فلسطين بوصلتنا

بقلم
مصطفى يوسف اللدّاوي
احتدام المعركة بين بيبي وبوجي!
 مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية المبكرة، المقرّر إجراءها في السّابع عشر من شهر مارس/آذار القادم، تتّسع المعركة الانتخابيّة وتكبر، وتأخذ أشكالاً عدّة بين «بيبي» بنيامين نتنياهو زعيم الليكود، و «بوجي» يتسحاق هيرتزوج الزّعيم الجديد لحزب العمل الإسرائيلي المعارض، الذي يعرف بـ«بوجي»، وهو الاسم الذي اعتادت أن تناديه به أمّه طفلاً وشاباً، إذ كانت تدلّلـه بهذا الاسم نظراً لوجهه الطّفولي وصوته النّاعم الرّقيق، إلاّ أنّ الاسم الذي لازمه طفلاً بقي معه في كل مراحل عمره، وبات يعيبه رجلاً ويحرجه مرشّحاً. 
يبدو أن المعركة بينهما على أشدّها، وأنّها تحتدم يوماً بعد آخر، وتزداد قوةً وشراسةً، بما يشي بأن «هيزتزوج» سيكون المنافس الأقوى لـ«نتنياهو» على منصب رئاسة الحكومة الإسرائيليّة، على الرّغم من ضعف وتراجع حزب العمل عن ما كان عليه في السنوات الماضية، إلاّ أن استطلاعات الرّأي الإسرائيليّة تشير إلى أنّ حظوظ «يتسحاق هيرتزوج» الآخذة في التّصاعد عالية نسبيّاً، وأنّها قد تفوق أو تداني حظوظ «نتنياهو» الآخذة في التّنازل، فضلاً عن مساعي «هيرتزوج» للتّحالف مع شخصياتٍ سياسيّة قويّة، وأحزاب الوسط واليسار.
يبدي «هيرتزوج» معارضته الشديدة لسياسة نتنياهو المعلنة، والتي يبدو فيها معارضاً للسّياسة الأمريكيّة، ومناوئاً لرئيسها، ويتّهمه بأنه يعرّض أهم علاقة استراتيجيّة للكيان مع أقوى دولة في العالم للخطر، ويرى أن سياسات «نتنياهو» ستفضي إلى عزل الكيان، وحرمانه من الإطار الواقي، والحلف القوي الحامي، الذي ضمن على مدى عمر الكيان تفوقه وقوته، وأشرف على بناء قدراته وتمكين جيشه، وتزويده بالسّلاح الفتّاك الرّادع، ولهذا فهو يدعو «نتنياهو» إلى إلغاء خطابه أمام الكونجرس الأمريكي المثير للجدل، والمزعج في طريقة فرضه للإدارة الأمريكيّة، التي رأت فيه إهانةً لها، والتفافاً عليها، واستهتاراً برمزيتها ومكانتها، فضلاً عن ممارسته التّحريض العلني على سياسة الرّئيس الأمريكي «أوباما» خاصةً فيما يتعلّق بطريقة إدارته لملف المفاوضات النوويّة مع إيران.
ويجاهر «هيرتزوج» باعتراضه على سياسة «نتنياهو»، الذي يصفه بأنّه غير محب لدولته، وغير مخلص لشعبه، إذ أنّه يضع مصالحهم القوميّة تحت عجلات عربات الانتخابات التي قد تسحقها، ويتّهم سياسته بالخرقاء، وممارسته بالعمياء، وبأنّها ستقوّض دولة اليهود، وستهدم دولة إسرائيل، وستؤسّس لدولة ثنائيّة القوميّة، يكون العرب فيها هم الأغلبيّة، واليهود هم الأقليّة، وبذا يفوز العرب الذين يتكاثرون وتزداد أعدادهم بصورة مضطردة، ويخسر اليهود الذين لا يتكاثرون، وتقلّ أعدادهم أمام السّكان العرب بصورةٍ كبيرة.
وشنّ «هيرتزوج» حملةً عنيفة على «سارة» زوجة «نتنياهو»، واتّهمها بإتلاف أموال الدّولة، وأنّها تتدخل في قرارات رئيس الحكومة وتؤثّر فيها، وهي ليست المرّة الأولى التي تتّهم فيها زوجته، فقد سبق أن اتهمت باستخدام الأموال العامّة في تغطية الفواتير الشخصيّة، وهي فواتير كبيرة ومكلفة، في حين أنّ زوجها يتستّر عليها، ويسكت على تصرفاتها، ولا يطلب منها الكفّ عن ارتكاب الأخطاء، وانتهاك القوانين والأعراف، ودعا «هيرتزوج» إلى ضرورة إجراء تحقيق مع «نتنياهو» وزوجته، التي اتهمها بأنها تسرق الأموال العامة بعلم زوجها. 
«هيرتزوج» يسابق الزّمن ضمن حملته الانتخابيّة لتلبية دعوة مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة «إيباك»، والذي سيحضره أيضاً غريمه ومنافسه «بنيامين نتنياهو»، الذي سيلقي بدوره كلمةً أمام المؤتمر، الذي سيحضره عددٌ كبير من أعضاء مجلسي الشّيوخ والكونجرس الأمريكي المؤيدين لإسرائيل. 
وهناك سيكون مضطرّاً بالضّرورة لأن يسفر عن حقيقة مواقفه، ويميط اللّثام عن وجهه المخادع، ويكشف للمؤتمرين اليهود وغيرهم عن تمسّكه بالثّوابت اليهوديّة، والسّياسات الصهيونيّة، والمصالح الإسرائيليّة، وأنّه لا يفرط في قيم اليهود ولا موروثاتهم، وأنّه حريصٌ على بقاء كيانه دولةً قويّةً قادرة على البطش والإيذاء، وإعلان الحرب وتحقيق الانتصار، وأن أولويّاته الأساسيّة هي الحفاظ على نقاء الدولة وسلامة أراضيها، بما يعني أنّه لا مكان لجيرانٍ لهم، ولا لشركاء معهم على الأرض الفلسطينيّة، وإن بدا أنّه محبٌ للسّلامِ وساعي له.  
«هيرتزوج» ابن أبيه ووريث زعماء حزب العمل السابقين، الذين خاضوا أشدّ الحروب ضدّ العرب وأصعبها، وعندهم موروث هائل من العنف والشدّة، والقسوة والهمجيّة في التّعامل مع الفلسطينيين، بدءاً من رئيس وزراء كيانهم الأول «دافييد بن غوريون»، ثم «موشيه دايان» و«اسحق رابين» و«عيزر وايزمان» و«موشيه أرنس» و«أيهود باراك» وغيرهم، فهم جميعاً سواء، ولا ريب أنّهم وحزبهم أسوأ من «الليكود»، وأشدّ تطرّفاً من «حيروت» ومن البيت اليهودي، ومن «ديجل هتوارة» و «إسرائيل بيتنا»، ومن بقيّة الأحزاب الدينيّة والقوميّة والمتطرّفة.
ربّما يوجد بين العرب من يراهن على «هيرتزوج» ليكون رئيساً للحكومة الإسرائيليّة القادمة، ظانّين أنّه سيكون خيراً من سلفه، وأفضل ممّن سبقه، وأنّه سيكون معتدلاً وعاقلاً، ولن يقدم على حماقاتٍ جديدة، ولن يرتكب جرائم كبيرة، ولن يشنّ حرباً على الفلسطينيين ولا على غيرهم، وسيصغي السّمع لخطاب العقل، وسيستجيب للمنطق، وسينهي الصّراع العربي الإسرائيلي، بالقبول والإذعان للشّروط الفلسطينيّة والعربيّة، وسيقبل بدولةٍ فلسطينيّة إلى جانب الدّولة العبريّة، على كامل أرض الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وسيكون مرناً في حلّ معضلة القدس وأزمة اللاّجئين الفلسطينييّن.
الذين يراهنون على «يتسحاق هيرتزوج» وهم كثيرٌ، ومنهم بعض أهلنا في فلسطين المحتلة، فضلاً عن العديد من الأنظمة العربيّة ومن بينهم السّلطة الفلسطينيّة، ينسون أنّه ابن ووريث «حاييم هيرتزوج» الرئيس السادس للكيان الصهيوني، المستوطن المهاجر إلى فلسطين من إيرلندا الشمالية، وهو العضو في منظمة «الهاغاناة» الصهيونية الإرهابية، التي ارتكبت أشدّ المجازر في حقّ الشعب الفلسطيني، والجنديّ في جيش الانتداب الإنجليزي، الذي سخّر كل امكانياته وقدراته لخدمة المشاريع الصهيونيّة، وتحويل الأحلام إلى حقائق، ورئيس جهاز الاستخبارات الصهيونيّة الأسبق، والذي شغل منصب الحاكم العسكري للضّفة الغربيّة، ومندوب الكيان الصّهيوني في الأمم المتحدة، قبل أن يكون رئيسه السّادس، فهل ننتظر من هذا الولد إلاّ أن يكون كأبيه أو أشدّ سوءاً، وكما يقول المثل «بين بيبي وبوجي يا قلب لا تحزن».
-----------
-  كاتب فلسطيني
moustafa.leddawi@gmail.com