الأولى

بقلم
فيصل العش
مكانةالمرأة في تونس بين الشعارات والحقيقة؟
 احتفل التّونسيّات والتّونسيّون منذ أسبوع بالعيد الوطني للمرأة إحياء لذكرى صدور مجلّة الأحوال الشّخصيّة في 13 أوت 1956 وهي مدونة تضمّنت مجموعة من النّصوص القانونيّة كان لها أثر كبير على الأسرة التّونسيّة وعلى علاقة المرأة بالرّجل خاصّة في مسألتي الزّواج والطّلاق، حيث قطعت هذه المجلّة لأوّل مرّة مع مؤسّسة قوامة الرّجل على حساب المرأة، ومنعت تعدّد الزّوجات، كما جرّمت الزّواج العرفي وشرّعت لمؤسّسة الزّواج وفقا للتّعاقد الكتابي بين الزّوجين وأقرّت المساواة التّامّة في اجراءات الزّواج والطّلاق والنّتائج المترتّبة عنه. 
ورغم مرور 59 سنة عن تاريخ صدورها، فإنّ الجدل مازال قائما حول المجلّة حيث تباينت ردود الفعل بين مؤيّد ومعارض وبين مُشيد ومُفاخر بانجازاتها لفائدة المرأة ومساهمتها في تكريس حريتها إلى درجة أنّ البعض ذهب الى تقديسها وتجريم المسّ منها، وبين مستصغر لدورها، معتبر أنّها لم تحقّق للمرأة الكثيرعلى أرض الواقع ولم تغيّر شيئا من الهيمنة الذّكوريّة على المجتمع بل لم تكن سوى أداة استخدمها بورقيبة ومن بعده بن علي استخداما دعائيّا سياسيّا وتمّ توظيفها لخدمة خياراتهما السياسية والاجتماعية وذلك على حساب المرأة التّونسية نفسها واستقرار المجتمع وتطوّره.
ولسنا هنا لنساند هذا الفريق أو ذاك فالمسألة أعمق من إصدار موقف من مجلة الأحوال الشّخصيّة وإنّما الغاية من هذا المقال أن نقف مع القراء الكرام وقفة تأمّل  لبعض المسائل المتعلقة بالمرأة التّونسية ونتساءل هل حقّا ساعدت المجلّة هذه المرأة على التّحرّر من رواسب الموروث السّلبي والتّمتّع بحقوقها وكرامتها؟  أمّ أنّ التّشريعات في واد والواقع في واد آخر؟ وكيف السّبيل لتحرير حقيقيّ للمرأة يجعلها شريكا فاعلا في المجتمع وذات دور قيادي في بناء الوطن والنهوض به؟
الأرقام لا تكذب 
تفيد الأرقام والمؤشرات بأنّ وضع المرأة التّونسية ليس وضعا جيّدا ولا يتطابق مع الشّعارات المرفوعة والتّهليلات المتواصلة حول ما سمّي بالإنجازات العظيمة التي تحقّقت لفائدة «التّونسية» والتي تحسدها عليها المرأة في بقية أقطار الوطن العربي وبعض الدّول المتقدّمة. فبالرّغم من النّصوص القانونيّة التي جاءت في مجلّة الأحوال الشّخصيّة وما نصّ عليه دستور البلاد الجديد خاصّة في فصليه 21 و 46 (1) فإنّ المرأة التّونسيّة مازالت تعاني من الظّلم والحيف الاجتماعي وما ينتج عنه من عنف وتمييز سلبي.
* أظهر استطلاع أجرته مؤسّسة «تومسون رويترز» وشمل اثنتين وعشرين دولة عربية، أنّ تونس تحتلّ المرتبة السّادسة عربيّا في مؤشّر وضع حقوق النّساء في العالم العربي بعد جزر القمر وسلطنة عمان والكويت والأردن وقطر(2).
* تعرّضت التونسيات للعنف بنسبة 47.2 % ولايزال الضغط الاجتماعي والتّقليل من أهمية العنف قائما حيث صرّح 55 % منهن بأنّ العنف شيء عادي ولا يستحقّ أن نتحدّث عنه!!!.(3).
* باتت تونس تحتل المرتبة الأولى عربيّا والرّابعة عالميّا في نسبة الطّلاق، فقد بلغ عدد حالات الطّلاق المسجّلة خلال العام 2012، 12000 حالة، ومن أهمّ أسبابها العنف ضدّ المرأة بنسبة 48.3 % (4)
* نمو ظاهرة «الأمّهات العازبات» في تونس حيث أصبحت في تزايد مستمر، إذ ارتفع عدد الولادات خارج الزّواج في السّنوات الأخيرة إلى 1600 مقابل 152 خلال سنة 1962 (حسب الدّيوان الوطني للأسرة والعمران البشري) (5) .
* تشير إحصائيات رسميّة الى أنّ عدد أطفال الشّوارع يقدّر بصفة عامّة بنحو 5 آلاف طفل، فيما يقول مختصّون بأنّ العدد يفوق 8 آلاف موزّعين على مختلف جهات البلاد من بينهم 3 آلاف طفل ينتشرون في تونس العاصمة والأحياء الشّعبية المجاورة. وتُشير الدّراسات أنّ 70 % من هؤلاء يستهلكون المخدّرات و أنّ 50 % منهم يتعاطون الكحول، ويتعرض الأطفال المشرّدون من الجنسين الى التّحرش والاعتداء الجنسي(6).
* تبدو المساواة في مجال تمدرس البنات والأولاد في تونس حاصلة أو تكاد لكنّ نسبة الأميّة في النّساء (من 15 عاما فما فوق) تبلغ 28.2 % مقابل 12.3 % في الرجال (7).
* تعانى المرأة التّونسيّة من الإقصاء فى الوسط المهنى حيث تقدّر نسبة البطالة فى صفوف النّساء بحوالي 21.6 % مقابل 12.5 %  للرّجال. أمّا بالنسبة لخرّيجات التّعليم العالي فقد بلغت 39 % وهى أعلى بمرّتين من نسبة البطالة فى صفوف الرّجال. (8) 
* بالرغم من أن 62 % من خريجي التّعليم العالي من الإناث، فإنّ أغلبهنّ يقع توجيههن إلى الشّعب التي تؤدّي عادة إلى فترة طويلة من البطالة (شعب الآداب أو العلوم) حيث  تعتبر الفتيات أقلّ تمثيلا على سبيل المثال في شهادات الهندسة (29 %) والهندسة المعمارية (34.5 %) والطبّ البيطري (36 %) (9).
* أمّا بالنسبة للنساء العاملات فإنّ 79.5 % منهنّ يعملن كأجيرات في حين لا تتجاوز نسبة تواجد المرأة فى مواقع القرار فى القطاعين العام والخاصّ 6 % ، ففي قطاع التّعليم مثلا لا توجد سوى 199 امرأة من بين 1194 أستاذ تعليم عالٍ و 96 فقط من بين 1370 مدير مشرف على مدارس المرحلة الأساسية العامّة ومعاهد التّعليم الثانوي (10).
* وفي حين يتوزّع عمل الرّجال في إطار التّنوع ويشمل عدّة قطاعات فإنّ ثلثي النّساء يجدن أنفسهن مقيّدات بثلاثة قطاعات رئيسيّة تتطلب يدا عاملة نسائيّة وافرة وهي قطاع الخدمات (49.4 %) والصّناعات المعمليّة (26.4 %) والفلاحة (16.7 %) ويتعلق الأمر هنا بأنشطة تتأثّر كثيرا بالعوامل المناخيّة والاقتصاديّة المتقلّبة. وتعدّ وضعيّة النّساء العاملات في قطاع الفلاحة هشّة إلى أبعد الحدود وهنّ في الغالب معينات لعائلاتهن بدون أجر. ويستخدم قطاع الخدمات النّساء في التّجارة وفي كثير من الأحيان ضمن عمل غير منظّم وغير ثابت (11)
* مازال دور المرأة على رأس المشاريع الفلاحيّة ضعيفا بسبب النّقص فى «الرؤية الاقتصاديّة» للنساء فى الوسط الرّيفى حيث نجد 4 % فقط من باعثي المشاريع الفلاحيّة من النساء و6.4 % هنّ مستغلاّت فلاحيّات (حسب إحصائياّت وكالة النّهوض بالاستثمارات الفلاحية في المدّة من 1985 إلى 2012) كما لا يوجد فصل خاصّ بالمرأة الرّيفية ضمن الاستراتيجيّة الوطنيّة للتّشغيل (12)
* ويمكن أن نضيف إلى هذه الأرقام أنّ  42 % من التّونسيين من الجنسين يعتقدون بأنّ النساء هنّ السّبب في البطالة وأنّ 20 % فقط منهم يعتقدون بأنّ الشّغل حقّ من حقوق المرأة (13).
* أمّا في ما يتعلّق بمراكز السّلطة، فإنّ حضور المرأة ظلّ محدودا جدّا حتّى في الحكومات التي تعاقبت بعد ثورة 2011، حيث بلغت نسبة تواجد المرأة في هذه الحكومات ما بين 2.6 % (حكومة العريض و 5 % في حكومة مهدي جمعة) في حين لم يتم تسمية أيّة امرأة في خطّة والي أوعلى رأس « النّيابات الخصوصيّة» (14)
* أما نسبة النّساء المشاركات في أنشطة جمعياتيّة أو نقابيّة أوسياسية فهي ضعيفة جدّا إذ لم تتجاوز 3 % بصفة عامّة وترتفع هذه النّسبة إلى 10 % في صفوف النّساء ذوات التّكوين الجامعي. فعلى سبيل المثال تبلغ نسبة المنخرطات سنة 2013 في الاتّحاد العام التونسي للشغل 48 % ولكن 5 % فقط منهنّ في هيئات اتّخاذ القرار. ولا توجد أيّة امرأة في المكتب التّنفيذي الذي يعدّ 13 عضوا ولا في المكتب الموسّع الذي يعدّ 37 عضوا (15). 
مؤشرات سلبية  
من المجحف عدم الاعتراف بما حققته المرأة التونسية من مكاسب في مسيرتها من أجل التّحرّر ومطالبتها بحقوقها والرّفع من قدرها ومكانتها في المجتمع حيث تكافأت الفرص بينها وبين الرّجل في التّعلّم واكتسبت قدراً من السّلطة داخل إطار الأسرة، وذلك نتيجة لدخولها مجال العمل خارج البيت، ولاستقلالها الاقتصادي، لكنّ الأرقام المذكورة آنفا تؤكّد أنّ واقع المرأة في تونس لم يرتق إلى المستوى الذي يتحدّث عنه البعض من مدّعي مناصرة قضايا المرأة، فلا هي حقّقت المساواة مع الرّجل ولا استطاعت أن تبلغ مرتبة الشّريك الحقيقي في بناء الوطن. وحتّى الثّورة، التي شاركت فيها المرأة بقوّة، لم تغيّر في الواقع الكثير بل ربّما طرحت مشاكل جانبيّة جديدة هدّدت المكاسب القليلة التي تحصّلت عليها وكشفت ما كان يستبطنه المجتمع من تمييز ضدّ المرأة عبّر عنه تضاعف نسبة العنف المسلّط ضدّها وهو من أكثر أشكال التّمييز انتشارا، ويشكّل أبشع انتهاكات حقوق الإنسان وأكثرها شيوعاً.
كما بـــرزت بعـــــض مظاهر التّمييز السّلبـــي بين نساء الوطن الواحد وتصنيفهنّ حسب لباسهنّ وأفكارهــنّ، إذ لاحظنـــــــا توجّها واضحا لدى بعض صنّاع القرار والفاعلين من الرّجال والنّساء(16) نحو إقصـــــاء النّســـاء المحجّبات ومضايقتهنّ واعتبـــــــار الحجاب رمزا من رموز التخلّف كما لاحظنا توجّها لدى البعض الآخر ممثلا في بعض الجماعات الدّينيّة المتشدّدة نحو التّضييق على المرأة «السافرة» (17) وإرهابها باعتبار أنّ تواجدها في الشارع مـن دون «اللباس الشرعي» (18) يمثل خطرا على المجتمع. 
ومن بين المؤشرات السّلبية التي يمكن ملاحظتها بسهولة الهوّة الكبيرة بين التشريع ( مجلة الأحوال الشخصية، الدستور الجديد، ..) وبين الواقع وهو ما يؤكّد أن تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من حقوقها لا يتحقق في تقديرنا عبر تخصيص عيد سنويّ للمرأة أو عبر سنّ القوانين والتشريعات التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ نتيجة نظرة العقل المجتمعي الدونية للمرأة ولهذا فإن المطلوب اليوم مع سنّ القوانين التي تحمي حقوق المرأة أن نغيّر ما ترسّب في عقولنا رجالا ونساء من وعي «ذكوري» فاسد ونظرة دونيّة للمرأة عبر قرون من التخلّف ولا يمكن أن يحدث هذا التغيير إلاّ بإرساء منظومة تربويّة وثقافيّة تؤسّس لمبادئ المساواة وتدعم مشاركة المرأة في إنتاج الثروة وبناء الوطن وعبر «تثوير» تراثنا الملئ بالجوانب المضيئة والمبادئ السّمحة التي تجعل «النساء شقائق الرجال» وشريكا حقيقيا في جميع مجالات الحياة. أمّا إعلان الحرب على هويّة المجتمع وتحميلها مسؤولية هضم حقوق المرأة من جهة والسقوط في التقليد الأعمى للآخر واستيراد مبادئه وتشريعاته تحت غطاء الكونية من جهة أخرى فإنّ ذلك «كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا» (19) 
إنّ المسألة في تقديرنا أكبر بكثير من اصدار مدونة حقوق أو المصادقة على المواثيق الدولية المتعلقة بحرية المرأة. إنها تتعلّق بالايمان الحقيقي بالحرّية كقيمة أساسية للحياة وبإنسانيّة الإنسان سواء كان امرأةً أو رجلا. فلا مجال لتحقيق حرّية المرأة وضمان كرامتها مادامت الثّقافة السّائدة لا تحترم الإنسان ولا تعتبره مركزالمشروع المجتمعي  وغايته. 
الهوامش
(1) ينص الفصل 21 من الدستور الجديد على أن «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز».
وينص الفصل 46 على أن الدولة :«تلتزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها وتضمن تكافؤ الفرص بين  الرجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات. وتسعى إلى تحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة وتتّخذ التدابيرالكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة».
(2) أنظر موقع مؤسسة «تومسون رويترز» على شبكة الانترانات:
http://www.trust.org/spotlight/poll-womens-rights-arabic/
(3) واقع النوع االجتماعي في تونس2014 - الخبيرة بثينة قريبع والخبيرة جورجيا ديباولي Giorgia Depaoli في إطار تعاون الاتحاد الاوروبي مع حكومة الجمهورية التونسية -ص15 - جوان 2014.
(4) فاتن الجعايبي - جريدة لوتون 31 ديسمبر 2014.
(5) واقع النوع الاجتماعي في تونس2014 - (مصدر سابق) ص 38 
(6) صحيفة «الشروق» في عدد يوم الجمعة 15 أوت 2014.
(7) واقع النوع الاجتماعي في تونس2014 - (مصدر سابق) ص 25 
(8) المعهد الوطني للإحصاء - معدل البطالة حسب الجنس 2006-2015
 http://www.ins.nat.tn
(9) د. محفوظ دراوي « مسألة النوع الاجتماعي والنهوض بتشغيل الشباب» - الوكالة الالمانية للتعاون GIZ تونس 2012 
(10)  واقع النوع الاجتماعي في تونس2014 - (مصدر سابق) ص 26 
(11) تمكين المرأة اقتصاديا : ضرورة كسب التحدي- مجلة الكريديف، تونس، أوت 2013. 
(12) http://direcinfo.webmanagercenter.com/201308/a03
(13) د. بن سالم ،GIZ، « مسألة النوع على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي» ، مائدة مستديرة بتاريخ 16 نوفمبر 2011. 
(14)  «التونسية والعمل السياسي» مجلة الكريديف عدد 45. أفريل 2013. 
(15) ر.بالحاج زكري « مشاركة المرأة في نقابات الجزائر والمغرب وتونس». معهد الأمم المتحدة الدولي للبحث والتدريب للنهوض بالمرأة 2010-
(16) من بينهاعلى سبيل المثال «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات» التي  كان ولايزال لها موقف معاد للحجاب والحجّبات وقد نبهت السلطة إلى انتشار ظاهرة الحجاب سنة 2003، داعية إلى مواجهتها. تقول خديجة الشريف احدى مناضلات «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات»، على سبيل المثال: «ومهما يكن الحجاب، إن كان ظاهرة موضة أو عودة التدين للشارع التونسي، فإنه بالنسبة لنا هو شكل من أشكال الرجعية»
(17) كلمة «سافرة» لاتدلّ على ذم أو قبح وهي في الحقيقة كلمة عادية تصف كل من كان وجهه وفي بعض الأحيان رأسه مكشوفا وجمع سافرة هو سوافر و ليس سافرات، انسفَرَ الشيءُ : انحسَرَ وانكشف (انظر على سبيل المثال المعجم الوسيط)
(18) استعملنا المصطلح المعتمد لدى هذه الجماعات الدّينيّة وهو مصطلح يستنبط شحنة ضغط  وتهديد للنساء باعتبار أغلبهنّ متمسّكات بثقافتهنّ الدّينية.
(19) سورة النور - الآية 39
 -----
- مدير المجلّة
faycalelleuch@gmail.com