قلم الشباب

بقلم
دعاء العوني
سؤال طفولتي: وطني، هل تبقى الحرية مزهرة في ربوعك؟
 وطني الرّائع بمناظره الخلاّبة وجباله التي تناطح السّحاب، خريطته تبدو كأنّها امرأة حبلى تناجي ربّها، متطلّعة إلى الأفاق الرّحبة وكلّ رجاءها أن تتخفّف من ألام ولادتها، أمّا مناخاته فهي كالطّفلة الصّغيرة التي تنبسط أساريرها عندما يرافقها الفرح ويغمرها الشّعور بالطّمأنينة والإحساس بالأمان، وتنقبض إذا أطلّت عليها الأحلام المزعجة والجوع والعطش وقلّة من الأمن والأمان.
 فيافي وطني كزربيّة قيروانيّة أصيلة منسوجة بإتّقان وبأنامل عربيّة وبربريّــة، ينبت الزّيتون فيها والرّمّان والكروم والقصب، والنخيل والزّعتر والعنب، والقوارص والريحان والحبّ ... تؤتي أُكُلَها كلَّمَا استنجد بها أبناءها... 
شواطئك يا وطني ممتدّة، يلامس رملها شغاف روحي وطفولتي، هانئة هيَّ ومكتظّة صيفا في حركة دءوبة للإلتحام مع العالم ... وشتاءً، تُكْسبك الأمطار والرياح والمدّ والجزر، ثروة وعنفوانا وملامح ثورة وقوّة...
 طفولتي يا وطني... تلك العابرة لسبل حاضرك، تُنْشِد الأغاني والأهازيج والمالوف والرّاب، وتَنْشُدُ إنجاز أحلامها، بالتّفوّق والتميّز والإبداع و تصدير مواهبها وطاقاتها لتغمر أرجاء الكون ولو عبر العالم الافتراضي بأليافه البصريّة.
وطني الغالي ... سعيتَ لمربع الحرّية، حبوا ومشيا وجريا، بالجراح والدماء والجوع والضمأ والظلم والقهر، فكّكت أصفادا كبّل الاستبداد بها طاقاتك ومواهبك وثرواتك، بعد معاناة وعذابات التهميش والاستغلال الفاحش لثرواتك.
الحرية وطني... أسمي أمانيِّ طفولتي، عند إرادة  شعبي لها، استجاب القدر لها، أزهرت بمائها ثورة ياسمينك، ووردك، وزهرك ومروجك، وأثمرت طاقات طفولتك إبداعات يشار إليها بالبنان، ونجاحات فرح بها العشّاق وأُنْجِز من وهجها ريادة بين الشعوب والأمم، واستقلال واستقلاليّة غبطنا عليها القريب وحسدنا عليها الخائف والمريب... 
وطني... نبتة الحريّة فيك، مرّت عليها عدّة عوارض وأزمات، استطاع آباءنا وأجدادنا، الذين هرموا من أجل معايشة تِلْكُمُ اللّحظة، أن يوفّروا لنا حدّها الأدنى، وأوكلوا لطفولتنا مهمّة إتمام حدودها القصوى.
وطني الثّائر الصّامت... ذاكرتي الصغيرة تأخذني رفقا وحِلْمًا، لأربع سنوات مضت ليوم من أيام 18 جانفي الأغر، لمّا دغدغتنـــي نسائـــم حرِّيتــك وحريّــة أبي الذي حملني على كتفيه وأنا الطفلة إبنةُ التّسعة أعوام ليجوب بي شارع 14 جانفي بتونس العاصمة وأين قدّمت لي، وطني... مساحة صغيرة لأرسم فيها دمع أبي الذي نزل في غفلة منه على خدّه.
أُنْجزت في رحابك وطني... انتخابات أولى وثانية وثالثة ورابعة، لتثبيت جذور الحرّية في ثراك، فهل يا عشق طفولتي، يستطيع قادتك الجدد أن يتركوا فضاء حريّتك نقيُّا كنقاء نسماتك؟. وهل يا وطني باستطاعة نخبتك أن يُسلِّموا لطفولتنا مشعل الحريّة سالما معافى ومتّقدا متوهّجا، ويتركوا لنا وطنا يطيب فيه العيش ويتمدّد فيه الإبداع ويُحقِّقوا حدًّا أدنى من وعودهم .
وهل يا وطني... تتوفّر لطفولتي المتطلِّعة، نماءً ومرورا حرًّا وسليما إلى شبابي ثم كهولتي فشيخوختي في فضاء أبتسم فيه حريَّةً وأتنسّم فيه هواك، لأنِّي يا وطني... يُقضُّ حلمي وحريّتي، تاريخٌ مضى لأبي وجدي وخالي (سجناء رأي ).  لكن رُغْمًا عن ذلك، يؤمن حلم طفولتي، بأنِّه سيحافظ على شجرة الحرّية مزهرة.
-------
- تلميذة