الرأي الحر

بقلم
محمد الهميلي
المشهد الاعلامي بين الأصالة والتفسخ
 عندما نراقب المشهــد الاعلامي برمته مرئيّا ومسموعا ومكتوبا لا نحـسّ ولا نخرج  إلاّ بخيبة أمل وإنطباع سلبي بطعم المرارة والانكسار لأنّ ما نستهلكه يوميّا من برامج ومنشورات لا يرقى إلى إشباع حاجتنا من المواد الاعلاميّة الهادفة لعـدم رضانا وإقتناعنا بما نسمع ونشاهد ونقرأ يوميّا إلاّ ما رحم ربّي .
إنّ أغلب المؤسّسات الإعلاميّة في تونس قد أصبحـت عبارة عـن أذرع هـدم وتخريـب للعقول ونسف لكلّ ما يبني العمران البشري والـذّات الإنسانيـّة مـن كـلّ عقيـدة ومبادىء وما  تنامي ظاهرة هدم القيم الإنسانية والتطاول على شعائر الدّين والإخلاق العامّة إلاّ شكلا من أشكال الحرب ضدّ الهويّة و الدّين والأعـراف والبناء المجتمعي والإنساني الذي أراده الله لمجتمعنا العربي الإسلامي، ولعلً خير دليل على ذلك ما ينسبه بعض المتمسلمون من ذوي العاهات النفسيّة من تهم ونقائص ومغالطات حول العديد من المساءل الفقهية والدينية وإعتبار الحقيقة في غير ما تعلمناه من شريعتنا وعقيدتنا إلى درجة نكران السنًة النبوية وأصول الدين. إنً المتاجرون بهدم كيان الأمة وحضارتها العربية الإسلامية من الذين لم يطرحوا من مواضيع  حياتنا الاجتماعية والعقدية  إلاّ مواضيع آسنة عــفً عنهــا اللسان والقلم و سكت عنها العالم والجاهل وغضًت عنها الأعين الطرف مواضيع تمس من الحياء وتهـدم كل بناء مجتمعي ولأَنْ تناولت العديـد مـن القنوات مواضيع تحليـل وإباحة الزّنى واللّواط وأكل الأحمرة والإستهانة باستهلاك  المخدرات والموبقات واستسهال انحرافات الجيل الحاضر والتي أخذت منعرجا يُهدّد  بنسف وهدم كلّ كيانات الأسرة والمؤسّسات التربويّة التي بقيت عاجزة  بمنظوماتها التربويّة الفاشلة والضعيفة والفاقدة  لكل مقومات البناء الذاتي للفـرد المسلم وما انحدار  مستوى التّعاطي الاعلامي مع إنشغـالات المجتمـع إلاً قِصَـرُ نظـر ورداءة ذوق للخطّ التّحريري الإعلامي وإسفافا وانحطاطا في مجتمع تربى أجداده و أباءه على الحياء وحرمة الانسان والجسد والـروح والإخلاق. ومن مفارقات الزّمان أن يتبجّح أعلاميو الحال في تونس بتطور آداءهم ووسائلهم ورأيتهم وأهدافهم الإعلامية مدًعين تمسكهم بمقومات حرية التعبير والرأي في حدود خارطة «الهايكا» التي ما زادت المشهد الإعلامي إلاّ إنحطاطا وميوعة بِشَرْعَنَتِها لحرّية إعلامية متوحّشة ومتغرّبة لم تراعِ هوية ومشاعر شعب بسماحها للمؤسّسات الإعلامية بالخوض في المقدّس خوض الجاهلين والاستئصاليين.  إنً إعطاء المشهد الإعلامي التونسي صـورة همجية وفاضحة كلها تعـرِي وسوقية بتعلّة الحداثة والتّحضر المزعوم  إلى درجة الحيوانية والفُحْش، جعل من تونس بيـت خـراب إخلاقـي وذوقي يذكرنا بمساوىء الأفعال والأقوال الهمجية والسوقية وكأنً تونس لم تُخلــق إلا لتكــون بيـت دعـارة سياسية وإعلامية وثقافيّة، كل شـىء مبـاح فيهـا إلاّ الطّهارة والتّديـن والتخلق بإخلاق الفضيلة محجّر وممنوع. 
نحن نعلم يقينا بأن كل تلك الموبقات والعقد النفسية والأمراض الإيديولوجية والإجتماعية ليست جديدة  لأنها فرًخت في وطننا منذ نزع «بورقيبة» السفساري عن حرماتنا ومنذ تحرير الجنس بالجامعات من لون سياسي معين ومنذ أن ضُربت المنظومة التربوية في مقتل بتجريدها من كل الثقافة العربية الإسلامية وتجفيف منابع التديّن ومنع إستعمال الرّسائل والمبادىء الدينية الموجودة بالكتاب والسنة في الكتب التعليميّة  بالمدارس والمعاهد والجامعات ومنذ منعت الدّروس بالمساجد وحوصر الدّين في خانة الحيض والنّفاس وترويض الدّين وتحجيمه في عقول النّاس حتى أصبح المشهد الاعلامي إثر ذلك فوضى عارمة تحارب وتعادي كل مظاهر الأصالة والتّدين والأخلاق الحميدة .
وفي مقابل ذلك هنالك جانب منير في الإعلام التونسي اليوم وهو بروز نواتات جديدة لمؤسسات إعلامية تنير  ظلمة وعتمة ليالينا الموحشة من فرط القذف الإعلامي الهدّام و ذلك بإنقاذ المشهد كلّه بالترويج لعهد إعلامي جديد يحترم الذوق العام ويلبي مطالب المستهلك الملتزم والمرتبط بهويته ودينه بتقديم مواد إعلاميّة هادفة  فيها ما يستساغ ويُنتظر دون نفاق أو إنحطاط ودون تمييع لقضايا الأمة والمجتمع ودون محابات لأطراف سياسيّة أو ماليّة نافذة، هذا هو الإعلام المنشود بعد ثورة حَارَبَتْ تكميم الأفواه والإرادات . 
-------
        -  ناشط بالمجتمع المدني -الكاف
     hmilimohamed@live.fr