مقالات أدبيّة

بقلم
فالح الحجّية
خصائص جمالية قصيدة النثر
 الشعر هو الكلمة الجميلة التي تنمو ضمن مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل أعمق بواطنها في حلم جميل تسعد اليه النفس وتسمو اليه الروح حتى في حالة شقائها.فالشّعر معرفة انسانيّة مستلهمة تحمل معطيات الرؤية الفنية والإحساس النّابع من القلب وهذا الإحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الأشياء في العالم وقد يكون تعبيراً عن العلاقات التي تخلفها اللّغة لو تركت لذاتها بين الحدّ العيني والتّجرد المادّي والمثالي وبين المجالات المختلفة للحواس. أو بمعنى آخر الشّعر هو الإيحاء بصور مثالية تتصاعد إلى الأعلى محلّقة بأجنحة شعريّة منبثقة من روحيّة الشّاعر وعاطفته المنبعثة من أعماقه وممتزجة بخوالجه المتدفقة منها المشحونة بها لتبحر في هذه القصائد عبر مسارات النّفس الشاعرة لتغدق عليها نبعا متدفّقا وفيضا غامرا وحدسا راقيا ليشكل معينا لا ينضب والهاما جميلا كان قد اكتسب – فيما أراه - حالة فنّية وانسانيّة بما يحقّق توازنا شاملا بين سعة هذه الحياة وما فيها من مفردات وتجارب وقدرات صاغتها بجمالية مفرطة ولفظة راقية . 
الشعر عندي يمثل جزءا من أصل الجمال، وعندما ينتج الشاعر الجمال في شعره يكون قد اكتسب حالة فنية وانسانية راقية من خلال نظرتها الحسّاسة في سبر أغوار نفسيتها الشّاعرة المرهفة من خلال الكلمة الجميلة لتنمو في مفاصل الحياة ومن خلالها ولتسجل أعمق بواطنها وأعلى شواّفيها وتجمعها في بوتقة حلم جميل تسعد اليه الأنفس وتسمو اليه الأرواح والأفئدة عما يجيش في نزعات ممتزجة بأقوى عناصر الجمال الشعري والشعوري الذي يتمثل في الموسيقى الكلامية المنبعثة من امكانية الشاعر في الإيتاء بها من خلال تمازج أو تزاوج الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نمطا أو نسقا موسيقيّا معيّنا تبعا لإمكانية شاعرنا الفذة ومقدرته على الخلق والابداع لأنّها طريق السّمو بالرّوح نحو مسارات عالية ذات نغمات تنبثق مشاعرها وعواطفها وامكانيتها التعبيرية والتي هي السبيل للإيحاء وللتعبير عما يعجز التعبير عنه الاخرون. 
ومن المعلوم أن الشّعر يدخلنا في حالة من الانبعاث والتأثر النفسي أو ربما يمزتج الى الوجل النفسي، وهذه حالة تنتج عن جمالية النّص الذي نقراه ونتأثر به حيث شفافية المشاعر، وروعة الأسلوب، والنغمية المتولدة في الألفاظ والتراكيب التي أبدعها الشّاعر وأوجدها حيّة بين الألفاظ والتراكيب اللّغوية بقوة حدسه وشاعريته مهما كان نوع هذا الشعر: عمودي أو شعر تفعيلة وهذا ما تحقّقه قصيدة النثر أيضا حيث أنّها اكتسبت مشروعية وقبولا لدى المتلقين في كل أنحاء العالم واتسعت منافذ وجوديتها وكثر من كتب فيها ونلاحظ أغلب ما فيها ما نسميه قوتها التأثيرية في النّفس ( الصّدمة الشعرية ) حيث أنها إحدى أبرز المعايير في تلقّي قصيدة النثر، فهي ليست هذيانا ولا افتعالا ولا تراص لفظي فقط . 
قصيدة النثر شكل أدبي جديد معاصر أوجدت مجالها الواسع في مجال الشعر، ويتّسع هذا المجال كلما تقدّمت وتطورت الحياة. فهي قد تحقق الدّهشة أو قل الصّدمة في التعبير المستجدّ المستحدث وهذا متوقّف على امكانية الشّاعر في التقاط رؤيته المثالية وصياغتها في بنية جديدة ، قوامها الصّور والرّموز الشعرية غير الموغلة في الابهام والتوهّج المنبعث من التركيب اللفظي وكيفية استخدامه في التعبير وجماليته من حيث الانتقاء والبيان اللغوي. ومن المهم أن نعرف أن مصطلح (قصيدة النثر) قد اكتسب شكلا أدبيّا ورسوخا ثابتا، وتنظيرا واضحا، استقرت معه الكثير من الأطر الجمالية وهو الأساس لقصيدة النثر المعاصرة والتي تظهر أبرز ملامحها في التّخلي عن الوزن والقافية، والإبقاء على روح الشّعر المتمثلة في الإحساس المتّقد، والصورة الخلابة، واللّفظ المنغّم لتستقي جماليتها منها. والتي كانت كمحاولات تعود إلى أشكالية مصاحبة للمدرسة الرّومانسية للشّعر في مطلع القرن العشرين، وقد امتازت باعتمادها على وحدة السّطر الشعري بدل البيت العمودي القديم (التقييدي) وكذلك على نغم الألفاظ، وجمال الصورة، وتألق العاطفة فنجد في قصيدة النثر نفس مفاهيم الشعر الرومانسي وآلياته وقد نعتبره في الأغلب الأب الشرعي لقصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر، ومن المهم كيفية قراءة قصيدة النثر في ضوء تجربة هذا النوع من الشعر. 
ويجدر بالذكر أن الشّعر المنثور، يخالف بكل شكل من الأشكال ما يدونه البعض من الخواطر المكتوبة فهو ليست بخاطرة لكنّه ربّما يكون قريبا منها من حيث التّعبير وانتقاء الكلمة الأوضح وهذا واضح ومفهوم فالشعر المنثور نصّ عالي الشّاعرية وقد يدور حول رؤية جديدة أساسها الوجدان المتقد والنفس الحار والخاطر المشحون وما يحقق من جمالية عالية مستفيضة كالزهرة في الحديقة العامة فهي ملك للجميع وتنثر شذاها اليهم بالتّساوي. ومن أهم خصائص جمالية قصيدة النثر هو الإيجاز ونعني به الكثافة في استخدام اللفظ سياقيا وتركيبي، والتوهج ونعني به الإشراق حيث يكون اللفظ متقدا متألقا في سياقه ، كأنه مصباح يطفح نورا حتى إذا استبدلناه بغيره ينطفئ بعض بريقه أو يتلاشى.
وتكون في هذه القصيدة - وأعني قصيدة النّثر- متوحّدة في صياغتها بحيث يكون السّطر الشّعري الذي يماثل ( البيت الشعري في القصيدة التقييدية ) وحدة متكاملة مع بقية سطور القصيدة فلا سطر يقرأ بمفرده أي أن القصيدة تكون مترابطة متوحّدة شمولية لا تحدّد بزمن بحيث تكون تنسيقية متفاعلة مفتوحة أطرها، تخلّت في بنائها عن النغمية والايقاع العمودي لحساب جماليات جديدة، وأساس هذه الجماليات : تجنب الاستطرادات والإيضاحات والشروح ، وهذا ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى على أن تكون قوّة اللّفظ وإشراقه قوة جديدة وفاعلة فيها. 
فقصيدة النثر تؤلف عناصر من الواقع المنظور وفق الرؤية الفكرية للشّاعر بعلاقات جديدة بين ألفاظ النّص وتراكيبه، هذه العلاقات مبنية على وحدة النّص وحدة واحدة، ذات جماليات مبتكرة تعتمد على رؤية الشّاعر للواقع المادّي الخارجي بمنظور جديد، وامكاناته الشّعرية في سياقاتها نحو الجمالية والأفضلية بحيث تنعكس هذه الرؤية على العلاقة اللفظية، وبنية التراكيب، وقوة التخييل، ووحدة الرّمز الا أنّ هذه الرّمزية اتخذها بعض شعراء هذه القصيدة – قصيدة النثر - ذريعة في الإيغال في الابهام والغموض بحيث انعكست سلبا على المتلقي وأدّت الى عزوفه عن قراءتها في بعض الأحيان حيث يفضل عليها قصيدة العمود الشعري لما فيها من موسيقى في الوزن والقافية القريبة الى أذن المتلقي العربي الموسيقية والتي تعودتها أذنه وأحبتها نفسيته بحيث يبقى يفضلها على سواها في كل الاحوال.
-------
- شاعر عراقي
العراق- ديالى - بلدروز