تأملات

بقلم
يسري بن ساسي
حديث عن المرأة
 ها أنّنا ذا من جديد يحرّكنا موضوع المرأة وجلّ أشكال الظّلم المسلّطة عليها.. ربّما لأنّنا معنيّون بذلك أوّلا .. ورّبما أيضا لأنّ الرّشد يستلزم أن يقاوم الإنسان فينا كافّة أشكال الحيف أيّا كان مأتاه وأيّا كانت ضحاياه.. ناهيك أنّ المرأة كانت ولا تزال المسلّة التي يعلّق عليها المجتمع كافّة أمراضه وعلله..المجتمع الشّرقي بصفة خاصة وكل المجتمعات في الحقيقة ليست هي الأخرى بمتحلّلة من ذلك.. قيل لي ذات مرّة أن قضايا المرأة في المجتمع قد جاوزناها بمداد كبير وشقّ عريض وأعرض هذا الشقّ بين التّمني والواقع المرير..
النظرة إلى المرأة واحدة باختلاف المشارب والثقافات وتعدّد الأنساق والهويات وافتراق درجات الوعي ومرتبات التعليم... نظرة شكليّة بحتة ومادّية صرفة وجسديّة خالصة...لا نظرة المجتمع فحسب بل نظرة المرأة إلى نفسها تتأثّر إلى حدّ بعيد ومدى لا يوصف بأحكام الوسط ذات القيمة المظهريّة المسطّحة للجوهر الإنساني للمرأة وكينونتها البشريّة المستقلّة..
المــرأة مضطهـــدة دائمــــا ودومـــا .. إن تزوّجت قد تحتمـــل ما لا يحتمل رجل وما لا يحتمل من الرّجـــل من عنف معنوي ومــادّي في سبيــل فلذات أكبادها وأمام عيش لهم كريم تتهاوى كل حقوقها ومطالبهــا..إن لم تتزوج لاحقتها الألسن والشّائعات من كل حدب وصوب وتعقبتها الاستنكـــارات والملامـــات كأنّما قـــد اقترفت رذيلــــة أو جريمة وليس بعيــــدا أن تتزوّج لا رغبـــة ومحبّة بل ليرضى عنها المجتمـــع وتكفّ عنها الألسن، وماذا يضير إن أمضت العمر تعيسة أو شقيّة ولعلّ الله يرزقها بالولد فتبذل من أجله ما بقي لها من العمر ثم إذا اشتدّ عوده تنكّر لها ...أليست هي عنوانـــا للصبر والتضحيـــة والتّحمـــل..ثم يظلّ من حقّ الرّجل أن يختــار وليس من حقّ المـــرأة أن تختار إلا ضمـــن ما يختـــار الرّجـــل وكانـــت أول من آمن بالرّسول امرأة أحبّته إذ اختارتـــه واختارته إذ أحبتـــه،  حتّى كان الرّسول صلى الله عليه وسلم يفاخر ويقول إنيّ قد رزقت حبّها  ..
إن طلّقت فتلك طامّة ومأساة وقد تأتي المرأة على نفسها كثيرا قبل أن تلقى مصيرا كهذا المصير يصوّره المجتمع كأنّه حتفها ونهايتها ..فمن حقّ الرّجل أن يفشل ويعيد ترتيب حياتـــه كمـــا هو يشاء وليس من حقّ المرأة ذلك … صحيح أنّ المرأة تختلف فيزيولوجيّا عن الرجل ولكن هل يعني أن تتلاشى ذاتها أمام حكمة إلهيّة في تحديد سنوات النّســـل لديها فذاك يقتضـــي فتوّة وشبابا وقدرة جسديّـــة، ولقد كان من رحمــة الله أن خلقت كذا والمجتمع يصـــرّ أن يجعل ذلك نقمة بما يمارسه من هرسلة وضغـــط.
المجتمع ينظر إلى غير المتزوجة على أنّها تعيش مأساة ويريد أن يتكرّم ويشفق، فيرى الحلّ بأكثر من زوجة لكنّه لا ينظر إلى حجم المآسي اللاّتي خلّفتها زيجات فاشلة بنيت على الباطل ..لا ينظر إلى يتامى الأحياء ومشتّتي الآباء  بين هذا وذاك..ولمن يقول لي الصّورة ليست بهذه القتامة أقول بلى، لكنّنا لا نجاهر أنفسنا، فالإخفاقات أكثر بكثير من النجاحات والمجتمع الصّلب والسّليم هو الذي تفرزه تنشئة أسريّة متّزنة وتربية تعتني بالطّفل في كافة جوانبه، فلا تقدم جانبا على آخر.. ولا تخلو الحياة المشتركة من بعض المشاحنات لأنّنا بشر طبيعته الاختلاف، لكن بيوتا طبعت على الخلافات العنيفة وتعوّدت على الشّجار والعراك والمهانات التي جاءتنا منها العيّنات في برامج يشاهدها الجميع مروعة للأسماع مسمّمة للخواطر وصولا إلى أن يقتل أفراد الأسرة بعضهم بعضا ..إنّنا في القاع ولكنّنا نماطل.. ولن ينتج ذلك سوى مزيد من الأطفال الذين يعيشون عقدا نفسيّة ترافقهم ما طووا من العمر وقد لا تمحي .. ثم بعد ذلك نتساءل من أين جاءت «الدّواعش» ونتساءل كيف لطفل سألته المعلّمة ماذا تريد أن تصبح أجاب «إهرابي» ونتساءل كيف لطفل لم يتجاوز التّاسعة من العمر أن يكون له كل هذا اليأس من الحياة فينتحر وإذا انتحرت الطفولة فماذا يبقى؟ ..مجتمع ينتحر أطفاله لابدّ أن يفزع جدا للهاوية التي انحدر إليها ..مزيدا من القتلة ومزيدا من المنتحرين ومزيدا من المعقّدين وأين الدّاء والفشل  ..
يبدأ الفشل من النّواة والأسرة... حينما يصحو الأطفال على الاحتدام المتواصل والعنف والشّجار الذي لا ينتهي هذا عدا كل ما يحيط بهم من عالم أساسا مريض ومهزوز قد اختلت فيه منظومة القيم بشكل لا يوصف ففيم العجب أن ينتحر طفل ويصبح آخر مجرما؟..من المسؤول عن كل هذه الاختلالات العميقة لكل نسيج المجتمع ..هو المجتمع ذاته.. ومجتمع تظلم فيه المرأة من أقصى تحريرها من كل الثوابت والقيم إلى أقصى تجريدها من حريتها مجتمع عليل ومجتمع لا يمكن أن ينعم بالتوازن والاستقرار ولا يمكن أن يصنع لا حاضرا ولا مستقبلا ..
 ولازلنا نتحدث عن المرأة ككائن سلبي لا حول له ولا قوة يحيا في تبعية ولكنّ المرأة هي نصف المجتمع والحقيقة أنني رأيت أنها أكبر ظالم لنفسها ولبنات جنسها  والأنكى أنّ ما يمارس عليها من تعسّف تعيد فتمارسه على امرأة مثلها أو تلقنه لأجيال ستنشأ وتكبر على مثل هذه العقلية والأولى إذن أن تبدأ المرأة بنفسها فتنصفها وتنصف المرأة.  
-------
-  كاتبة تونسية
docyosra@hotmail.fr