في العمق

بقلم
حسن الجمني
استفتاء الشعب في إصلاح المنظومة التربوية
 يجمع كلّ التّونسيين على ضرورة إصلاح المنظومة التّربوية. وهو إجماع عبّرت عنه وزارة التّربية كما عبّرت عنه منظمات وجمعيات المجتمع المدني دون اختلاف في توصيف مظاهر تدهور المنظومة. وبادرت وزارة التّربية بدعوة إلى حوار وطني لإصلاح المنظومة دون إقصاء. فقد شرّكت الاتّحاد العام للشّغل ومجموعة عهد في البداية ثمّ اتجهت إلى كافّة أصناف المدرّسين وإطارات الإشراف الإداري والبيداغوجي بمختلف مستويات عملهم وبمختلف الجهات واستدعت جمعيات المجتمع المدني إلى جلسات حوار بمقار الولايات. 
   فهل يمكن مؤاخذة الوزارة على إقصاء ؟
 لا أعتقد صواب ذلك المدخل لبيان أخطاء مبادرة وزارة التّربية. أقول ذلك رغم تأكيدي على وقوع الوزارة في أخطاء. ففيما أخطأت الوزارة؟
   يكمن الخطأ في المنهجيــة أو التمشـــي الـــذي اعتمدتـــه وزارة التربيــة خاصـــة وفي تجاهلها لوزارة التعليم العالــي كطرف آخر معنــــي بالشّأن التّربوي وهــــو موقف «احتكاري» تؤاخذ عليه. وعندما أتحــدّث عن منهجيّة لا أقصــد من ورائهــا الإقصـــاء لأنّ الوزارة لـم تقص جميــع مكوّنـــات المجتمـــع. وكل من يتحدّث عن إقصاء فهو مجاف للحقيقة وسيكون محلّ سخريــــة من عموم الشّعـــب لأنّ الـــوزارة حرصت على تشريك جميع مكونات المجتمــــع في «الحوار الوطني حول التّربية» مطبقة ما جاء بالصّفحة الرّابعـــة من « الوثيقة المنهجيـّــة لإصلاح المنظومـــة التّربويـــة» من أنّ «إطلاق الحوار الوطنـــي لإصلاح المنظومــــة التّربويـــة باعتباره استراتيجيّة تضمن مشاركة حقيقيّة ناجعة تجعل جميع الأطراف شركاء فعليّين في نحت كيان الأجيال القادمة».
   يبقى السؤال حـــول جدوى ومشروعيــّـة إطلاق الوزارة لهذا الحـــوار. هل تقع  مهمّــة  تشريع إصلاح في شـــأن مجتمعـــي جوهـــري وأساســــي على وزارة مسؤوليتها التّنفيذ وليست التّشريع أم تقع على مؤسسات وطنية دستورية مختصّـــة كالمجلس الأعلى للتّربية؟ 
   وزارة الأستــــاذ الدكتــــور ناجي جلّــــول تنتمــي إلى حكومـــــــة لديها سلطة تنفيذيّة انبثقت عن  انتخابات أولى  بعد صياغة دستور الجمهوريّة الثّانية. وهي حكومة تأتــي في فتــــرة تأسيس للكثيــــر من المؤسّسات الوطنيّة التي يكتمل بها البناء الدّيمقراطـــي للدّولة. ومن تلــــك المؤسّسات المجلس الأعلـــى للتّربيــــة وما يتبعــــه من تأسيس هيئة عليا لتقييم المنظومة التربوية.
   تلك المؤسّســــات هي وحدها المخوّلـــة ، في هذه المرحلــــة من بنــــاء الدّيمقراطيـــــة في وطننا العزيز، لإطــــلاق تمـــشي منهجـــي يفضــي إلى إصـــلاح تربـــوي نابـــع من الشّعـــب بمختلف أطيافــــه. إصلاح قد ينبنّي على استفتاء شعبـــي ليصــــوّت على خيارات متعدّدة  يشارك في صياغتهــــا خبراء فــــي التربيـــة بتكليف مـــــن المجلس الأعلى للتربية.
   ألا  يجب أن نضع الحصان في مقدمة العربة ؟
  نرى وزارة التربية  تضع نفسهـــا ، وهي العربة التي ستحمل ما يختاره ويدفعه عموم الشعب، في مقدمة المقرّرين لمستقبل التربيـــة في تونس وتبـــادر مستعينـــة باتحاد الشغل الذي لا ينكر أحد مكانته الفاعلة في الحياة العامة التّونسيـــة وكذلك مجموعة عهـــد. وهو وضع قد يفضي إلى تغييـــرات شكليّــــة أو عميقـــة في المنظومــــة لا تخدم مصالح الشّعب أو هو لا يوافق عليها لأنها لم تأسّس على قراره. فالشأن التربوي أساسي في حياة المجتمع والقــــرار فيــه يعـــود أوّلا وأخيـــرا له ليتجه به نحو أهداف تخدمــــه وتساهم في نمائــــه على طريق يختــــاره وفق تلك المقاصــــد وحسب ما يتوفر لديه من موارد.
  فلنبدأ  بتعديل العربة وبوضع القواعد لتأسيس منظومة تربوية تخدم أهداف الشعب وتنبع من خياراته دون إضاعة الوقت في مهاترة لفظيـــة لا تؤسس لتحوّل ناضج وفق قواعد الجودة أي وفق الدرجة العالية من النوعية والقيمة.
   مطلب دستوري تربوي هو إنشاء المجلس الأعلى للتربية:
   فالمجلس الأعلى للتربيــة هو هيئة عمومية مستقلة تتمتع بالشخصية القانونية والاستقـــلال المالي والاداري مهمتهـــا إبداء الرأي فـــي السياســـات العمومية والقضايا الوطنيــــة التي تهمّ التربية والتكويـــن والبحث العلمـــي كما تتولى تقييم أداء المنظومــة التربوية والتكوينيـــة من حيث النتائج والبرامج والخيارات وتعد تقريرا سنويا في الغرض . وهذه الهيئة بعد تقييـــم وتشخيص الواقع التربوي علميّا يحسن بها الاستعانـــة بخبراء لتقديم مقترحاتهم حول الحلول الممكنة لإصلاح مختلف جوانب المنظومة التّربويــة. فتوظب تلك المقترحات فــي خيارات كبــــرى تكون بنــــودا لاستفتـــاء شعبــــي واســـع تشرف عليه هيئة مستقلّة.
استفتاء الشعب حول مستقبل منظومته التربوية:
  إذا كانت الدول الديمقراطية في الغرب تستفتي شعوبها في شؤون أقل أهمية من التربية مثل الترخيص في زواج المثليين في إيرلندا هذه السنة (ماي 2015) فلماذا لا يستفتى الشعب التونسي في مستقبل منظومته التربوية؟
  ذلك أنّ استفتاء الشعب بمختلف فئاته  حول شأن أساسي مثل التربية يعطي مشروعية لكلّ التشريعات والمصاريف على التجهيز والتكوين والهيكلة ويلجم ألسنة المناوئين  المحتملين والذين يجدون فرصتهم  أثناء التحضير للاستفتاء لتقديم وجهات نظرهم بكلّ حرية  دون إقصاء.
   وقد ينطلق استفتاء الشعب من مجلس نوابه ، وخاصة اللجنة المكلّفة بالنظر في شؤون التربية والتكوين والبحث العلمي ، لأنّ مجلس النواب ممثل للشعب وصلته بالحكومة بما فيها وزارة التربية. كما يمكن أن ينطلق من المجلس الأعلى للتربية في حال أرسي على أرض الواقع كمؤسسة دستورية فاعلة.
   وللمجلـــس الأعلــى للتربيـــة بعــد استفتـــاء الشعب تقديم نتائجـــه ومقترحاتـــه إلى مجلــــس نواب الشعـــب للنظر فيها من حيث سيـــر العمليـــات التي أفضت إليهـــا ومدى توافقهـــا مع التوجهـــات الكبرى للدولــــة وكيفيـــة تطبيقهـــا على أرض الواقـــع ولـــه أن يضع عندها قوانينا جديدة تنظم العمل التربوي تعوّض قانون 2002 وما تبعه من خطط.
   بهذا وحده تكتسب الدولة والحكومة قوّة سلطة القرار الإصلاحي التربوي وتعطيه سندا شعبيا مضمونا.
-----
- خبير في علوم التربية   
jemnihassen@yahoo.fr