قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
شبابنا إلى ين؟
 ماذا يعني أن يتقدم عشرات آلاف الشّباب في تونس دفعة واحدة من أجل المشاركة في مناظرة وطنيّة لشغل بضعة آلاف من الوظائف في مأساة تتكرّر بين حين وحين، وبعض هؤلاء الشّباب قد نهكته البطالة الطّويلة ولم يعد يرى أيّة فائدة في انتظار وظيفة لا تأتي أبدا؟ وماذا يعني أن يتكدّس المئات من الشّباب بين حين وحين في قوارب الموت المتّجهة إلى سواحل إيطاليا وهم يدركون أنّ الموت أقرب إليهم من تلك السّواحل؟ 
وماذا يعني أن يسقط الآلاف وهم فى مقتبل العمر في براثن المخدّرات بأنواعها والخمر وغيرها من مهلكات البدن في مقدّمات موضوعيّة لانحراف مدمّر لا فكاك منه؟ هل لظاهرة اكتظاظ السّجون مثلا علاقة بتدفّق آلاف الشّباب من السّجناء لأسباب عدّة بعد تطوّر نسق الجريمة في العهد النّوفمبري البائد؟ 
وماذا يعني أن تتحوّل مجالات اهتمام الشّباب إلى ملاحقة الأوهام من كلّ نوع، فمن وهم الرّياضي والفنان الثّريّ إلى وهم الحاصل على ثروة طائلة من ورقة رهان رياضيّ ؟ وأخيرا وليس آخرا، أيّ أفق سنفتحه لشبابنا ونحن نغوص به كلّ ثانية في مجالات الرّداءة والتّفاهة التي تكاد تحوّله إلى راقص مائع لا يرى في الحياة سوى فرصة للّهو والمجون؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير، هي أسئلة في غاية الأهمّية لأنّها تضعنا في مواجهة أزمة الشّباب في تونس وفي الوطن العربي كلّه، وهي أيضا أزمة مجتمع ينخر كيانه السّوس باستمرار وهو يدّعي كذبا وزورا حداثة وهميّة أخرجت من حسبانها أهم عناصر المجتمع وعماده الدّائم.
إنّنا لا نستطيع أن ننسى أنّ الثورة بما هي حثّ تغيير ورفض قد قام بها الشّباب الباحث عن  الشّغل والعيش الكريم والحرّية و هي ثورة و إن باغتت المجتمع والدّولة والمخلوع، إلا ّأنّها كانت تتويجا لصراع خفيّ بين الدّولة و شبابها دام لعقود، أي منذ الزّمن البورقيبي . 
لم تضع الدولة في حسبانها أن جحافل الشّباب الذين يدفع بهم النّظام التعليمي كلّ سنة من دون أفق شغليّ واضح لن ينتظروا إلى ما لانهاية له وأنّهم سيبحثون بكلّ الطّرق عن مخرج لوضع مأزوم وإن أدّى ذلك إلى ثورة عارمة. كما أسقطت الدّولة من حسابها كل مطامع الشّباب في المشاركة في صنع القرار وفي المساهمة الفعليّة في التّنمية والتخطيط وهو المعني قبل غيره بأيّ خطط مستقبليّة، بل إنّ النّظام بكلّ ما كان يمثله من استبداد سياسيّ وتخلّف حضاريّ ظلّ يراهن على عصا القمع  وخنق القيم والمعاني البناّءة واستبدالها بفضاء من الوهم ظاهره حداثة ثقافية وباطنه هدم لكل القيم واستحمار للإنسان، والغاية دفع للجميع باتجاه احتقار الوطن والمعنى واليأس من كل شئ. 
لم تكن العلاقـــــــة مع الشّباب مجالا للحوار أو البنـــاء المشترك على قاعدة التّأسيـــــس لغد أفضل للجميع وخاصة للشّبـــاب وإنّما كانت علاقة إخضاع دائم وبكلّ الطّرق  لذلــــــك فوجئ النّظام بثورة الشّبـــاب ولم يلق لها بالا، ظنّا منه أنّ ما بذلــه من جهد طــــوال عقود قد مكّنه من وضع يده على الوطن والمواطنيـــــن، وليس على الجميـــع سوى الخضوع للمشيئة بشقّيها السّياســي والثّقافـــي بما هما وجها العملــة المتلازمين ومن ثمّ فقد كان من البديهي الانتباه إلي أنّ سقوط السّياسي لا بدّ أن يعني سقوط الثّقافي أي النّمط الثّقافي للنظام الحاكم. 
غير أن الثّورة أهملت هذا الجانب حين سطا عليها السّياسيون بمنطق الاستعجال والغنيمة تاركين المجال واسعا أمام معاول الهدم نفسها لنجد أنفسنا بعد أربع سنوات في مواجهة الأسئلة الحارقة نفسها ولكن ليس بمنطق الثّائر وإنّما بمنطق المهزوم، ولذلك لا يحتاج المرء الآن إلى جهد خارق كي يلاحظ أنّ ذات النّمط الثّقافي الذي ساد من قبل عاد ليسود وأنّ ذات الأوهام عــادت لتزحف على وجدان شباب مهــزوم، والأنكي من كلّ ذلك أنّ ذات المتسبّبين في أزمة الشّباب قد عادوا للتّصدي من جديد لكلّ مشروع إصلاحيّ أكان سياسيّا أم ثقافيّا أم تعليميّــا أم هيكليّــا ولذلك يجدر بنا التّساؤل المرّ:  شبابنا إلى أين؟
------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com