شخصيات

بقلم
كمال بوعوينة
المرحوم محمد عابد الجابري
 تمر يوم 3 ماي 2015 الذكرى الخامسة لوفاة المفكر العربي «محمد عابد الجابري» الذي ولد سنة 1936 بالمغرب الأقصى، حيث عمل كأستاذ للفلسفة بكلية الآداب بالرباط.
حمل الجابري طيلة حياته العديد من المشاريع الفكريّة صاحبت صدورها جدلا كبيرا ونقاشا لم ينته بعد، فكانت رباعيته نقد العقل العربي المتكونة أساسا من :
* تكوين العقل العربي سنة 1984.
* بنية العقل العربي سنة 1986.
* العقل السياسي العربي سنة 1988.
* العقل الأخلاقي العربي سنة2001 
أحدثت هزّة في الأوساط الفكريّة العربيّة دفعت بالكاتب اللّبناني «جورج الطرابيشي» الى وضع كتاب يردّ فيه على الجابري سمّاه «نقد نقد العقل العربي» بالاضافة الى قراءات نقديّة كثيرة لمفكرين عرب آخرين مثل «طه عبد الرحمان» و«محمود أمين العالم» و«علي حرب» و«فتحي التريكي»...هذا علاوة على الكتاب الأخير للأستاذ «علي المخلبي» حول «التحليل والتأويل، قراءة في مشروع الجابري» الصّادر سنة 2013 عن منشورات «كارم الشريف».
بدأ «الجابري» مشاريعه الفكريّة بكتاب عن إبن خلدون وهو في الأصل رسالة دكتوراه دولة تحت عنوان «العصبية والدّولة، معالم نظريّة خلدونيّة في التّاريخ الإسلامي». صدر سنة 1971 متسائلا كيف نجعل فكر إبن خلدون معاصرا لنا وكيف أسهمت العصبيّة في نشأة الدول وسقوطها مركّزا على المقدمة.
ثم واصل نبشه في التّراث العربي الإسلامي من خلال رسم معالم لمنهجيّة جديدة في قراءته من خلال كتابه «نحن والتّراث» الصادر سنة 1978.
كما حاول الجابري مقاربة الخطاب العربي وتفكيك بناه عبر إصداره كتاب بعنوان «الخطاب العربي المعاصر» الصادر سنة 1981 وهو قراءة تحليليّة نقديّة لإشكالات وتناقضات الفكر العربي الحديث والمعاصر ولا سيّما الخطاب النهضوي وخطابات التيارات الفكريّة العربية المعاصرة.
ثم واصل مشروعه النّقدي بنقد العقل العربي المنتج للمعرفة وسبب المشكلة في رأيه.
إنبرى الجابري في مشروعه الضّخم بتحليل للعقل كمنظومة معرفيّة تكوّنت أثناء عصر التّدوين في القرن 2 هـجري وهي بالأساس ثقافة العلماء والفقهاء والأدباء وإستثنى الجابري من تحليله النّص الديني والثّقافة الشعبية.
وفي تحليله لهذا العقل بيّن أنّه يرتكز على ثلاث أنظمة :
* النظام المعرفي البياني ومصدره اللّغة العربية والنّص الدّيني.
* النظام المعرفي العرفاني ومصدره التّصوّف واللامعقول والعقل المستقيل النّابع أساسا من الثقافة الفارسيّة والدّيانات الشرقية.
* النظام المعرفي البرهاني ومصدره العلوم الفعليّة المترجمة عن العقل اليوناني.
مبينا كيف تمّ توظيف هذه النّظم المعرفيّة الثلاث في الحكم والسّلطة وحدّد العقل بالمحدّدات الثلاث التالية : العقيدة والقبيلة والغنيمة.
ويبدو أن الجابري لم يرد وضع حدّ لإشتغاله الفكري والبحثي، فقد إنكب على دراسة وإعادة قراءة الكتاب الذي تأسّست عليه الحضارة العربيّة الإسلاميّة لوعيه التّام بخطورة هذا المسلك وضرورة بلورة رؤية جديدة في التّعامل مع النّص التأسيسي أي «القرآن الكريم» الذي هو بالأساس المكوّن لعلوم عديدة أسهمت في بناء حضارة وثقافة، وعليه بنى مشروعه الكبير «مدخل إلى القرآن الكريم» بإصداره لكتابين حمل الأول عنوان «التعريف بالقرآن» وحمل الثاني عنوان «فهم القرآن الحكيم»، وقد حاول الجابري تقديم تفسير جديد للقرآن بحسب ترتيب النّزول اعتمادا على منهجية جديدة تشرح آيات القرآن في إطار لحظتها الزّمنية. غير أنّ الموت غيّب هذا الرّجل و لم يكمل مشروعه الأخير.
بالاضافة الى ذلك، فللجابري العديد من المؤلّفات تناولت مسائل متعدّدة مثل «العروبة والاسلام» و«الأصالة والهوية» و«الدولة والدين» و«تطبيق الشريعة وحقوق الانسان». «التسامح و حوار الحضارات»  و«مشكلة الثقافة» و«التعريب والتعليم» و«العرب قديما وحديثا» الخ.....
 كما كان له اهتمام كبير بابن رشد من خلال إعادة شرح لآعماله والاشراف على بحوث أكاديمية حوله .
تحصل محمد عابد الجابري على العديد من الجوائز العلمية الغربية والدولية.
 تكمن أهمية مشاريع الدكتور الجابري في كونها دعوة لإعادة النّظر في الموروث الفكري والعقائدي من أجل إعادة تأسيس التراث بقراءة جديدة وبأدوات تحليليّة جديدة كشرط لابدّ منه للشروع في النهضة العربية.
--------
ناشط جمعياتي
bkamel@gcpv.com