شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
عمر المختار
 ضيفنا في هذا الركن رثاه الشاعر الكبير أحمد شوقي فقال :
خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى لَم تَبنِ جاهـــــــــاً أَو تَلُمَّ ثَـــــراءَ
بَطَلُ البَـــــداوَةِ لَم يَكُن يَغـــزو عَلى تَنَكٍ وَلَم يَكُ يَركَبُ الأَجـــــــــواءَ
ووصفه ألدّ أعدائه الجنرال الفاشي «غراسياني» في مذكراته: «هو معتدل الجسم عريض المنكبين شعر رأسه ولحيته وشواربه بيضاء ناصعة، يتمتع بذكاء حاضر وحاد، كان مثقفًا ثقافة علمية دينية له طبع حاد ومندفع يتمتع بنزاهة خارقة لم يحسب للمادة أي حساب متصلب ومتعصب لدينه، وأخيرًا كان فقيرًا لا يملك شيئًا من حطام الدنيا إلا حبه لدينه ووطنه رغم أنه وصل إلى أعلى الدرجات». إنّه الشيخ الشهيد «عمر المختار» رمز المقاومة والجهاد 
ولد الشيخ عُمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي في 10 محرّم 1275 الموافق ليوم 20 أوت 1858 (1) في البطنان ببرقة في الجبل الأخضــر (ليبيا) . نشأ عمر المختـــار في بيئة أكسبته الفقه في الدّين وعلّمته الدّعوة إليه وأعظمت في عينيه فضيلة الجهاد.توفي والده وهو ما زال صغيــرًا فعاش يتيما لكنّه أظهر ذكاءً واضحًا ونبوغا فريـــدا، مما جعــل شيوخــه الذيــن درّسوه العلـــوم الشرعية المتنوعــة كالفقــه والحديث والتفسير في معهد الجغبوب (2) يهتمون به ويشهدون له بالنّباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحبّ الدّعوة، والإخلاص والتفاني في العمل.
غير أنّ ما فعله الجيش الفاشي الإيطالي من احتلال للأراضي الليبيّة، دفع الشيخ عمر المختار إلى ترك مهامه كمدرّس والانخراط في تكوين جيش لقاومة الأعداء. لم يسبق لعمر المختار أن تخرّج من كلّية حربيّة أو عسكريّة ولم يتلقّ أية تدريبات أو دروس في التخطيط للمعارك ولم يكن لديه جيش نظاميّ لكنّه أظهر من الذكاء والنجاح ما جعله يتفوّق على قادة الجيش الفاشي ويكبّدهم الهزيمة تلو الأخرى معتمدا حرب العصابات التي تقوم على الكرّ والفرّ.
لم يكن عمر المختار والمجاهدون يمتلكون العتاد الكثير وإنّما إيمانا راسخا بقضيتهم وثقة كبيرة في نصر الله. لقد شهدت صحراء ليبيا معارك كثيرة خاضها عمر المختار وسطر عليها بدماء الشهداء أروع آيات العزة والجهاد، وكبّد بمعيّة المجاهدين المحتلّ خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد.
ظل «المختار» في الجبل الأخضر يقاوم الإيطاليين بثبات رغم الصعوبات الجسيمة التي كانت تحيط به وبرجاله خاصّة في ما يتعلّق بالتموين من عتاد وغذاء وسلاح. وبلغ عدد المعـــارك التي خاضها عمر المختار حسب ما ورد في كتاب الجنرال «غرسياني» مائتين وستين معركة خلال الثمانية عشر شهرًا ابتداء من حكم هذا الجنــرال في برقـــــة إلى أن وقع عمر المختار أسيرًا.
حوكم عمر المختار أمام محكمة شكّلها الفاشيّون من بعض الجنيرالات  ليصدروا عليه حكمًا بالإعدام ويتمّ تنفيذه أمام أبناء بلدته نكاية فيه وفي كل نفس ترنو إلى التحرّر من براثن الغزاة. ولم تكن له تهمة غير الدفاع عن وطنه ودينه مثله مثل أي رجل حرّ مسلم صاحب عزّة وكرامة.
لم يؤثر عن المجاهد عمر المختار غير أعماله الجهادية وما قام به ضد المحتل الإيطالي والذبّ عن وطنه ودينه . كان دائما يقول : « إنّنا نقاتل؛ لأنّ علينـــا أن نقاتـــل في سبيل ديننا وحرّيتنا حتى نطرد الغزاة أو نموت نحن، وليس لنا أن نختار غير ذلك»(3)وعندما دعاه الفاشيّون إلى التفاوض قال لهم في تحدّ وعزيمة: «إننا حاربناكم ثماني عشرة سنة، ولا نزال بعون الله نحاربكم، ولن تنالوا منا بالتهديد» إلى أن يقول: «لن أبرح الجبل الأخضر مدّة حياتي، ولن يستريح الطليان حتى توارى لحيتي في التّراب»(4).
وفي اليوم الثالث من شهر جمادى الأولى 1350 هـ الموافق لـ 16 من سبتمبر 1931م سار شيخ المجاهدين عمر المختار بقدم ثابتة وشجاعة نـــادرة وهو ينطق بالشهادتيــن إلى حبل المشنقة ليلقي ربّه وهو يبتســم للأطفال المحيطين بمنصّة الإعدام وكأنّه يذكّرهم في مقولته الشهيرة : «نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت» ويوجّه إليهم برسالة بأنّ الحياة لا معنى لها من دون حرّية وكرامة وأنّ المناضل الصادق والمؤمـــن لا يخشى الموت وعليه أن يحارب الخنوع والذلّ في نفسه كما يحارب المستعمر.
هوامش
(1) الصَّلَّابي، علي محمد. الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده. صيدا-لبنان. صفحة 7.
(2) الجغبوب بلدة ليبية جنوب شرق مدينة طبرق بحوالي 286 كم
(3) الصَّلَّابي، علي محمد. الشيخ الجليل عمر المختار  - نفس المصدر
(4) موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث جـ1.