الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الثاني والعشرين

  

بسم الله والصلاة والسلام على حبيبي رسول الله

 

لا يختلف اثنان في هشاشة الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد بعد سنتين من طرد بن علي واندلاع الثورة المباركة، ويعتبره البعض أمرا طبيعيّا. فثورتنا، مثل جميع الثورات، تعيش بعض الإرهاصات والاضطرابات وتعترضها عقبات ومطبّات. لكن الاختلاف حاصل بين المتصدرين للمشهد السياسي في تحديد الوصفة السحرية لعلاج هذا الوضع وفي كيفية معالجة هذه الهشاشة وتجاوز الصعوبات التي تعترض الانتقال الديمقراطي للبلاد.

ينقسم التونسيون إلى خمسة أقسام:

(*) قسم أول يتضمن النهضة ومن تبعها، يرى المنتسبون إليه أن الوضع ليس بكارثي كما تصفه بعض الأطراف وأن الحكومة تعمل جاهدة على التوافق مع بقية الطيف السياسي وتحقيق ما رسمته من أهداف لتصل بتونس إلى برّ الأمان. وسواء شاركها الآخرون أم رفضوا، فإنها ستواصل مسيرتها في نفس الاتجاه وبنفس الرؤية لتحقيق المطلوب.

(*) قسم ثان تتصدره ”الجبهة الشعبية“ وقوى ”اليسار الراديكالي“ لا يتردد المنتسبين إليه في شتم الحكام الجــــدد وتعريتهــــم والإعــــلان عن دعوتهم للشعب للمشاركـــة في ثورة ثانية تحت قيادتهم تصحح المسار وتسقط بالكامل النظام، ليحكموا البلاد باسم الشرعية الثورية فهم واعون جيّدا، كما يقول منافسوهـــــم، بعدم قدرتهم على هزم النهضــــة عبر صناديــــق الاقتــــراع وهو ما لا يصرحون به في العلن. يرددون صباحا، مساء ويوم الأحد شعارات إسقاط النظام، معتبرين القوى الحاكمة استمرارا للنظام البائد بل يذهب بعضهم لاعتبارهما وجهان لعملة واحدة.

 (*) القسم الثالث فيه ”النداء“ بمباركة من ”الجمهــــوري“ و”المســـار“ ومن تذيّل بهما، يسوّقون للـ”الباجي“ منقذا للبلاد ورحمة للعباد. يراهنون على أفول نجم ”النهضة“ وانحدار شعبيتها ويعارضونها في كل صغيرة وكبيــرة. يجاهـــــرون بتبنّي مشاغـــل النــــاس مــــن دون اقتراح حــــل ّ لها. يشجعون”الجبهة“ في تحركاتها وتمرّدها، لكنهم لا يقبلون بسقــــــوط النظام، فهم يراهنون على الانتخابات القادمة ويحلمون باكتساحها والفوز فيها بأغلبية مريحة تجعلهم يحكمون البلاد. وبعدها سيكون لكل حدث حديث.

(*) أما القسم الرابع فيتكوّن من بقية السياسيين الذين لا يــــــرون أنفسهـــم لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء. يحاولون جاهدين لمّ شتاتهم تحت راية الوطنية والديمقراطيــــة لكنّهم سرعـــان ما يتعثرون، فالعقـــول والعواطف لا تسمح بذلك في الوقت الراهن  ومشروعهم جنيني لا يستطيع الصمود أمام عواصف الايدولوجيا ولعب الأوراق السياسية الداخلية والخارجية وقلّة ذات اليد. فولادة ”الحزب الفاعل والوازن“ الذي لا يؤمن بالاستقطاب الإيديولوجي ويرى في وسطية  التونسي أرضية وأساسا لم يحن وقته بعد وكل ولادة قيصرية ستضيف للساحة السياسية مولودا جديدا لكنّه مشوّه ومعاق.

 (*) قسم أخير نفر السياسة والسياسيين وأصبح شغله الشاغل الصراع اليومي مع متطلبات الحياة وكيفية خلق توازن بين الميزانية والقفّة. لا يهمّه سماع أخبار التحوير الــــوزاري أو التحالفــــات الحزبيــــة بل يهمّه ما يحدث في سعر الخضر والعجين والمحروقات ووجود  الحليب من عدمه. يحلم بالأمن والأمان وينتظر المستقبل بعيون خائفة. قسم يشمل جزء كبير من التونسييـــن لا يراه الآخرون سوى ورقة انتخابية، لكنه في حقيقة الأمر قلب رحى المجتمع. فمتى يتوقف السياسيون عن سباقهم  نحو الكراسي ويلتحمون بهؤلاء، يحاورونهم ويأخذون بآرائهم ومقترحاتهم ويستمعون إلى مشاغلهم الحقيقية ويحاولون الخروج بالبلاد من النفق المظلم الذي تريد القوى المضادّة للثورة أن تدفعها نحوه. فمن مصلحة جميع الأطراف المحافظة على سلامة وأمن البلاد واستقرارها ومن مصلحتهم أن تدور عجلة الاقتصاد وينطلق التونسيون لبناء عقد اجتماعي حقيقي. والسياسيون الأذكياء، حتّى وإن كان مطمحهم كراسي الحكم، ليس من مصلحتهم تسلم مقاليد التسيير في بلد خاوية على عروشها.