وجهة نظر

بقلم
يسري بوعوينة
الرباعي الراعي للإرهاب(2) - الراعي الثاني : الظلم
 وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ   ***   ذا عِفّـــةٍ فَلِعِلّــةٍ لا يَظْلِــــــمُ
«الإستبداد» يكون مقترنا دائما بشقيقه التوأم «الظلم».....في المخيال الشّعبي العربي والإسلامي تحلم «الرّعيّة» التي ترزأ تحت وطأة الدكتاتوريّة بالمستبد العادل أي بجمع النقيضين...أن تقول «مستبد عادل» أشبه بالقول الخائن الأمين وهما ضديدان لا يجتمعان ... المثال الأقرب للأذهان والذي يضرب دائما في غير موضعه هو عمر بن الخطاب الذي يصفونه بالإستبداد وبالعدالة معا...إنّ صحراء العرب لم تكن تعرف زمن عمر معنى الدّيمقراطية ولا المجالس الإنتخابية ولا غيرها، والملك حاكم بأمره سواء كان شيخ قبيلة أو أمير المؤمنين وبالتّالي فوصف عمر بالإستبداد هو ظلم له حتى وإن لطفت العبارة بالعادل لأنّه لم توجد هناك ديمقراطية أصلا... على كلّ موضوعنا ليس عمر بن الخطاب ولكنّها مجرد إشارة إلى تغلغل فكرة «المستبدّ العادل» في أذهان النّاس حتّى صارت أشبه بحلم يرجون تحقيقه بدل الكفاح من أجل المواطن الآمن في الوطن العادل...إنّ ذلك راجع حسب رأيي إلى رغبة النّاس في عدم تحمّل المسؤوليّة، فالمستبد هو من يتولّى شؤونهم وهم كالقطيع يساقون إلى حيث يرغب هو...أمّا صفة العدل فهي ضمانهم حتى لا يطغى عليهم ويحوّل حياتهم إلى جحيم فيتدحرجون من رعيّة إلى عبيد...
الإستبداد إذن لا يكون مرفوقا إلا بالظّلم وما أدراك ما الظّلم...النّار التي تلتهم المجتمعات فتأكل أخضرها ويابسها...إنّ الحاكم الذي يزرع الظّلم لن يجني سوى الثورات والمجتمعات التي ترضى بالظّلم سيكون مصيرها حتى نوجز ونختصر كمصير العرب...ضياع وذلّ وهوان...
السؤال المطروح الآن ما علاقة الظّلم بالإرهاب؟
العلاقة قد لا تكون مباشــرة، فليس كلّ من يتعرّض للظّلم يصبح إرهابيّا وخارجـــا عن سلطة الدّولة والقانون، ولكنّ الظّلم هو أحـــد الأسباب المباشرة لصناعة جيل كامل من الإرهابييــــن. ولنبدأ أولا من مظلمـــة القرن الكبرى «فلسطين» حيث أنّ المظالـــم التي يتعرّض لها الشّعب الفلسطيني تمـــلأ قلوب الشّباب حقدا وغيظـــا على الغـــرب وعلى إسرائيل خاصة.
ولنتذكّر هنا أيضا أنّ تنامي ظاهرة الإرهاب العالمي ترافقت مع إحتلال العراق والمشاهــد البشعــة التي بثّتها القنوات التلفزيونيــّة عن سجن «أبو غريب» وعن القتل والتشريد والمداهمات التي تعرّض لها الشّعب العراقي ومن بعده الشّعب السّوري والشّعب اللّيبي وما الشّعب اليمني منهم ببعيد.
الأمم المتحدة هي شريك في صناعة الإرهاب العالمي، فعلى مدى ستين عاما لم تقدم لفلسطين إلاّ فتات المساعدات والمزيد من المخيّمات، كأنّها تريد تأبيد وضعية الفلسطينيين كلاجئين.نفس الشيء نجده الآن في سوريا، فعوض البحث عن حلّ لجذور المشكلة، نجد الغرب يبحث عن حلّ لمسألة اللاّجئين أي يتركون الأصل ويهتمون بالفرع. إن هذه المنظمة الدولية التي ولدت بعد نيران حرب عالمية مدمّرة لم تستطع إخماد مئات الحروب العالميّة «الصّغيرة» التي خاضت معظمها الولايات المتحدة وتحوّلت إلى شركة لكبار الموظّفين الدّبلوماسيين الذي يتقاضون رواتب ضخمة ومهمتهم الوحيدة إصدار بيان تنديد؟
النّظام الدّولي غابة كبيرة لسنا فيها سوى أقزامٍ تصطادنا الوحوش ولا غرابة عندئذ أن يندفع الشّباب ليقاتلوا من يرونهم أعداء ظنا منهم أن المعركة تقتصر على الأسلحة و الذخيرة و المتفجرات و إحتلال أجزاء من الأراضي التي يرفع فوقها علم أسود و ليست معركة حضارية شاملة إما أن نكون فيها أو لا نكون.
من الظّلم أن نرضى بالظّلم ولكن ذلك لا يعني انسحابنا من منظمة الأمم المتّحدة وتقوقعنا وانعزالنا، فنحن لسنا في القرن الأوّل للهجرة ولكن الخطوة الأولى تبدأ من أنفسنا من خلال السّوق العربيّة المشتركة أو السّوق المغاربيّة المشتركة...المهم بناء يكون اللّبنة الأولى في الصّرح الوحدوي، أمّا أن نبقى نهلّل من أجل إتحادات فارغة كالمغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي وغيرهما، فأكيد أنّ ذلك لن يقدّم بنا خطوة واحدة وسنبقى ندور في حلقة مفرغة... ومادمنا مشتّتين فلن يهابنا أحد... وسيواصل شبابنا قتل نفسه إمّا بالإرتماء في المقبرة البيضاء المتوسّطية وهم يحاولون التّسلل إلى أوروبا أو بالسّفر إلى ميادين القتال ليكونوا وقود الحروب التي ظاهرها الدفاع عن الإسلام وباطنها المصالح «الجيو إستراتيجية» والصّراع على مصادر المياه والطّاقة...
الظّلم لا ينحصر نطاقه في السّياسة الدّوليّة... في داخل مجتمعنا هناك ظلم... في داخل أسرنا هناك ظلم... ظلم مسلّطة على المرأة المكبّلة بشتى القيود... في البيت كما في العمل ينظر لها دائما ككائن دوني ورغم هذه الدّونية فهي أصل المصائب والكوارث والمحن...إذا وقع زلزال أو تفجّر بركان أو جاءت أعاصير، فالمرأة بفسادها وانحدار أخلاقها وتبرّجها وسفورها هي السّبب وأنا دائما أعجب هنا أنّ الله لا يغضب من سلطان ينهب الأموال ويسفك الدّماء ولكن يشتد غضبه بسبب إمرأة تعرض مفاتنها ...
الظّلم يشمل كل الفئات الإجتماعيّة وإن كان عند المرأة أبين وأوضح...حتّى الأطفال مظلومون، فبعضهم يجول في الشّوارع بحثا عن لقمة العيش ويمرّ ودمع الخدّ يسبقه أمام فضاءات الملاهي التي يبنيها الأثرياء لأبناء الأثرياء...بعض الأطفال ينقطعون عن الدّراسة لضيق الحال وبعضهم لظروف عائلية كطلاق وغيره، فيتلقّفهم الانحراف والتّطرف...لا توجد دولة عربيّة واحدة وضعت سياسة واضحة لتنشئة الأطفال النشأة السليمة و تنمية مواهبهم....لا غرابة بعد ذلك أن نرى الدواعش يهتمون ويركزون على الأطفال ويوكلون إلى بعضهم مهمة الذبح والقتل حتى يكونوا في الغد قادة الإرهاب العالمي....
الظلم موجود أيضا في العمل حيث يمكن لشبابنا أن يراكم ألف شهادة وشهادة دون أن يحوز وظيفة واحدة...وإن حاز الوظيفة فسيجد في العمل ظلما أكبر ..حيث التّمييز بين الأجراء وحيث المحاباة وحيث التزلّف بدل الإنتاج والإبداع...نحن لا نرى عمّالا في الصّباح بصدد الذهاب إلى مقرات عملهم، بل أشباحا كئيبة تبحث عن ألف سبب وسبب لتغادر العمل قبل أن تصل إليه...
الظلم موجود في كل مكان و في كل شبر ولا يمكن حصره فهذه مجرّد أمثلة بسيطة...لكنّها موجعة ومؤلمة وهي تدفع الشّباب دفعا إلى التّطرف وإلى البحث عن تغيير هذه الوضعية البائسة...بعضهم يختار الهرب إلى الغرب وبعضهم يختار الحرب على الغرب...هم مدفوعون بسبب انسداد الآفاق وانعدام الطّموح الذي وصل إلى الدرجة صفر...ومعلوم أنّ إنسانا بلا طموح هو كجسد بلا روح فلا غرابة أن نرى حينئذ شبابنا يحمل السّلاح والمتفجرات بحثا عن الموت لا عن النّصر...هم لا يبحثون عن النّصر وإن كانوا يفعلون فقد أخطئوا الطّريق...هم فقط يستعجلون الموت والرّحيل.....فحياتهم كما يتخيلون هناك ستكون أفضل...هي القشّة التي يتعلق بها الغريق وكم من غرقى في بلادنا...هي هروب...هروب من بؤس الحياة.
------
- طالب مرحلة دكتوراة في العلوم السياسية
yosri.bouaouina@gmail.com