تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
أيّ الضمائر تحكمنا؟
 الآن وبعد أن تمّ التّنصيص على حرّية الضّمير في الدّستور التّونسي، ورغم تواصل اللّغط بين مؤيّد ورافض لهذا الخيار الصّعب بسبب إمكانيّة امتناع مواطن عن أداء الخدمة الوطنيّة إن كانت تتعارض مع قناعته الشّخصيّة التي تكفلها له هذه الحريّة، أستغرب ممّن يدّعي ذلك باعتبار أنّ الدّولة يمكنها محاسبة الممتنع عن الخدمة العسكريّة لا لما يعتقده واقتنع به ولكن لمخالفته لقوانينها فعلا لا عقيدة، وباعتبار كذلك أنّ المصادقة على أيّ قانون قد تتمّ بنسب دون الإجماع أي أنّ كثيرا يعارضون القانون كمشروع ثمّ يصبح ملزما لهم ولزاما عليهم العمل به مباشرة بعد المصادقة والإصدار.
أن تتمتّع بحريّة المعتقد وحريّة الضّمير لا يعني التّنصل من الواجبات التي تؤمّن حقوق المواطنة في إطار عقد اجتماعي مشترك بين جميع المواطنين بمختلف توجّهاتهم ومعتقداتهم. فكّر كما تشاء واعتقد في ما ترى ولكن الانتماء للوطن انخراط والتزام بقوانينه.
الأخلاق بجانبيها النّفسي الباطني أو السّلوكي الظّاهري وباعتبارها الصّفات الكامنة في النّفس البشريّة فطريّة كانت أو مكتسبة أصبح من الضّروري إسقاط التّعامل بها في العلاقات المجتمعيّة التي ترتكز أساسا على عقود تُعامل جميع المواطنين باختلاف أخلاقهم. 
الأخلاقــــي وغير الأخلاقـــي أو لا أخلاقـــي مفهومـــان متناقضــان لا معنى لهمــا إلاّ في إطــــار مرجعيـــة واحــدة لا يحدّدها إلاّ قانون المواطنة يربط بين مختلفي التديّن والأديان ومختلفي الأعراق والأجناس ومختلفي التّجارب والثقافات. هكذا لا تفرّق المواطنة بين المتخلّق وعديم الخلق بما يُفهم خارج إطارها بل يعتبر المتخلّق من استجاب لمقتضياتها من حقوق وواجبات فالتزم وعمل في حدودها، أمّا غير المتخلّق فهو من استنفذ حقوقه كاملة وتخاذل في القيام بواجباته.
ومن هنا، يتبيّن دور التّشريعات والتّراتيب في تحديد الضّمائر أو الأخلاقيّات مهنيّة وسياسيّة واجتماعيّة و... ويبقى توافق المواطن مع مؤسّسات الدّولة متوقّفا على سير هذه التّشريعات وعلى مدى تفعيلها. 
وقد أصبح من الضّروري تبيان العلاقة الشُغليّة بين العامل وصاحب الشّغل حتّى يتحدّد الضّمير المهني في أدناه بما تنصّ عليه التّشريعات والعقود المهنيّة. وكذا يحصل التّوافق والرّضا من الجانبين المتعاقدين عبر التقيّد بتنفيذ ما تمّ الاتّفاق عليه. وعلى هذا الأساس وجب إعادة النّظر في قوانين الوظيفة العموميّة بما يضمن بلوغ غاية تثمين العمل وتحسين الإنتاج. متى يصبح الإخلاص في العمل واجبا لا مروءة ولا يقابله إلاّ واجب أداء المستحقّات الماليّة المبيّنة بعقد الشّغل؟ متى يصبح الضّمير المهني ضمير الجمهوريّة وضمير الوطن فضمير الأمّة.
«لقد أفلح إن صدق» هكذا ختم الرّسول صلى الله عليه وسلم حديثه في حقّ الإعرابي الذي بعد أن سأله ما عليـــه في حقّ الله، توقّف عند الفـــروض الخمسة دون النّوافــــل. فلم يطلب الرّســـول إلاّ الصّدق في العمـــل وإن قلّ. وأكثر من ذلك تشدّد. 
-------
-  مهندس
chahed@meteo.tn