شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
عصمت سيف الدولة
 ولد ضيف هذا الركن في قرية الهمامية بمحافظة أسيوط في مصر في 20 أوت 1923. انتقل إلى جامعة القاهرة بعد أن أكمل تعليمه الأساسي في قريته ليكمل فيها تعليمه الجامعي، ليحصل على إجازة الحقوق عام 1946 ثم على شهادة الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1951 وشهادة  الدراسات العليا في القانون العام عام 1952، ثم سافر إلى باريس أين حصل على شهادة الدراسات العليا ثم الدكتوراه في القانون عامي 1955 و1957. إنّه الدكتور عصمت سيف الدولة منظر التيار القومي الناصري وواضع الأسس الفكريّة النّظرية للقومية والاشتراكية العربيّة. هو رجل جمع بين  الإبداع الفكري والفلسفي وبين الكفاح والنضال اليومي في مواجهة الاستعمار والاستبداد.  
يعتبر سيف الدّولة من طلائع المفكّرين الذين أسهموا في تكوين الفلسفة العربيّة المعاصرة خاصّة من خلال ابداعه لمنهج «جدل الإنسان» الذي تضمّنه كتابه «أسس الاشتراكيّة العربيّة».وهو كتاب ضمنه المؤلف أفكارا عن الحرية وتطور المجتمعات الإنسانيّة وقوانين تطوّرها واعتبر أنّ الإنسان محور وغاية للتّطور وأنّ الباعث على حركة الإنسان وتطوّره هو الجدل الذي يقوم داخله من خلال رغبته في التّحرر من ظروفه وإشباع رغبات جديدة. وينفرد الإنسان «بالجدل» قانونا نوعيّا «للتطور» وذلك لأنّ «الجدل» قانون للتطور، والإنسان وحده، والمجتمعات البشريّة وحدها تتطوّر، أمّا الأشياء والظواهر الطبيعية الأخرى فهي «تتحوّل»، وهو بهذا المعنى يرفض فلسفتي  «الجدلية المادية» لكارل ماركس التي تقصر التّطور على مسار المادّة وحدها والجدليّة المثالية لهيجل التي تقصر التّطور أو «الجدل» على مسار الفكر الخالص وحده. والدكتور يعطي معنا «للحرية الإنسانية» مختلفا عن المعنى الذي يقول به الوجوديون، فهو يفهم الحرية على أساس «تحرّر من الحاجة» وليس «حرية الفعل الإنساني» أي بقدر تحرّر الإنسان من حاجاته ـ بإشباعها وليس بتجاهلها ـ بقدر ما يحقّق من حريته ويحدث التطور عندما يستخدم قدراته الجدلية.
لم يكن «عصمت سيف الدولة» مفكرا أو فيلسوفا معزولا عن الواقع والناس ومشاكل أمّته العربيّة، فقد كان مدافعا شرسا عن حرية الإنسان ميدانيّا فوظّف موهبته القانونية لخدمة قضايا الحرّية حيث وقف مرافعا ومدافعا أمام المحاكم المصرية عن كل ضحايا الاستبداد والظلم من كل الاتجاهات السّياسية فكان متطوّعا للمرافعة في قضايا الشيوعيين والأخوان المسلمون بالرّغم من خلافه العميق معهم. ودفع من أجل إيمانه بالحرية ثمنا باهظا حيث سجن في الأيام الأولى من عهد السادات أول مرّة بتهمة إنشاء «تنظيم قومي» سمي باسمه ثم مرّة ثانية في عام 1981 مع كل فصائل المعارضة السياسية من اليمين واليسار ومن المسلمين والمسيحيين.
لم يترك د. عصمت سيف الدولة، حدثاً يمر دون أن يشارك فيه ، لم يجامل أحداً ، منذ عام 1965، فقد أدرك أنه، واستناداً إلى «منهج جدل الإنسان»، أنّ الأمّة تتعرّض لمخاطر جسيمة، فدعى الجماهير العربيّة وخاصّة الشباب منها إلى تأسيس الحركة العربيّة وأن تنتظم بتنظيم قومي بعيدا عن مصر وعن أجهزة نظامه كي لا تحوّلهم الى أذرع استخبارية، فصاغ بياناً تأسيسياً لذلك حدّد فيه كيف يمكن أن يولد هذا التنظيم، من القاعدة، إلى القمة، وهو البيان الذي طاف الوطن العربي، في تلك الأيام، وأطلق عليه الشباب العربي في ذلك الوقت أسم ( بيان طارق ). وعلى الرغم من أنه كان مدافعا شرسا على التجربة الناصرية إلاّ أنه بعد هزيمة 1967 نجده تجنّد للبحث عن أسبابها وما أدّى إليها، ليعلن بقوة دون خشية أن الأجهزة الأمنية وحاشية السّلطة بنفاقهم وقهرهم وبيروقراطيتهم هم السّبب في الهزيمة. 
من القضايا التي شغلت ذهن «عصمت سيف الدولة» العلاقة بين العروبة والإسلام وأصدر في هذا الشأن كتابه : «عن العروبة والإسلام» عام (1986م) شرح فيه موقفه موضحا أن لا تناقض بين القومية كعلاقة انتماء إلى أمة، والإسلام كعلاقة انتماء إلى دين، كما يقرر أن الإسلام هو الهيكل الحضاري للأمة العربيّة، فضلا عن تقريره وجوب أن يكون نظام دولة الوحدة هو النظام الاسلامى.. وبناءا على ما سبق فان الدكتور سيف الدولة يعتبر الدعوة «العلمانية» في الوطن العربي دعوة نفاق وأنّها «ليست مع الدّين أو ضدّ الدّين بل هي بوّابة نظام فردي (ليبيرالي) ربوي (رأسمالي).. وما كان يهمّ العلمانيين هو استبعاد الإسلام كنظام للحياة» (ص 245) 
وكتب عصمت سيف الدولة «رأسماليون وطنيون ورأسمالية خائنة» دافع فيه عن القطاع العام محذرا من هجمة «الخصخصة». وكتب «هذه المعاهدة» عن الصلح مع العدو الصهيوني الذي قاده السادات في أعمق دراسة قانونية وسياسيّة تناولت معاهدة  كامب ديفيد. كما كتب «الاعتراف المستحيل» يحذر فيه منظمة التحرير الفلسطينية من مخاطر الاعتراف بعدوها الصهيوني ويدعو مناضليها وقياداتها إلى مواصلة المقاومة بعيدا عن النظام الرسمي العربي.
في 30 مارس 1996 غادر عصمت سيف الدولة هذه الحياة الدنيا بعد أن ترك تراثاً غنياً في المنهج، والنظرية، قد يساعد في هذا الوقت العصيب من تاريخ العالم العربي في استنباط الوسائل والأدوات لاستئناف مسيرة النهوض والتنوير إلى الحرية.