الأولى

بقلم
فيصل العش
غنائم الصهيونيّة ممّا يحدث في المنطقة العربية...
 لسنا من المدافعين على نظريّة المؤامرة التي تمسح أخطاء الأمّة وتخلّفها في العدو الخارجي والحركة الصهيونيّة العالميّة، فنحن نقرّ أنّنا جزء من الأزمة وتخلّفنا عن رتل الدول المتقدّمة وغيابنا عن ساحة الفعل العالمي نتحمّل مسؤوليتها كاملة ونولّي الدور الذي تلعبه المعطيات والعناصر الداخلية الأهمّية الكبرى والرئيسيّة في الحالة التي عليها الوطن الممتد من البحر إلى البحر. لكنّنا مقابل ذلك لا نبخس دور العوامل الخارجيّة ونرى أنّ هناك العديد من المؤشرات التي تدلّ على دور خفي وقذر تلعبه الصهيونيّة العالميّة بمشاركة ومباركة قوى الظلم والاستكبار والنهب العالمي من أمثال الولايات المتحدة الامريكيّة وفرنسا وبريطانيا وغيرها في ما يحدث هذه الأيام بالمنطقة العربيّة وخاصّة بالشام والعراق واليمن وليبيا وذلك للاستفادة من نتائجه وحماية مصالح إسرائيل وبقائها في المنطقة. 
سنحاول في هذه الورقة تسليط الضوء على بعض مكاسب الصهيونيّة وقوى الاستكبار العالمي نتيجة للأوضاع المزرية التي أصبحت عليها المنطقة ونستعرض بالتحليل بعض الفوائد التي تعمل على جنيها تلك القوى من خلال الدور الذي تلعبه في تأزيم الوضع وفرض واقع جديد مختلف يخدمها ولا يخدم شعوب المنطقة، لعلّنا نساهم في توضيح الصورة لدى القارئ الكريم ونقدّم له تفسيرا نرجو أن يكون مقنعا لما آلت إليه الأوضاع في الدول العربيّة الاسلاميّة من العراق إلى ليبيا.
التمهيد للاعتراف بإسرائيل كدولة  دينيّة لليهود
يتّجه العالم العربي إلى مزيد من التقسيم والتجزئة نتيجة عوامل داخليّة منها ما هو ثقافي ومنها ما هو سياسي تراكمت مع الزمن وفعلت فعلها في أذهان الناس فأتاحت للعدوّ الخارجي وخاصّة إسرائيل الفرصة لاستثمارها أحسن استثمار من خلال الإسراع بإنهاء مهام ما يسمّى بالدّولة الوطنيّة التي قامت بعد انتهاء الاستعمار المباشر وتعويضها بمجموعات وعصابات ذات نزعة طائفيّة تتقاتل من أجل إنشاء دويلات ذات لبوس ديني من أمثال الدولة الإسلامية في العراق والشام والحوثيين في اليمن. 
ولعلّ من بين أهمّ الأهداف التي يريد الكيان الصهيوني الوصول إليها من خلال تشجيعه هو وحلفائه على إقامة دويلات طائفيّة ذات لبوس ديني الاعتراف به كدولة دينيّة لليهود وبالتالي إجبار الفلسطينيين العرب المسلمين على المغادرة بعد أن استحال تحقيق هذا الهدف من خلال الإرهاب الصهيوني والتّنكيل المستمر بهم.
لقد سعت الحركة الصهيونيّة منذ مدّة أن تقنع حلفاءها بضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة دينيّة لليهود لكنّ مسعاها لم يحقق الأهداف المرسومة نظرا للحرج الذي كانت تعيشه الدول الحليفة لما يتضمنه هذا الاعتراف من نقض للمبادئ التي قامت عليها تلك الدول والتي تتبجّح بها لدى القاصي والداني والمتمثّلة  أساسا في نبذ الدولة الدينيّة وتبنّي مبادئ الديمقراطيّة وحقوق الانسان والدولة المدنيّة العلمانيّة كنموذج تعتزّ به وتعتبره رمزا لحضارتها وسبب تميّزها عن باقي الحضارات. 
ووجود دويلات ذات لبوس ديني في المنطقة التي يوجد فيها الكيان الصهيوني قد يرفع الحرج عن حلفائه ويتّخذونه حجّة للسّماح للصّهاينة بتهويد كيانهم وبالتالي الاعتراف بإسرائيل كدولة دينيّة يهوديّة. 
مجازر الإرهاب لنسيان مجازر غزّة
صبّ الزيت على النّار أسلوب قذر تعتمده إسرائيل وحلفاؤها لإشعال المنطقة والرّفع من نسبة الدّمار والخراب فيها وذلك عبر توفير الأسلحة المتطوّرة والمدمّرة وتسهيل وصولها إلى مختلف الفرقاء والجماعات المقاتلة هنا وهناك  قصد تحقيق أكبر قدر ممكن من الدّمار والخراب بالمدن العربيّة وتسويق ذلك اعلاميّا على مستوى عالمي ليرى العالم بشاعة ما تفعله الجماعات المسلّحة من تخريب لأوطانها وما تحققه من دمار شامل لقرى ومدن بأكملها ونسف لدور العبادة وتهديم البيوت على رؤوس أصحابها من المدنيين العزّل. ومن خلال هذا التسويق الإعلامي الكبير يسعى الصهاينة إلى اقناع العالم بأن ما فعلته اسرائيل في غزّة لا يرتقي في البشاعة إلى ما يفعله المسلمون في أنفسهم وأنّ الخطر الحقيقي في المنطقة ليس إسرائيل لأنّها لا تشكّل تهديدا بقدر ما يشكّله المسلمون على أنفسهم وعلى بعضهم البعض وتهمس في أذن العالم بأنّ حصيلة الخسائر المادّية والبشريّة لصراعات العرب المسلمين فيما بينهم تفوق بشكل كبير وواضح تلك التي تمخّضت عنها المواجهات العسكرية مع اسرائيل منذ عقود. 
تدمير الثراث العالمي وتدمير المسجد الأقصى
اهتزّ الجميع للجريمة المروعة في حقّ التراث الإنساني وما شاهدوه من تخريب لمعالم تاريخيّة بالعراق من طرف «داعش» من بينها آثار نمرود الآشورية في العراق التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وآثار مدينة الحضر القديمة المسجلة على لائحة التراث العالمي والتي شيّدت قبل أكثر من ألفي عام في عهد الدولة السّلوقية، كما شاهدوا بامتعاض شديد أيضا تدمير المساجد التاريخيّة في المدن السورية التي يعود تاريخ بعضها إلى بدايات الخلافة الإسلاميّة. ويرى البعض أنّ ما حدث ليس معزولا عن الخطّة الجهنميّة الصهيونيّة التي هي بصدد التنفيذ والمتعلقة بدمير المسجد الأقصى. فالكيان الصّهيوني ومن يدعّمه يروّج أن ما حدث من تخريب للتراث الإنساني في العراق إنّما حصل من منطلق ديني وعقائدي باعتبار أن داعش تدّعي أنها تقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلّم الذي حطّم جميع اللأصنام بمكّة والصهاينة بهذا السعي يريدون أن يستثمروا الغضب العالمي لتحميل «المسلمين» مسؤولية هذه الجريمة وبالتالي فإنّ هؤلاء المسلمين الذين لم يحرّكوا ساكنا تجاه تدمير جزء من الذاكرة الانسانيّة لن يكون لهم الحق في البكاء والصّراخ إذا ما دمّر المسجد الأقصى خاصّة إذا سوّق الأمر إعلاميّا بشكل يوحي أنه لم يحصل عمدا وهكذا يحقق الكيان الصهيوني هدفا ثمينا كان بصدد البحث عن سبل لتحقيقه منذ عقود.
التخويف من داعش لفكّ العزلة وربط الصّلة بدول الجوار
بالرّغم من إعلان تنظيم الدّولة الإسلاميّة بأنّ الحرب مع اليهود ليست من أولوياته بناء على قاعدته الشهيرة: «قتال المرتّد القريب أولى من قتال الكافر البعيد» ومنهجهم الذي يقرّ بأنّ «الرافضة أشدّ خطورة من اليهود وتحرير بغداد وبلاد الشام أولى من تحرير فلسطين لأنّه لا أهمّية لتحرير فلسطين، ما لم تقم دولة الخلافة في محيط فلسطين». وبالرّغم من عدم حدوث أي عمل منسوب إلى هذه الجماعات ضدّ الكيان الصهيوني، فإنّ هذا الأخير ما فتئ يلعب دور الضحيّة ويعلن لحلفائه قلقه وخوفه على أمن مواطنيه من أي تحالف منتظر بين  داعش من جهة وبعض التنظيمات الإسلامية المسلّحة من أمثال  «أنصار بيت المقدس» الذي ينشط في سيناء خصوصا و«شورى المجاهدين» الذي أعلن عن نفسه من غزّة.
 ومن شأن هذا التباكي أن يوفّر للصّهاينة الغطاء المناسب لانتهاكاتهم المستمرة للمواثيق الدولية وقانون حقوق الإنسان في حقّ الفلسطينيّين ويجلب لهم مزيدا من الدّعم المادّي والمعنوي من حلفائهم.
كما تعمل اسرائيل على استثمار ظاهرة «داعش» وأمثالها لتحسين علاقاتها مع دول الجوار وخاصّة الأردن ومصر وذلك عبر خلق جوّ من الخوف لدى أنظمة هذه الدول من تواجد التنظيمات الإسلاميّة المتطرّفة فيها وإبداء القلق من تهديد هذه التنظيمات لوحدتها واستقرارها ( ذبح الأقباط المصريين في ليبيا وذبح جنود مصريين في سيناء وحرق الطّيار الأردني....) . 
ويأمل الصّهاينة من خلال ذلك وبمساعدة أمريكيّة أوروبيّة بناء جسور تفاهم وتعاون وتنسيق أمني واستخباراتي مع أنظمة الطوق  بتعلّة محاربة الإرهاب واستئصاله وهو مدخل سيكون جيّدا لفكّ عزلتهم والتمهيد لمرحلة جديدة من التعايش ولما لا التفاهم الاستراتيجي مع دول المنطقة ممّا يسمح للكيان الصهيوني بمزيد من خنق فصائل المقاومة الفلسطينيّة التي ترفض الاستسلام له والقبول بإملاءاته. 
الخاتمة
من سخرية الأقدار أن تستغلّ ظاهرة الإرهاب من طرف كيان غاصب بني على الارهاب ويجني هذا الكيان بأيدي بعض العرب المسلمين مكاسب لم يستطع تحقيقها خلال أكثر من ستين سنة. حيث سيجد الحرّية الكافية لمزيد من التنكيل بالفلسطينيين من دون أن تحصل صدمة لدى الرأي العام العالمي بما أنّ ما تفعله «داعش» وأخواتها في أبناء جلدتها أشدّ فضاعة وإجراما. كما أنّه سيقوم بتدمير المسجد الأقصى من دون شوشرة كبيرة مادام «المسلمون» أنفسهم قد قاموا بتدمير جزء من التراث العالمي وسيجد الاعتراف بدولة اسرائيل اليهوديّة الطريق مفتوحا للتنفيذ بعد قيام كيانات دينيّة في المنطقة. بالإضافة إلى أنّ هذا الكيان سيجد في دول الجوار أنظمة تمدّ يدها إليه للتعاون بتعلّة القضاء على غول «داعش» من دون أن يتنازل عن مواقفه وسياساته الرامية إلى اغتصاب كل أرض فلسطين وتهويدها. 
إنها مأساة جديدة للعرب والمسلمين ونصر آخر للصهاينة ومن والاهم لكنّه هذه المرّة بأيدي عربية تدّعي الإسلام وترفع شعار دولة الخلافة الإسلاميّة ...