في التنمية البشرية

بقلم
فضيلة الجبلاوي
التعايش ... زمن الاختلاف
 التعايش.... هذا المصطلح القديم الجديد الذي يتأسّس على الاحترام المتبادل وقبول الغير كما هو وكما يريد أن يكون ونبذ الصّراعات الفكريّة والايديولوجيّة وايجاد سبل للتّعاون وتبادل الآراء والأفكار والخبرات مع السّعي لبناء قيم مشتركة جامعة بين أفراد المجتمع الواحد والاجماع على رفض العنف والتّطرف مهما كان مأتاه واعتماد الحوار كلغة وحيدة للوصول الى أرضيّة مشتركة تضمن الحقوق والحريات للجميع، أمّا وقد تفاقمت التّباينات وتعدّدت الفروقات وتضاربت المصالح وطغت رغبة كلّ طرف في التميّز والتّفرد وحصد المكاسب على حساب الآخر المختلف، أضحى من العسير الوصول الى  نقطة التقاء تجمع الفرقاء وتكون أرضيّة صلبة لمواجهة الأخطار المحدقة بنا جميعا.
الاختلاف في ظاهره تباعد و تنافر ... و في باطنه تنوّع و تكامل
قال تعالى: «ولَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ» (سورة هود - الآية 118)
ويقول ابن القيّم: «وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم لذلك فهو ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي وجدت في الإنسان» (ابن القيم - الصواعق المرسلة - 2/519).
الاختلاف في الرأي والفكر دليل ثراء وتنوع في فهم القضايا المطروحة حيث يتيح لنا تنوّع في وجهات النّظر ويعتبر الأسلوب الأمثل لخلق بدائل مختلفة للمشكل، كما يتيح لنا الاختلاف التّوصل الى أفكار جديدة والبحث عن حلول ومناهج متعددة. فالاختلاف الايجابي قد يوحي بشيء من التّكامل والتّناغم، لكن الاختلاف بدأ ينتشر كثيرا في أوطاننا ويتفاقم ويتحوّل الى خلاف وبات يهدّد بالخروج على السّيطرة ويهوي بمجتمعاتنا في أتون صراعات وهمية لا طائل من ورائها.
أسباب الاختلاف و عدم القدرة على التواصل السليم
- اختلاف وتفاوت فهم البشر وإدراكهم.
- تباين أغراضهم ومقاصدهم ومصالحهم.
- تنوّع مواقفهم ومعتقداتهم.
- بعض الصّفات السلبيّة ( الكبر، الجمود، الانانية، الغرور، الانطوائية,...).
- النّزعة الفرديّة لإثبات وجهة نظره وأنّه على حقّ حتّى ولو بالمكابرة والعناد.
 التواصل السليم.... بداية التعايش
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: « المؤمن الذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط النّاس ولا يصبر على أذاهم».
اذا أردت أن تكسب النّاس، يجب أن تفهمهم وتذكر أنّ الانسان عاطفي أكثر منه منطقيّ وهو مثلك تماما يرغب في أن:
- يعامــــلوه باحتـــرام
- يشعـــروه بأهميته
- يفهموا وجهــــة نظره
- يراعوا مصالحه ورغبــاته 
اخرج من حدود ذاتك، رغباتك ومصالحك... تجد المداخل السهلة للعقول والقلوب
• الاحترام والتقدير: اتّفق مع الآخر على أنّه مهمّ وسوف يتّفق معك في كل شئ.
• التّسامح والبحث عن عذر:  كيف تلوم النّاس على أخطاء يمكن أن تقع أنت فيها، نحن نرى أخطاءنا صغيرة ونجد لها أعذارا، أما أخطاء الآخرين فهي كبيرة ولا تغتفر... أجعل الخطأ يبدو بسيطا وجدّد الثّقة بالمخطئ. 
• افهم وجهة نظر الطّرف المقابل: كلّ شخص يعتقد دائما أنّه على حقّ وأنّ آراءه منطقيّة لأنّ الاستخفاف بآراء الآخرين يدفعهم الى المقاومة.
• ابحث عن العوامل المشتركة: دائما يوجد نقاط يتّفق عليها الجميع. انطلق منها ولا تركّز على نقاط الاختلاف ولا تتحدث عن مصلحتك وتحدث عن المصلحة المشتركة.
عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ آلِفٌ مَأْلُوفٌ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» (رواه الطبراني في «الأوسط» - 5787). 
الحوار الناجح ... روح التواصل الفعال
الحوار  هو أعلى المهارات الاجتماعية قيمةً، وهو عمل الأنبياء، والعلماء، والمفكّرين، وقادة السّياسة، ورجال الأعمال، والمربّين.... وهو أساس لنجاح الأب مع إبنه، والزّوج مع زوجه، والصّديق مع صديقه. والأمّة الرّاقية هي التي تشجّع على انتهاج الحوار سبيلا لحلّ مشاكلها وكلّما أهملت هذه المهارة أصبحت مهدّدة بشتّى الأمراض والآفات الاجتماعيةّ ( التّسلط، الذلّ، الكذب، المخادعة .. ). وكلّما ابتعد الفرد عن اكتساب القدرة على التّحاور برزت عنده الأمراض والعقد النّفسيّة. وكلّما كان الحوار واقعي ومنطقي وصادق، كلما فتح باب من أبواب المحبّة.
وفي الختام نقول أنّ الحديث عن «التّعايش» هو ذاته الحديث عن التّكوين النّفسي  السّليم للفرد، فالانسان مدنيّ بطبعه وكل من لا يعترف بهذه المعادلة ويسعى للتّفرد بالرّأي وعدم القبول بمنطق الاختلاف كعنوان للثّراء وخصوبة المجتمعات فهو على غير الفطرة السّليمة وعليه مراجعة ذلك وتبين مكمن الخلل في داخله.
-----
- خبيرة التنمية البشرية 
fadhilatounsi30@gmail.com