قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
ها قد عاد رمضان
 «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».
فأمّا كون هذا الشّهر مقدّما على الشّهور كلّها فهذا حقّ لا مراء فيه وقد تحلّى بحليتي الصّوم والقرآن فغدا شهرا مباركا كلّما حلّ بالمسلمين حلّت معه بركته وجاء فضله بكل خير. وأمّا كونه شهر الصّيام فآية ذلك أنّ صومه لم ينقطع منذ فُرض الصوم على المسلمين وما زال النّاس يصومونه بحبّ وشغف ويبالغون فى إكرامه والاحتفال بمقدمه لا تتغيّر قلوبهم في ذلك بل يزدادون حبّا للشّهر عاما بعد عام.
 (2) 
ليس كل المسلمين سواء في هذا الشّهر وإن كانوا يتساوون في محبّته وتعظيمه، إذ يختلف الحال من بلاد إلى أخرى، وقلّما يأتي عام يشعر فيه المسلمون جميعا بأمان الشّهر فيصومونه آمنين أينما وجدوا، فحال الشّهر من حالهم. ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ أوضاع المسلمين عامّة والعرب خاصّة ما تنفك تزداد سوءا من عام لآخر وأنّ آمالهم في العيش الكريم والرفاه والعدل والحرّية تذهب سدى مع تواتر السّنوات وكأنّهم ليسوا أهلا لذلك.وإذا كنّا من قبل نعلق آمالا على يوم سيأتي تتغيّر فيه أحوالنا ويستجيب فيه الله لدعائنا في الشّهر الفضيل، فإنّنا قد أصبحنا الآن نرجو الله أن يبقينا آمنين في بيوتنا وأشغالنا بغض النّظر عن الوضع الذي نحن فيه من حيث كرامة الانسان ورقيّ عيشه وكأن المهمّ هو السّلامة .
 (3)   
ودّعنا رمضان في العام الفائت ونحن نتحرّق شوقا لتجربة ثانية في الانتخابات والاختيار الحرّ لمن يحكمنا،  معتقدين أنّنا سوف ننتقل من وضع المؤقّت الى الوضع الدّائم وأنّ القوى التي حملت هموم الانسان في هذا الوطن سوف تتّحد من أجل إنقاذ الوطن نهائيّا من السّقوط في مستنقع الاستبداد. جاء اليوم الموعود ولم يتمخّض عمّا كان يرجوه النّاس من وضع مريح يطلق يد الجميع في البناء والابداع في جوّ من الحريّة والعدل دون قهر أو تمييز، وها أنّ رمضان يحلّ بيننا من جديد ونحن نرى الأوضاع تزداد سوءا وقد أوجس النّاس خيفة وصار مبلغ الأمل عند معظمهم  غدا آمنا ولا ضير أن لا يتحقّق من الآمال شيء.
 (4) 
ولقد ودّعنا رمضان من العام الماضي آملين أن تستقّر الأوضاع في ليبيا وأن يفيء الجميع إلى أمر من السّلم والتعايش، كما أمِلْنا أن يعود إلى شعب الكنانة ما سلب منه من حرية وأمل. وكم تمنّينا ودعونا من كل قلوبنا أن يعمّ السّلام أرض الشّام وأن يتوقّف فيها قتل الانسان بوحشيّة غير معهودة وكم ودننا أن نرى في العراق نسائم الأمن وأن لا تتدهور الأوضاع في اليمن، وأن يكون الانسان هو العنوان بغضّ النّظر عن متاهات اللّغة والعرق والدّين، وأن تكون الأوطان حاضنة للجميع. فأيّ من الأمنيات قد تحقّق؟ وأي أمل قد بقي لنا في أوطان يأكلها السّوس ويجرفها الطّوفان وأهلها لا يدركون أن فناءها من فنائهم وأن عمرانها وأمنها من تمام دينهم أيّا كان هذا الدّين، فكيف إذا كان هذا دين الصّيام و القرآن والسلام؟
 (5) 
ما يلبث رمضان من هذا العام أن يودّعنا وفي نفسه لوعة من حالنا وهو يدرك مثلنا أنّ مساجد الله قد عمرها الصّائمون السّاجدون وهذا من عظيم بركته غير أنّه سوف يظلّ مثلنا يأمل أن تعود إلى أمّة الصّوم والقرآن سطوتها في أوطانها وبين الأمم، وأن تعود لهذا الدّين رائحة السّلام والأمان بعد أن فعلت «داعش» ومن هم على شاكلتها ما فعلته من سفك للدّماء وفجور.
------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com