قول على عجل

بقلم
محمود جاء بالله
التوافق انتصار ......ام انحدار ...
 التّوافق جيّد وآليّة من الآليّات القديمة الحديثة لحلّ كلّ اشكال وهو أساس من أسس التّغيير، فالتّغيير لا يتمّ الّا بتوافق القوم فيما بينهم « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»،(1) فالتّغيير يسبقه توافق في الرّؤى والأهداف والمنهج، ولكنّ بأيّة ذهنيّة يكون التّوافق؟ وبأيّة رؤية؟ لأن الأساس هو الاتفاق حول الرؤى والأهداف وبعدها تأتي البرامج والتنزيلات. الواقع اليوم وملابساته وما فيه من تعقيدات،  يؤكّد أنّ مجتمعاتنا في حاجة الى رؤى واضحة في كل مجالات الحياة والى تسابق نحو الخير لأمّتنا « وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ»(2).
ولحسن استعمال آليّة التّوافق نحتاج الى بناء ثقافة الأسوياء «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(3)، تلك الثقافة التي تحترم الزّمن وسيرورته وتستند الى رؤية وتسير وفق نهج سليم وبذلك نُدحض ثقافة «المكبّين»(4)، الذين تبدأ رؤيتهم وتنتهي عند مواضع أقدامهم ولا نهج لهم. أصحاب هذه الثّقافة لا يفعلون أكثر من أنهم يعطّلون السّير السّوي وبذلك يقاومون الأعمال النّاجحة ويبيعون الأوهام للنّاس وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا كمايقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(5).
إنّ رفع التّوافق كشعار أو كاختيار استراتيجي لا يعدو أن يكون إلاّ زيفا ما لم ينزل في أرض الواقع ويفعل بين كلّ أفراد المجتمع مع إعطاء الفرصة لكلّ طرف لتقديم أفضل ما لديه من الرّؤى والمناهج .
إن التّوافق هو أن يجتمع الجميع لمناقشة ومعاينة مختلف الرّؤى، ولا يعني هذا الاجتماع بالأساس الاتّفاق المطلق دون اختلاف اذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون النّاس أمّة واحدة دون اختلاف أو تباين في الرّأي بل إنّه من المحتّم أن يكون هناك تدافع وإدارة للفكر والرّأي حتى تتقارب وجهات النّظر ونلامس مواضع الاتّفاق والاختلاف فالتّوافق يبنى على الاتفاق والاختلاف وإيجاد المساحات المشتركة للبناء على أساسها وعليه فإنّ التّوافق يقتضي أساسا : 
 أ) الاجتماع وبسط الآراء والأفكار والتّوجهات . 
ب) عدم إقصاء أو إلغاء أي طرف لإنجاز معادلة التّوافق، فالأسلم والأصلح أن يجتمع الجميع وكلّ يدلي برأيه والقاعدة في ذلك « كلّ رأي يعتبر ما دام له وجهة نظر».
ت) التّوافق لا بدّ أن تحكمه معايير ومقاييس حتّى يُبنى على أسس لا على أهواء ويُتابَع بمؤشّرات تعطي دلالات على جدوى وجدّية هذا التّوافق . 
ث) التّوافق لا بدّ أن تتبعه خطط عمليّة وبرامج تنفّذ وإلّا أصبح عملا أجوفا لا يخلف إلاّ المقت والإحباط « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(6) 
ج) التّوافق لا يعني الاستبداد والانفراد بالرأي، ولو كان رأي الأغلبيّة، فالتّوافق الذي يبنى على الاختيار الحسن لا يضرّه من عارضه، فالباحث عن التّوافق يسعى الى توسعة دائرته ومساحته. 
ح) التّوافق يبنيه الانسان وهو يهدف أساسا الى تقديم الحلّ الأنجع والرأي السّديد جلبا للخير ودحضا للشّر والمفاسد، فإن لم يتحقّق ذلك فلا يمكن أن يكون توافقا بل اشتراكا في الاستبداد وإرساء لمنظومة الظّلم والفساد. 
خ) إنّ التّوافق لا يعني بالضّرورة أن نلتزم بكلّ حيثياته وأن لا نطوّره، بل من الضّروري أن يستند هذا التّوافق الى روح تعطي له أسباب الحياة والاستمرار والقدرة على استيعاب المتغيّرات والمستجدّات.
وخلاصة القول، فإنّ التّوافق وإن كان ضرورة يمليها واقعنا، فهو لا يعدو إلاّ أن يكون آليّة تساعد في إدارة الأمور ورأب الصّدع وإعطاء أفضل المقاربات في استنباط الحلول ولا يمكن بأي حال من الأحول استثمار هذه الآلية ( التّوافق ) ليصبح المقصد شكلا فتلغي المضامين منه أو يُفرض به رأي دون اتفاق حوله أو حتّى مناقشته، تقودنا في ذلك عقلية « مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (7) .
الهوامش
(1) سورة الرعد - الآية 13
(2) سورة البقرة - الآية 148
(3) سورة الملك - الآية 22
(4) الذين يمشون مُكِبّين جمع مُكِبٌّ
(5) سورة الكهف - الآية 103-104
(6) سورة الصف - الآية 2-3
(7) سورة غافر - الآية 29