قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
من أجل حراك أفضل
 كتبت من قبل عن حراك شعب المواطنين وبغض النّظر عن كون القائمين على الحراك قد اطلعوا على ما كتبت أم لم يطّلعوا عليه، فإنّني أرى من الضروري على المؤمنين بالحراك وغير المؤمنين به تعميق النّقاش أكثر في ضوء خروج المبادرة  من سياق التفكير الي سياق الفعل بعد انعقاد أول اجتماع للحراك مؤخّرا. ولقد سبق لي التّأكيد على أنّ فكرة الحراك قابلة للتّحقيق في المدى المنظور وفي المدى البعيد على حدّ السّواء وفي هذا تأكيد على أنّها ليست فكرة هلاميّة وهي أضغاث أحلام كما يروّج البعض وأنّنا قد نكون بصدد التّأسيس لكيان جديد أكثر فاعلية من الكثير من الكيانات التي وجدت منذ زمن بعيد ولكنّها لم تستطع أن تؤسّس لأيّ شئ.
(2)
قبل البدء في تقديم الملاحظات التي نروم إبداءها في هذا المقال القصير نودّ أن نلفت الانتباه إلى كوننا طالبنا في المقال السّابق بضرورة مراجعة التسمية والبحث عن إسم آخر لا تعتريه أيّة شبهة من شبهات التّمييز أو التّقسيم  أو فيه ما يوحي بأنّنا قد نصبح شعبين واحد من المواطنين وآخر من غيرهم ، ولئن بادر الكثير من القائمين على فكرة الحراك إلى شرح المقصود بالتّسمية، فإنّني أعتقد أنّ اللّبس سيظل قائما والمسألة لا تحتاج في الرّاهن الى أيّ لبس ولعلّنا نستطيع أن نكتفي بحراك المواطنين بدل استعمال كلمة الشّعب وما قد توحي به من شبهة استعلاء.
أما الملاحظة الثانية فتتعلّق بالمسار الذي يراد للحراك أن ينتهجه بحيث يكون حراكا نابعا من النّاس، أفقيّا لا عموديّا متاحا للجميع بغضّ النّظر عن انتماءاتهم الطّبقيّة أو السّياسية أو الايديولوجيّة حتى يكون الخيار خيارا فوق الايديولوجيا وفوق الأحزاب وهذا أمر بعيد المنال في المدى المنظور وقد لا يكون بإمكان النّاس انتظار هذا الحراك في ظلّ واقع ضاغط بالشّكل الذي عليه واقع الحال الآن ومن ثمّ  وجب التّأكيد مرّة أخرى على أنّ الحراك يجب أن يكون سياسيّا بامتيازحتى يتمكّن منخرطوه والمؤسّسون له من رؤية ضوء في آخر النّفق .
(3)
إن تقديم الحراك على أساس أنّه يمثل خيارا ثالثا بين الإسلاميين والمنظومة القديمة أمر يحتاج إلى إعادة التّقييم لأنّ النّاس في معظمهم قد حسموا خيارهم  بصورة حاسمة فالذين هم مع الإسلاميّين مازالوا يرون صوابية خيارهم لاعتبارات عدّة لعلّ أهمّها مسألة الهوية والإرث النضالي الممتد على عقود كان الإسلاميّون فيها يعانون الأمرّين في سبيل التّصدي لنظام مستبد، ثم إنّ تجربة الحكم الماضية لم تؤدِّ بالإسلاميّين عامّة وحركة النّهضة خاصّة الى الانحسار والتّلاشي بل خرج الإسلاميّون أكثر قوّة ممّا كانوا هم أنفسهم يعتقدون، وليس هذا فحسب بل إنّ الأخطاء التي يرتكبها مناوِؤُوهم كلّ حين سوف تزيدهم قوّة خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ النّاس بدأوا يعيدون تقييم تجربة حكم الثّلاثية باتّجاه انصافها وهذا بحدّ ذاته أمر بالغ الأهميّة للإسلام السّياسي عامّة ولحركة النّهضة خاصّة إلاّ أن ترتكب خطأ قاتلا لا قدر الله.
أمّا الذين وقفوا مع المنظومة القديمة أو بعضها على الأقل ممثّلة في نداء تونس فلن يكون  أمام أكثرهم إلاّ خيار العودة عن هذا الاختيار إذا تواصل الأمر على حاله هذا من تنكّر تامّ للقاعدة الانتخابيّة واعتبارها كتلة من المؤيّدين الذين لا حول  لهم ولا قوّة على قاعدة «نحن أدري بمصلحة البلاد والعباد وأنتم ليس لكم إلا الموافقة» ، هذا بغضّ النّظر عن ما يعانيه النّداء من مشاكل في الهيكلة والتنظيم والخيارات فهو أشبه ما يكون بالرّياح المتصادمة .
(4)
إنّ على الحراك أن ينتبه إلى خصوصيّة التجربة الحديثة بعيدا عن المناكفات مترفّعا عن سفاسف الأمور فهي تجربة فرضها الواقع بكل تقلباته، ولعلّ الرّئيس المنصف المرزوقي الأكثر إلماما بما حدث وقد كان رئيسا للبلاد، وهو بالتأكيد يعرف أنّ فشل الخيار الحالي مطلب للكثير من دوائر التّأثير  ومن ثمّ فقد يكون من المجدي في الظّرف الحالي العمل بقوّة من أجل أن تكون تجربة الحكم الحالي محكومة بسقف الدّستور في كلّ شؤونها بدأ بالسّلطة ووصولا إلى القرار وحينئذ فلن يجد الحراك نفسه أمام صراع طويل بين إرادة قديمة وأخرى جديدة ولا هو رهن تحالفات مسقطة لا أمل لها في البقاء بشكلها الحالي وسوف يكون بمقدوره عقد تحالف لا مفر منه، وحينها أيضا سوف يكون بوسع «حراك المواطنين» أن يمرّ إلى الخيارات الثقافية والأخلاقية والدوليّة والوطنيّة وغيرها من الخيارات التي تبني دولة المواطن والانسان. 
 .------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com