الرأي الحرّ

بقلم
محمد الهميلي
هل يدفع المجتمع المدني ثمن الصراع السياسي بين الثورة و الثورة المضادة؟
 إن الهجمة الشرسة التي تعاني منها الجمعيات في الآونة الأخيرة  بتعلّة الإحتياطات الأمنية ومقاومة الإرهاب هي إبتزاز ومحاولة لتحويل وجهة أنظار المجتمع والمراقبين المحلّيين والعالميين إلى حقيقة التصفية الايديولوجية لنوعيّة معيّنة من الجمعيات التصق إسمها بأطراف سياسيّة بَوَئتها الثّورة مقاعد متقدمة في الحياة السّياسية عبرالصناديق الانتخابية والقانون.
كما تولت كتابة الدّولة لرئاسة الحكومة والمكلّفة بملفّ الجمعيات مهمّة التّضييق وتصفيــة الجمعيــّات وبدون موجب حقّ وفي خرق فاضح للمرسوم عـــــدد 88 المنظّــم للجمعيّات والذي ضربت به عرض الحائط وهـو الثّمــرة الإيجابيــّة ومـن حسنات الثورة وإنجازاتها التّاريخية، لأنّه قانون ثوريّ أقصى كل أحكام الهيمنة لوزارة الدّاخلية على المنظّمات والجمعيات فكانت الأربع السنوات الاخيرة فترة ذهبية للحرّيات والحقوق حيث إزدهرت أنشطة المنظّمات والجمعيات وعمّت مبادرات (التنمية البشريّة والسّياسية والاقتصاديّة والإجتماعيّة) البلاد وأحسّ المجتمع التّونسي بنقلة نوعيّة في مجال العلاقات الانسانيّة والعمل المدني الاجتماعي، حيث عادت للبلاد مظاهر إفتقدناها منذ الاستقلال ألا وهي التّكافل الاجتماعي والإغاثة والتّعـاون وجابت القوافل الخيرية أركان البلاد حيثما وجد الفقر والكوارث والحاجة للمساعدة، وأصبحت البــلاد تعيش مدّا تضامنيّـــا قلً نظيره نذكر منه أزمــة اللاّجئين اللّيبييـــن والأفارقــة إبّان الثّورة اللّيبية ومحنة الكارثة الطّبيعيّة بالشمال الغربــي إبّان نزول الثّلوج بغزارة سنة 2012. كما لا ننسى النقلة النوعيّة أيضا لتطوير القدرات والتدريب والتكوين في كلّ المجالات، فقد برزت عدّة أقطاب ومراكز وأكاديميات للتّنمية البشريّة  ساهمـــت فــي ترشيد وتعليم وتكوين الجمعيّات وناشطيها ممّا أعطى حيويـّــة وتطوّرا في الأنشطة والآداء ساهمت في بناء جيل جديد من المجتمع المدني على أسس علميّة .
إنّ شرفاء الوطن يعرفون جيّدا أنّ المُرادَ من إقصاء كل تلك الجمعيّات إنّما هو الخوف من قدرة المجتمع المدنـي علــى مراقبــة ومتابعــة طريقــة الحكــم والتّصرف في الموارد الوطنيّة و كذلك إنفتاح المجتمع المدني على  نصرة القضايا الانسانيّة والسّياسيّة العادلة  وخاصّة  أمّهات القضايا المصيرية للشّعب والدولة، كموضوع العدالة الانتقاليّة وأشغال هيئة الحقيقة والكرامة المتفرّعة عنها لتصفية الإرث الإستبــدادي لسنين الجمر والديكتاتورية والفســاد  من أجل إرساء تعايش سلمي جديد بين كل فئــات المجتمــع بإتبــاع كــل خطــوات قانــون العــدالة الإنتقاليّة مــن مصارحة ومحاسبة ومصالحة.
إن ما عاشه المجتمـــع المدنــــي في السّنوات الأخيــرة من مشاركة في إدارة البلاد لهي تجربة راقية يحسدنا عليها العالم، مما جعل تونس بعد الثّورة تدخل عصر التّشاركيّة في الحكم بين الإدارة والمجتمع المدنــي لصناعـــة القرارات  والبرامج فـــي كـــل القطاعات والمجالات، وما لمسنــــاه من تقـــدم في معالجة بعض المشاكــل الاجتماعيــــة والاقتصادية ومن مساهمات في بناء الثقة بين المواطن والإدارة وبين المجتمع المدني والمؤسسات وبين كل المكونات مجتمعة يعطى للدّولة قدرة ونفسا جديدا  للاستمراريّة والنّشاط والدّوام في ممارسة مهامها المختلفة، تلك هي ميزة المجتمع المدني  الضّامــن والمراقــب والمتابع لكل الشأن العام .
أمّا فيما اتصل بقضيّة دعم الإرهاب، فإنّ المجتمع المدني برىء كل البراءة ممّا يُرادُ أن يٌلصق به من إنحرافات شاذّة تحفظ ولا يقاس عليها مثل تلك القضايا القذرة، فلا مبرر لجعلها بابا للإقصاء والتّشفي من أطراف سياسيّة معيّنة لن يلحقها أذى كثيرا من تلــك الممارســات ولكــن الخاســر الرئيسي هــو الوطــن والمواطن، فالتّضييق على الجمعيات إنّما هو تضييق على المواطنين الذين ينتظرون عدّة خدمات تطوعيّة من تلك الجمعيات. 
نحن لسنا ضدّ الحرص على تنقية المجتمع المدني من الانحرافات التي قد تشكّل خطرا كبيرا على المجتمع وسلامة وحدته ونأكّد على ضرورة عدم الاستهانة بها والمساهمة في تخليص البلاد منها ومن آثارها السلبيّة لكنّنا ضدّ أي عمل يحدّ من هامش حرّية مؤسسات المجتمع المدني من هياكل وجمعيات مادامت تحترم الدستور ولا تدعو إلى فتنة أو إقصاء. 
رسالتنا في الأخير إلى المجتمع كله مسؤولين ومواطنين، أن ينتبهوا إلى كارثة حشر الجمعيّات في خانة الخلافات السّياسية، فالمطلوب هو أن يكون المجتمع المدني قلبا نابضا لا يعترف بضيق الحزبيّة والفئويّة المقيتة وأن يكون داعيا إلى نبذ الكراهية والعنف ورافضا لكل أشكال التّمييز والإنفراد بإدارة الشّأن العام. نحن نريد أن يعمل المجتمع المدني  تحت شعار  الوطنيــة والمصلحة العامة وأن يكون نصيــرا لكــل القضــايا الوطنيـّـة والإنسانيــّة العــادلة  وأن تكون الجمعيات مـــلاذ الجميع فــي السّــرّاء و الـضراء وحضنا دافئا يحضن الجميــع ويبشر بالمجتمع الفاضل في ظلّ علاقات إنسانيّة راقية .
-------
-  ناشط بالمجتمع المدني
hmilimohamed@live.fr