قول على عجل

بقلم
محمود جاء بالله
الزواج أساس الاستخلاف
 منذ أن خلق الله آدم عليه السلام ليكون خليفته في الأرض ، قال تعالى « وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...» (1)، أتمّ ربّ العزّة هذا الخلق وخلق من جنس آدم حوّاء، قال تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»(2)، وقال أيضا جلّ من قال « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء..»(3). وبخلق آدم وحوّاء وضع ربّ العزّة أسس المجتمعات البشريّـــــة ونقطة البداية لحياة مجتمعيّـة رابطها الزّواج «...وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا...» وبذلك قد أعطيت لسنّة التّكاثر والانبثاث النّهج القويم لإعمار الأرض «..وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء...» وبدأت مع آدام وحوّاء أولى معاني التّزاوج.
كان الخلق والانفصال « خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...» ثمّ التّزاوج والالتقاء  الى حدّ الانصهار « ...هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ...» (4)، لباس لا لَبْس فيه يحمل معاني الالتقاء والمحبّة والمودّة والرّحمة وكلّها فضائل تحفظ وتحمي هذا التّزاوج كي يكون نتاجه التّكاثر وإعمار الأرض وتحقيق سنّة الاستخلاف، وعليه فإنّ الحفاظ على هاته الصِّلة  المقدّسة والمتمثّلة في الزّواج هو ما ينشده كلاّ الطرفيـــــن، المرأة والرجل، بعيدا عن كل أشكال الامتهــــان  أو الارتهــــان أو الاستعباد والاستــــغلال، فالعلاقة بين الزوجين قائمة على أساس الاختيار الحرّ دون إلزام أو إرغام وهذا ما ذهب إليه رسولنا الكريم عليه الصّلاة والسّلام وحثّنا عليه في قيام رابط الزّواج على مبدأ الوفاق والإيجاب والقبول، واحترام مبدأ الرّضاء وإعطاء الحقّ للمـــرأة في القــــرار حيث روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما « أن جارية بكـــرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أنّ أباها زوّجها وهي كارهة فخيّرهـــا النّبي صلـــى الله عليه وسلم» ولذلك وجب التّنبيه الى ضرورة المحافظة على هذا الرّباط من قبل الرّجل والمرأة على حـــدّ سواء، في اختيار حرّ وواع دون جبر أو إلزام وإنّما محبّة ووئام .
إنّ الحديث عن موضوع العلاقات الزّوجية لا زال يتمّ دون قراءة موضوعيّة وقلّ ما تمّ تناوله بحيادية، فإمّا أن تتحدث فيه المرأة فتظهر أنّها ضحيّة وأنّها مستهدفة وأمّا أن يتحدّث فيه الرّجل باستعلاء وينزّه نفسه عن الخطا ويلبس نفسه رداء الصّواب وكلاهمـــا ( الرّجل والمرأة ) يتناسى  أنّهما خلقا لبعضهما ليكوّنا أقدس وأرقى الروابط على الإطلاق ولعله من اللّزوم على كلاّ الطرفين (الرجل والمرأة) ، العمل على إنجاح وديمومة رابط الزّواج، وليتسنّى لهما ذلك وجب التّنبيه الى المسائل التّالية :
(1) فهم طبيعة العلاقة بين الزّوجين وبين الذّكر والأنثى، هاته العلاقة تبدأ بالتّعارف « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» وتنتهي الى انصهار تامّ « هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ». 
(2)  علاقة الزّواج تنبني على احترام بين الطّرفين ولا يعني بالضّرورة الاتّفاق التّام في كلّ شئ ولكن لا بدّ من توفّر القدرة على إدارة الاختلاف وحسن التّدافع لبناء أسرة على أسس متينة. 
(3) تجنّب العمل على إلغاء الآخر بوعي أو من غير وعي، فلكلّ منهما ما يميّزه على الآخربحكم أنّ كلّ واحد منهما تربّى في وسط عائلي ومجتمعيّ له مميّزاته فالأصل أن يتمّ البحث عن مواضع التّوافق وتطويرها وترك مساحات الاختلاف لكلّ طرف فذاك ما يذكّي الرّحلة الدّائمة في البحث عن التّوافق وتجنيب الحياة الزّوجية أسباب الملل. 
(4) تطوير أسلوب الحياة وخلق الفضاءات الملائمة بعيدا عن المقارنة بوضعيات أخرى والتي تخصّ الآخرين وحسن الاستعداد للطّوارئ والمستجدّات « إنجاب الأطفال، العمل، إنشاء مسكّن .....» ممّا يؤمّن مزيدا من الاستقرار في العلاقة الزّوجيّة . 
(5)  تبادل المشاعر والتّصريح بالحبّ والمودّة بين الزّوجين يقوّي الرّابط بينهما فكثير من الأزواج ينسون مشاعرهم وأحاسيسهم بعد الزّواج وهذا يصيب العلاقة الزّوجية بالفتور. 
(6) اعتماد مبدأ الصّراحة في معالجة الإشكاليات التي تعترض الزّوجين وعدم ترك المشاكل تتفاقم وبذلك نكون قد وفّرنا أحزمة واقية  للعلاقة الزوجيّة .
(7) التّقليل من تدخّل الأطراف المحيطة بالزّوجين خاصّة في المرحلة الأولى من الزّواج بما يكسب العلاقة الزّوجية المناعة والقدرة على الاستمرار ومجابهة الهزّات . 
وخلاصة القول أن هاته الخطوات تبقى نظريّة صرفة اذا لم نفعّلها في واقعنا وبإسهام مشترك بين المرأة والرّجل وبذلك يكون إعمار الكون وتحقيق سنّة الاستخلاف في الأرض .
الهوامش
(1) سورة البقرة - الآية 30
(2) سورة الاعراف - الآية 188
(3) سورة النساء - الآية 1
(4) البقرة - الآية 187
------
- مهندس وماستير في التصرف
Jabmoda@gmail.com