قول الحق

بقلم
عماد العبدلّي
التنافس في الدناءة: داعش و الأردن نموذجا ...
 لا خلاف في أنّ الذي أقدمت عليه «داعش» بحرقها للطّيار الأردني كان خطوة غير مسبوقة في تعبير هذا الكيان البغيض عن حقيقته وأنّ الصّدمة التي خلّفها هذا الانتقام الأعمى ستظلّ محفورة في الأذهان الى وقت بعيد، اللّهم اذا تمادت هذه العصابة المجرمة، الغريبة عن نصّ وروح الإسلام، في وحشيتها البدائية و«فاجأتنا» بتعبيرات أكثر  فظاعة عن دمويتها. 
لم أتعود على رؤيــــة الفيديوهــــات التي يرسلها تنظيــــم «داعــــش» لأني كنت أعتبرهــــا دعاية رخيصــــة لثقافــــة القتل المجاني، ولكن الاستثناء الذي حصــــل هذه المــــرّة جعلنـــــي أكتشف مدى فظاعـــــة أن يُقتــــل الإنســـــان حرقًا أيّا كانـــت جريمتـــــه، ومدى فظاعة أن يُستعمــــل الإسلام في التّرويج لهــــذه الثّقافة الغريبــــة عن تاريخ المسلميــــن.   
ولأن الله تعالى قال في محكم تنزيله : «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»(البقرة - 216)، فقد كانت هذه الجريمة الجديدة البرهان القاطع على تناقض منظومة «داعش» مع كلّ ما يمتّ للإسلام بصلة، عسى الله أن ينوّر بذلك بصيرة الذين لا يزالون ينخدعون بأكاذيبها ودجلها.
دخلت «داعش» التاريخ من حيث ستخرج منه بسرعة بعد أن انكشفت: 
لم تدخله بالرد على الاعتداءات الاسرائيلية المتكرّرة على أراضي المسلمين في فلسطين ولبنان وسوريا والسودان وغيرها، بالرغم من كونها تملك ترسانة من الأسلحة تجعل العمق الصّهيوني في مرمى نيرانها ...
لم تدخله بتحقيق نصر حاسم على جيـــش «بشّــــار» يؤذن بسقوطه وتخليص السّورييــــن من الجحيم الذي يكيله لهم صباح مســــاء، والكل يعلم أن قوات «داعــــش» كانت تتواجد على بعد أمتار من قوّات «الاسد» في أكثر من موقع ولم تطلق أحيانا ولو رصاصـــة واحدة عليهــــا. كمــــا أنّ الكلّ يعلم، أنّه عدا المناطق الكرديّة في العـــــراق، فإنّ الحمم التي تنزلها طائرات التّحالف يوميّـــــا تصيب، وبشكل مقصود، من جبهة النّصرة وأحرار الشّام وبقيّة الفصائــــل التي تحارب «بشــــار» (بالرغــــم من كونـــي لا أتبنّي منهج أي منهــــا) أكثر بكثير ممّا تصيب عرضا من قوات «داعش». 
إذًا دخلت «داعش» التاريخ من بوابة الدّناءة والعمالة ومناقضة أبسط تعاليم ديننا الحنيف حول معاملة الأسرى وعدم جواز قتل الأسير المسلم وحرمة التّعذيب بالنّار وغيرها من المعاني والقيم التي لا تعني «داعش» من قريب ولا من بعيد لأنّها الطابور الأوّل  للاستعمار الجديد في دولنا ومنطقتنا عموما. 
فالذي يشاهد كيف تستعمــــل أرفع تقنيات التّصويــــر والمونتـــاج الإعلامـــي في تصويـــر رخيص لمــــدى الاستهانــــة بحياة الإنســـــان وكرامتــــه، يعرف أن «داعــــش» تسير الى حتفهـــا وتفضح حقيقتهــــا. هي تملك بترولا ومالا وسلاحـــا وتقنيات إعلاميـــة من أعلى طراز، ولكنها تضمّ في صفوفها أوضع النّاس علما ومعرفة وقيما وأخلاقا.
هذه هي الخلاصــة التي لا مفرّ لهذا التّنظيم الدّموي الفاشي من الاعتراف به، خاصّة وأنّ عمليّة الحرق تمّت منذ فترة طويلة في وقت كانت تساوم فيه بحياة رهائنها اليابانيين.  
و لكن للأسف كشفت هذه المأساة عبر ردّة الفعل الأردنيّة بالإعدام الفوري لسجينين عراقيين والاستعداد لتنفيذ الإعدام بحق آخرين، أن «داعش» ما هي الاّ محرار لسباق التّنافس على الدناءة بين هؤلاء المرتزقة الملثّمين دوما والعملاء الحاكمين الذين لم تر أمّتنا منهم خيرا منذ أن تربّعوا على عروشهم أعمدتها من دم وعذابات ونهب وتجويع وخيانات لا تحصى ولا تعد. 
فعدا عن السؤال الحتمي والبديهي بمدى عدالــــة الأحكام الصادرة على هذين السّجينيـــن، وخاصة «ساجدة الريشـــاوي»، من قبل قضاء أردني مسيّـــس وغير نزيه، فإنّ السّؤال الآخر الذي يفرض نفسه: هل نردّ على الدّناءة بمثلها أو أكثر منها؟ وهل يبرّر فعل «داعش» الهجين والهمجي أن تنطلق المزايدات بين من يقتل أكثر وبشكل أكثر فظاعة؟
 ومن هو المستفيد فعلا من جعل دم المسلمين أعدل الأشياء قسمة بين القتلة والجهلــــة والمستبدّين والمستعمريـــــن الذين لهم جميعا سجلاّت حافلة في مجال التّعذيب بالنّار بدء من إطفاء السّجائر على أجساد المعتقليـــن في السّجون نساء ورجالا في كلّ الدّول العربيـــة دون استثناء بما فيها تونس الدّيمقراطيــــة جدّا، وصولا الى استعمال حمم النّار التي تطلق من المدافــــع والطّائرات والتفجيرات المشبوهـــة لحرق رضع وعجائز ونســــاء وأطفال ورجـــــال في غزّة وسوريا والعراق وافغانستان وميدان رابعة العدوية بمصر، والقائمة تطول !!! 
إنّه التّنافس على الدّناءة الذي تشرف عليه القوى الاستعماريّة القديمة والجديـــدة في بلداننا بتحريكها لأكثـــر من «داعش» حسب الظرف والسّيــــاق من أجل توسيع دائرة الفتنة في هذه الأمّة الى ما لا نهاية بحيث يستحيل على هذه الأمّة، المهدّدة في أراضيها وخيراتها ومقدّساتهـــا ووجودها، أن تتوحّد ضدّ أعدائها الحقيقيين من منافقي التّحضر الزّائف الذين يبكون على قتلاهم ويرتقون على أشلاء قتلانا.
هل فهمتما الآن يا «أبا برك» البغدادي ويا عبدالله الثاني انّكما لستما الا بيدقان وضيعان في صراع يتجاوزكما ولستما فيه الاّ متنافسان على الدّناءة التي سيلحقكما معا خزيها في الدنيا والآخرة !!.
-----------
-  محامي وناشط سياسي وحقوقي - 
جينيف سويسرا
abdelliimed@yahoo.fr