الرأي الحر

بقلم
يسري بوعوينة
جريمة بلا عقاب
 قال محفوظ صابر الجلاد المصري برتبة وزير عدل في حكومة الدكتاتور عبد الفتاح السيسي أنّ أبناء عمّال النّظافة لا يجب أن يكونوا يوما ما قضاة لأنّهم لم ينشئوا في البيئة المناسبة لذلك....وحدهم النبلاء وأبناء الذوات والأثرياء يمكنهم ذلك على ما يبدو وإن لم يفسّر لنا الجلاّد المذكور نظريّته القبيحة -قبح وجهه وسيرته وتاريخه ونظامه- في الرّقي والنّشوء القضائي فإنّه يمكننا أن نستشفّ دون حاجة لكبير ذكاء أنّ كلماته تلك الشبيهة برصاص الدّواعش وسكاكينهم جريمة في حقّ الدّولة والأجيال لا يجب أن تمرّ مرور الكرام.
أولا لنعترف أنّ هذا الجلاد قال في العلن بما يتهامس به البعض في السّر...وهذا الكلام لا ينطبق فقط على جمهورية مصر ولكنّه يشمل تقريبا معظم الدّول العربيّة...كلّ المناصب الهامة والكبيرة حكر على عائلات معيّنة ومتنفّذة عملا بالمثل الشّعبي الذي أمقته «ولد الوزّ يطلع عوّام»..أي أنّ إبن الرّئيس يصبح رئيسا وإبن الوزير وزيرا وإبن المدير مديرا وإبن الفنان فنانا وإبن رجل الأعمال «ولد» أعمال وهلمّ جرّا ونسخا وتكرارا...أعود إلى هذا الجلاّد الوزير الذي إرتكب جريمتين:
الجريمة الأولى: احتقاره لفئة من المواطنين تقوم بأعمال ومجهودات لتكون بلاده نظيفة دائما وليس فقط في أعين الزّائرين وهذا أكثر ما يريده المسؤولون...هؤلاء يتذكّرون الزّينة والطرقات وأعمال الصّيانة فقط حينما يزور المنطقة وزير أو مسؤول رفيع المستوى ولا تتحدّث عن المسؤولين الأجانب...هم يريدون صورة جميلة عبارة عن بطاقة بريديّة ينالون من ورائها شهادة استحسان من المسؤولين الأرفع منهم درجة...ظروف عيش المواطن هي آخر ما يفكّرون فيه وآخر من يسعى لتحسينه!! شوارعنا فيها حفر أكبر من المحيط الأطلسي ومرتفعات أعلى من جبل الشّعانبي وأتربة وغبار ونباتات تكاد تموت عطشا تسبّح الله في ملكوته وتدعو على هؤلاء المسؤولين المهملين بالويل والثّبور...في هذا المشهد الذي يتكرّر في عديد المناطق والأحياء يقوم عمّال النظافة بأدواتهم البسيطة برفع الفضلات وما يتركه النّاس وراءهم من أوساخ حيث ما مرّوا...هم فقط لا يقومون بعملهم على أكمل وجه...فهم لو قاموا برفع الفضلات الحقيقيّة وليس الأوساخ فقط لرموا عديد النّاس وأوّلهم هذا الوزير الحقير في شاحنة النّظافة وألقوا بهم في مزابل التّاريخ...
الجريمة الثانية: قتل الطّموح عند الأجيال الشّابة وهي بالمناسبة العيون التي ترى بها الأوطان المستقبل وهذا الوزير قام بفقأ هذه العيون فلا ندري كيف ستنظر مصر إلى مستقبلهــــــا...من حسن حظ تونس أنّ بورقيبة ومن معه آمنوا بالتّعليم كرافعة اجتماعية تخرج النّــــــاس والوطن من الظّلمات إلى النّور ومن الفقر إلى المجد ونسبة التمدرس العالية في بلادنا تصوّر لنا بوضوح الرّغبة في النهل من منابع العلم والمعرفـــــــة والرّقـــــــي الاجتماعي...لا أقول يدرس أطفالنا من أجل منصب ولكن أقول يتعلّمون من أجل اكتساب مؤهّلات وكفاءات تجعلهم جديرين بذلك المنصب ونافعين فيه...بأيّ حق إذن يمنع هذا المجرم ولدا نبغ في العلوم القانونيّة واستحق أن يدخل معهد القضاء من أوسع أبوابه لا من تحت طاولة الرّشوة والأكتاف والجاه؟؟ بأي قانون وبأي منطق؟ إنّها جريمة قتل مع سابقيّة الإصرار والترصّد...في تفسيرهم لآية «وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت؟» ينزع الشّيوخ فرحين مطمئنين إلى تعريف الوأد بكونه مواراة الفتاة تحت التّراب...فقط لا غير....الوأد حسب رأيي يتجاوز ذلك ليشمل الوأد الاجتماعي مثلما قام به هذا الوزير من خلال وأد أحلام الشّباب الطّامح بطبعه على رأي الحكماء...إنّ الشّباب عندي أشبه بالطيور وحينما نقطع أجنحتها فأكيد أنّنا ليس فقط نمنعها من التحليق عاليا في سماء النّجاح التي تسع كل مجتهد ومثابر بل إنّنا ندفعها لا محالة لتكون معاول هدم هذه الأمّة التي تعاني من الخراب أصلا من خلال إرتمائها في أحضان التّطرف والفساد...هناك أيضا الوأد الإقتصادي من خلال جنوح رجال الأعمال الكبار والشركات العملاقة إلى وأد كل شركة صغيرة أو مشروع واعد قد يهدّد بزعزعة عروش هذه الحيتان الكبيرة حتّى غدا السّوق عبارة عن كعكعة يتقاسمها فلان وفلتان وللباقي الفتات المتساقط....الوأد ليس فقط مواراة الأجساد التّراب....مواراة الطموح والأحلام هي أيضا وأد لا يقل وطأة عن الوأد الجسدي...
ما قام به هذا الوزير جريمة بلا عقاب في حق شباب يعاقب بلا جريمة...
-------
        -  طالب مرحلة ثالثة حقوق
 yosri.bouaouina@gmail.com