حوار

بقلم
مالك الشعبوني
حوار مع الأديبة والكاتبة التونسية الشابة الدكتورة خولة حمدي
 من مواليد 1984 بتونس العاصمة، أستاذة جامعية في تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود بالرياض، متحصلة على شهادة في الهندسة الصناعية والماجستير من مدرسة «المناجم» في مدينة سانت إتيان الفرنسية سنة 2008، متحصلة على الدكتوراه في بحوث العمليات (أحد فروع الرياضيات التطبيقية) من جامعة التكنولوجيا بمدينة تروا بفرنسا سنة 2011، رغم اختصاصها العلمي فقد أبدعت في كتابة القصّة حيث أصدرت روايتها الورقية الأولى «في قلبي أنثى عبرية» في العام 2012 وقد لاقت رواجا كبيرا في أوساط الشباب، ربّما لأنها تكتب بروح الشباب وتعيش أحاسيسهم ومشاغلهم . التقينا بها وأجرينا معها الحوار التالي :
(1) أهلا و سهلا بك سيدتي، نتشرف بقبولك دعوتنا إلى هذا الحوار، هل لنا أن نتعرف أكثر على الدكتورة خولة حمدي؟
خولة حمدي من مواليد تونس العاصمة 1984، نشأت في ضاحية باردو، تحصلت على البكالوريا في الرياضيات من معهد بورقيبة النموذجي قبل أن أسافر إلى فرنسا حيث أمضيت قرابة العشر سنوات، تحصلت خلالها على شهادات الهندسة والماجستير والدكتوراه في الهندسة الصناعية وبحوث العمليات، ثم استقر بي المقام وعائلتي الصغيرة في المملكة العربية السعودية حيث أدرس في جامعة الملك سعود منذ مطلع 2013. أحاول التوفيق بين مسؤولياتي المهنية والعائلية واهتماماتي البحثية وهواية الكتابة، والله المستعان.
(2) في عودة إلى البدايات، متى انطلقت في الكتابة؟
هواية الكتابة تلازمني منذ الطفولة، من القصة القصيرة إلى الرواية مرورا بالشعر الحر.. لكنّ البداية الفعلية والمنتظمة كانت خلال دراستي في كلية الهندسة، حيث دخلت عالم المنتديات الالكترونية وشرعت في نشر نصوصي على جمهور عريض كان له دور هام في تشجيعي ودفعي نحو النشر الورقي.
(3)  ما الذي شجعك عليها؟
تجربة النشر الالكتروني كانت محطّة هامّة لاكتساب الثّقة والتّجربة والاحتكاك بالقرّاء والحصول على ردود عفويّة وصريحة. فهم في نهاية الأمر لا يعرفونني وما من داع يدفعهم لمجاملتي.
(4) كيف جاءتك فكرة تأليف روايتك الأولى؟
الرواية الورقية الأولى «في قلبي أنثى عبريّة»، هي الرّواية التي رأيت أنها تستحق النّشر على نطاق واسع يفوق حدود المنتدى (بعد أن نشرت الكترونيّا «أحلام الشّباب» و«أين المفر»)، فقد حوت صفحاتها رسالة تمنّيت أن تصل إلى كلّ البشر.. وقد لقيت تشجيعا من الأصدقاء والمقرّبين الذين اطّلعوا عليها. أمّا عن فكرتها، فقد خطرت ببالي بعد أن قرأت ملخّص الحكاية على لسان صاحبتها «ندى» على منتدى الكتروني، فاستأذنت منها وشرعت في كتابة الرّواية مع مراجعتها في التفاصيل من حين إلى آخر.
(5) لقد حققت « في قلبي أنثى عبرية»  نجاحا باهرا، فهل لنا أن نعرف بعض الأرقام التي تبلور هذا النجاح؟
بحمد الله، لقيت الرواية إعجابا وإشادة من القرّاء لم أتوقعها بالنّسبة إلى تجربة نشر أولى. الرّواية نشرت منها طبعة واحدة (ألف نسخة) في تونس و16 طبعة في مصر وتصدّرت مبيعات مكتبات كثيرة، وأخصّ بالذكر حصولها على المركز الأوّل لأربعة أسابيع متتالية في مبيعات الشّروق.
(6) يقال أن الوصول إلى القمة سهل و أن البقاء فيه أصعب، هل راودتك تلك الخواطر بعد إصدار « غربة الياسمين» أم أنّك تعتبرينها إرتقاء جديدا في السّلم الأدبي؟
كل إصدار جديد هو تحدّ صعب، للحفاظ على الجمهور الذي رحّب بالعمل السّابق وكسب جمهور جديد سبق له أن انتقد العمل الأول. هل أعتبر «غربة الياسمين» ارتقاء لي في السّلم الأدبي؟ قطعا.. فقد سعيت فيها إلى تلافي ثغرات العمل الأول وتطوير الأسلوب الأدبي.. لكنّني بالتّأكيد لست في غاية الرّضا، ومازال أمامي مشوار طويل للوصول إلى ما أسميتَه «القمّة»...
(7)كل من قرأ روايتيك سيسقط حتما في مقارنتهما، فهل لنا أن نعرف كيف تقارنهما كاتبتهما؟ ماهي أوجه الشبه، و ماهي الإختلافات، و أيهما أقرب إلى قلبك؟
هناك أوجه تشابه لم أنتبه إليها إبّان الكتابة، وتفطّنت إليها من ردود القّراء.. مثل علاقة إحدى الشّخصيات الرّئيسية بوالدها، وافتراق بعض المسارات ثمّ تقاطعها مجدّدا. وهناك تشابهات أخرى في طريقة السّرد بالقطع المتوازي على طريقة المشاهد السّينمائيّة. أما الأقرب إلى قلبي، فهي «غربة الياسمين».. مثلما تفضّل الأم طفلها الأصغر حتى يكبر، فغربة الياسمين هي صغرى «بناتي» وقلبي عليها حتى تكبر ويشتد عودها.
(8)  كل رواية يترك كاتبها فيها قطعة منه، فماذا تركت في كل رواية؟ و إلى مدى تجدين لتجاربك الشخصية صدى في ما تكتبين؟
ربما كان لـ «غربة الياسمين» نصيب الأسد مني، فهي تتحدث عن الغربة، وهو أمر يحرّكني بشكل كبير ويهمّني.. كما أثارت موضوع الحجاب في كل من تونس وفرنسا، وهي قضية عشت تفاصيلها وبنات جيلي. أما «في قلبي أنثى عبرية»، فربما لم تأخذ مني سوى القليل لكونها قصّة أشخاص آخرين، ولأنّ خطوطها العريضة حقيقيّة.
(9) هلا حدثتنا عن الروايتين الموجودتين في قائمة كتاباتك على «goodreads» : « أحلام الشباب» و « أين المفر»؟
الرواية الأولى «أحلام الشّباب» كانت محاولة لكتابة يوميّات فتاة مسلمة تسعى إلى أن تكون إيجابيّة وتطمح إلى تحقيق تغيير من حولها مع تمسّكها بدينها، وتبحث عن الشّريك المناسب الذي يساندها في مشوارها.. وهي في نهاية الأمر نموذج لما أردت أن أكون عليه في ذلك الوقت - حيث كنت في الثّانية والعشرين.
أما «أين المفر» فهي قصة بوليسيّة تشهد بتأثّري بأغاثا كريستي، بدأت بكتابتها في سنّ السّابعة عشر، ثم أتممتها وأعدت صياغتها في الثالثة والعشرين.
الروايتان أعتبرهما مجرد محاولات تدريبية لم تستحق النّشر الورقي.
(10) من خلال تجربتك، هل تتكون الرواية كاملة في ذهن الكاتب ثم ينطلق في تدوينها أم أنها فكرة أولية تتطور و تبنى شيئا فشيئا عند الكتابة؟
غالبا، أخطط للرواية وأرسم معالم شخصياتها قبل البدء في التدوين. أحدّد القضيّة الرئيسيّة والقضايا الفرعيّة وأضع تصوّرا للعقدة وبعض الأحداث المفاتيح. النّهاية غالبا لا تكون واضحة في ذهني منذ البداية، لكنّها تتطور وتتشكّل على حسب ما تأخذني إليه الشّخصيات والأحداث.. وقد أغيّر في التّخطيط في أيّ مرحلة من الكتابة وأضيف وأحذف بما أراه يناسب النّص ورسالته.
(11) لماذا تكتبين؟ هل تكتبين للترويح عن النفس أو لإيصال رسائل معينة إلى العالم؟ هل تعتبرين الكتابة غاية أم وسيلة؟
الكتابة وسيلة، لا أكتب للمتعة أو التسلية ولا أؤمن بالأدب من أجل الأدب، والإبداع المطلق والمفرغ من أي هدف. أكتب لأوصل رسائل، لأطرح قضايا تهمّني وتحرّكني.
(12) يتساءل البعض كيف لمهندسة أن تكتب الروايات؟ أي تأثير لاختصاصك على قلمك؟
الهواية شيء، والدراسة شيء آخر.. ولا أظنني استثناء في هذا المجال، فمعظم المؤلفين في عصرنا ذوو تكوين علمي. أما عن تأثير اختصاصي، فهو ثراء في معجمي وثقافتي حين يتعلق الأمر بمسائل علمية.
(13) كيف تقيمين الوضع الأدبي في العالم العربي عامة و في تونس خاصة؟
الوضع يدعو إلى التفاؤل. الكتابة أصبحت متاحة للشباب بشكل خاص بعد أن بقيت لفترة عقود حكرا على نخبة محدودة. قد يكون المستوى غير ناضج أو مرتبكا، لكنّ الغربلة ستتم في السنوات المقبلة، وسيستمر الأكثر صمودا وتمسكا بالقلم.
(14) ماهي الحلول التي تقترحينها لتحريك الركود الثقافي و الأدبي و لتشجيع الفئات الشبابية والناشئة على القراءة؟
المجموعات الثقافية على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بعمل رائع في اجتذاب الناشئة وتعريفها بالكتاب. تظاهرات كثيرة تابعت فعاليتها عن بعد مثل «تونس تقرأ تونس ترتقي» ومعارض الكتاب الرّسمية والمرتجلة في الشوارع.. لكن يبقى أمامنا طريق طويل في تونس حتى نصل إلى ما وصلت إليه بلدان عربية أخرى، أو حتى العالم الغربي في حبّ الكتاب والقراءة.
(15) ماهي الصعوبات التي يجدها الكاتب المبتدئ لنشر كتابه؟ أين نجد روايتيك؟ و لماذا لا نجدهما في كافة الولايات التونسية؟
حين قررت نشر روايتي في 2012، ترددت على بعض دور النشر التونسية، ثم قررت النشر على حسابي الشخصي دون التعامل مع دار نشر. كان هناك جو من انعدام الثقة والحرفية غذته في نفسي تجارب سابقة سردت على مسامعي، حيث لا يأمن المؤلف المبتدئ من سرقة نصه والتعرض للتحيّل للأسف الشديد. ثم تعاملت مع دور نشر في مرحلة التوزيع، ومرة أخرى لم أجدها في مستوى الثقة، حيث لم يلق الكتاب اهتماما من حيث التوزيع الجيد، لكون المؤلف مغمورا...
لذلك فقد اقتصر التوزيع تقريبا على مكتبات العاصمة، حيث يمكن لعائلتي التعاطي المباشر معها. أما التوزيع داخل الولايات فقد تعذر للأسف الشديد رغم المحاولات، وذلك لعدم تواجدي على عين المكان، وصعوبة المتابعة عن بعد من طرف عائلتي في تونس في غياب موزع جاد يعتمد عليه.
(16) بين الإبداع الأدبي و النجاح التجاري الإستهلاكي خيط رفيع.. و أغلب ردود الأفعال الأولى حول رواية غربة الياسمين سلبية بعض الشيء. فهل سبب نجاح التوازن بين الفني و التجاري في الرواية الأولى شيئا من الغرور و التسرع في اصدار الرواية الاخيرة و تطلعا من الكاتبة الى النجاح التجاري استغلالا منها لنواة المعجبين التي تكونت و المتطلعة الى استهلاك اصدارات جديدة؟
ردود الأفعال التي اطلعت عليها بخصوص غربة الياسمين تبدو مرضية لي كمؤلفة. هناك شبه إجماع على تطور الأسلوب الأدبي وبناء الشخصيات، واستياء شبه عام من النهاية. لماذا يرضيني ذلك؟ لأن أكبر ثغرات الرواية الأولى هي الأسلوب والشخصيات، ورغم نجاحها فلا يسعني أن أتجاهل نقائصها، وقد سعيت إلى تلافيها ولو جزئيا في غربة الياسمين، ومازال السعي مستمرا. ولأنني خرجت بنفسي وبالقارئ من قالب النهايات السعيدة والمتوقعة.. ويسعدني أن رسائل تصلني من قراء صدموا وكرهوا النهاية ثم عادوا وتقبلوها لا وبل اقتنعوا بأن غيرها لا ينفع لواقعيتها وارتباطها الوثيق بما آل إليه حال المسلمين اليوم. وحتى من استاء من النهاية لم يشكك في رسالة الرواية وقضيتها الهادفة. أما قولك بأن الغرور والسعي نحو نجاح تجاري دفعني إلى التسرع إلخ، فلا أساس له من الصحة. كنت قد انتهيت من كتابة «غربة الياسمين» قبل أن تطرح «في قلبي أنثى عبرية» في مصر، وتمهلت حتى تنال الرّواية الأولى حظّها كاملا، قبل أن أجرّب العمل الثّاني. «غربة الياسمين» مختلفة عن أختها الكبرى في قضيتها.. وإن كانت قضية الإيمان من أسمى ما يمكن تناوله روائيا وقد يكون من العسير التفوق عليها في التأثير، فإن قضايا أخرى كثيرة تستحق الاهتمام ومن بينها قضية المسلمين في الغربة التي تحرّكني شخصيا.. وحتى إن لم تلق «غربة الياسمين» النجاح الذي أتمناه لها، فهذا لن ينفي قناعتي بكونها أفضل أسلوبا وبناء من أختها الكبرى، وإن اختلف القراء معي في ذلك. ومع ذلك، من المؤكد أنني بعد شهور من النشر قد صرت أرى بوضوح أكبر نقائص العمل وثغراته، وكل تجربة هي إضافة في طريق النضج بإذن الله. 
(17) كلمة الختام لقرائك.
شكرا لمجلتكم على هذا الحوار وتحية طيبة عطرة إلى القراء، شكرا على تشجيعكم ومساندتكم السابقة والمقبلة في مغامرة الكتابة التي أخوضها وإياكم، وأرجو أن يكون العمل القادم في مستوى توقعاتكم وأفضل.. شخصيا أعتبره تحديا مختلفا عما كتبته سابقا، وأملي أن يكون تناوله موفقا.