شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الخليل بن أحمد
 هو أول من ابتكر التأليف المعجمي، وهو مخترع علم النحو الذي لقّنه لتلميذه سيبويه، وهو مخترع علم الموسيقى المعرفيّة التي جمع فيها أصناف النّظم وهو الذي وضع تشكيل الحروف العربيّة، وقد كانت من قبله لا تشكيل واضح لها، فسهّل بذلك تلاوة القرآن، حتى قيل إنّ عصره لم يعرف أذكى منه، وأعلم وأعفّ وأزهد.
هو أبو عبد الرحمان الخليل بن أحمد الفراهيدي، عربي من الأزد، ولد بعمان في سنة مائة للهجرة ونشأ نشأة إباضيّة لأنه ولد في بيئة إباضيّة وعاش في كنفها، ووفد البصرة صغيرا وهناك تعرف على علماء جدد مثل أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم وغيّر موقفه.وفي هذا يقول إبراهيم بن إسحاق «كان الخليل يرى رأي الإباضية حتى منّ الله عليه بمجالسة أيوب بن تميمة السختياني البصري، تلميذ الحسن البصري».
رغم علمه الغزير وعقليته الخلاقة المبتكرة المتجاوزة حدود الزّمان والمكان، عرف الخليل بالزهد والصّلاح والإنقطاع إلى العلم، وكان عفيف النفس، لا يختار صحبة الملوك، وكان شعث الرأس، شاحب اللّون، قشف الهيئة، متمزّق الثياب، متقطّع القدمين، مغمورا في النّاس لا يعرف، حتّى قال فيه الإمام سفيان بن عيينة: «من أراد أن ينظر إلى رجل من ذهب ومسك فلينظر إلى الخليل». كما عرف الخليل بالعقل والحلم والوقار وهو ما جعله يترفّع عن المناقشات المذهبيّة وهذا ما يرجح احترام كل أصحاب العقائد له ومحاولة نسبته إليها. وقد أثبت العسقلاني في «تهذيب التهذيب» أن علماء اللّغة من أهل البصرة كلّهم أصحاب أهواء ما عدا أربعة «كانوا أصحاب سنّة، هم أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب والأصمعي» وذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء أن الخليل كان يحج سنة ويغزو سنة.
قال تلميذه النضر بن شميل: أقام الخليل في خصّ من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال. وكان يشجّع على العلم وعدم التّقيد بأستاذ واحد فهو يقول: «لا يعلم الإنسان خطأ معلّمه حتى يجالس غيره».
وقال أيضا: «أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة، وهي السّن التي بعث الله تعالى فيها محمّدا صلى الله عليه وسلم، ثم يتغيّر وينقص إذا بلغ ثلاثا وستّين سنة، وهي السّن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر».
مَرَّ الخليل بسوق النخَّاسين، فسمع طرقات مطرقة على طَست من نحاس، فلمعت في ذهنه فكرة عِلم العَرُوض -ميزان الشعر أو موسيقى الشعر- الذي مَيز به الشعر عن غيره من فنون الكلام، فكان للخليل بذلك فضل على العرب، إذ ضبط أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحرًا وكما اهتم بالوزن اهتم بضبط أحوال القافية -وهي الحرف الأخير في بيت الشعر، والتي يلتزم بها الشاعر طوال القصيدة- فأخرج للناس هذين العلمين الجليلين كاملين مضبوطين مجهزين بالمصطلحات.
كما جعل الخليل من اللغة العربية التي كانت تقوم على مجرّد السليقة والطبع لغة علمية مضبوطة مقننة فكان «معجم العين» نقلة عظيمة نقلت التأليف المعجمي من طور السذاجة إلى طور النضج والإكتمال وكتاب العين هو أول معجم في اللغة العربية رتّبه الخليل بادئا بحرف العين. فكانت حروف كتاب العين مرتبة على ما يخرج من الحلق واللهات وأولها العين.
وقد وصف ابن خلدون جهد الخليل بقوله: انتهت (علوم النحو) إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرّشيد وكان النّاس أحوج إليها لذهاب ملكة اللّسان من العرب، فهذب الصناعة، وكمل أبوابها» ثم يضيف «وأخذها عنه سيبويه».
الخليل شاعر مقلّ ويميّز شعره الإيجاز الذي ينأى بنفسه عن الحشو والإطالة المخلة. ومن عبقريته أنه جمع في بيت واحد كل حروف الهجاء:
صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغتْ*** يحظى الضجيع بها نجلاء معطار
تلقى العلم على يديه العديد من العلماء الذين أصبح لهم شأن عظيم في اللغة العربية ومنهم سيبويه، والليث بن المظفر الكناني، والأصمعي، والكسائي، والنضر بن شميل، وهارون بن موسى النحوي، ووهب بن جرير، وعلي بن نصر الجهضمي. 
كان الخليل مشغولا بأمرين: العلم والعبادة. وكان يخرج ماشيا في شوارع البصرة، فلا يلبث أن يجد نفسه في الصحراء دون أن يدري، لأنه يمشي في الطريق، وهو منهمك في التأمّل والتدبر، كالذاهل، وفي مرة من المرات «دخل المسجد وهو معمل فكره... فصدمته سارية، وهو غافل عنها بذكره، فانقلب على ظهره، فكانت سبب موته».
(ابن خلكان،ج2،ص 19/ السيوطي، المزهر، ج1 ص64). توفي الخليــــــــــل 
بالبصرة سنة سبعين ومائة أو خمس وسبعين ومائة.