزمر - الآية 9
(8) سورة البقرة - الآية 159
(9) رواه ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه
------
- مهندس وماستير في التصرف
Jabmoda@gmail.com