وجهة نظر

بقلم
الصحبي العلوي
الإرهاب صناعة العولمة المتوحّشة ضدّ ثقافة الجنوب
 في الخمسينيات من القرن الماضى كلّ حركات المقاومة من أجل التحرّر الوطني كانت تعتبر حركات إرهابيّة.
طوال النصف الثاني من القرن العشرين اعتبرت أغلب التنظيمات المعارضة للأنظمة الدكتاتورية في امريكا اللاتينية و في إفريقيا و في آسيا تنظيمات إرهابية.
على عتبات القرن الواحد والعشرين واصلت الأنظمة «الديمقراطية» دعم دكتاتوريات الوطن العربي مثلا بل واقترحت نائبة بالبرلمان الأروبي مزيدا من الدعم البوليسي لقمع مظاهرات الشّباب التونسي ضدّ دولة القمع باعتبارالمتظاهرين مشاغبين و ارهابيين.
يقوم الكيان الصهيوني بغزوات استعراضيّة لتجريب الأسلحة الحديثة والغازات السّامة على شعب قطاع غزّة المحاصر على جميع المستويات مدّعية أنّ شعب غزّة إرهابي.
القوّات الصهيونية تقتل وزيرا في السّلطة الفلسطينيّة كما قتلت من قبل ياسر عرفات وتدّعي بأن الوزير الفلسطيني إرهابي وعرفات زعيم الإرهابين.
الولايات المتحدة وحلفاؤها خليجيون وأروبيون يصنعون «تنظيم داعش» من أجل تفجير طائفي للمنطقة وتحجيم دور ايران وحزب الله في الشرق الأوسط حيث وفّروا كلّ التسهيلات للإلتحاق بصفوف الجهاديين ضدّ «نظام الكفر» في دمشق و ضدّ «الروافض» من حزب الله وايران وحكومات العراق الشيعية.
كلّ اولائك حسابات سياسية تشتغل عليها العولمة المتوحشة بطاقمها (مجلس الأمن ) و«ج 8» لكسب مصالح وخلق مجالات حيويّة تتحرّك داخلها مقدراتها الاقتصادية والثقافية والسياسية الرّامية الى إحكام السّيطرة على الانسان كونيا.
لم تستطع الثقافة الدّيمقراطيّة التصدّى للبراميل المتفجّرة تقصف الأطفال والنّساء والشّيوخ...لم تستطع قوى حقوق الانسان مقاومة الإرهاب الصهيوني والظّلامية الاسرائيلية التى أقرّت قانونا «اسرائيل دولة قوميّة لليهود»، بل لم نسمع  أنّ هذا القانون يعيدنا للدّولة الثيوقراطيّة التى تجرّع الدّيمقراطيون كاساتها ولم تستطع حتى تسهيل إعادة إعمار غزّة في مثل هذا الشّتاء القاسي. لقد هرعت كلّ الأسلحة الجوية لصدّ هجوم داعش على «كوباني» ولم تتصدّ لهجوم الصهيونية اليومي على الأطفال الفلسطينيين وقتلهم  وسحلهم أمام كاميرات المصوّرين على المباشر.
إنّ هذه الأخبار التى سردناها وهي غيض من فيض (جرائم الاستعمار في الجزائر وليبيا...) تتحوّل الى ذاكرة مخزونة في أنفس النّاس، والنّاس مختلفون في أذواقهم ومعارفهم وأساليب تفتّحهم على العالم الحديث... ينضاف الى ذلك ازدياد أنشطة المتطرّفين سواء أكانوا دولا أم أنظمة أم تيّارات دينيّة في الغرب والشرق مع تصاعد الأزمات الاقتصاديّة واستفحال الفقر والمرض والتهميش والازدراء لسكّان الجنوب. كلّ ذلك يمثّل مناخا ملائما لحصول كلّ أشكال الإرهاب، من الارهاب النّاعم وهو قتل النّاس بالفقر والأوبئة والحصار وزرع الفتن داخل المناطق المأهولة بالأقليات الى الإرهاب الدّوْلتي (اسرائيل أنموذجا) وإرهاب التنظيمات التى تحمل قابليّة ثقافيّة وفكريّة للسّلوك الإرهابي بسبب صعوبة انتشار الثّقافة العقلانيّة وثقافة حقوق الانسان في الوطن العربي الذي تحكمه الدكتاتوريات المترهّلة أو الأنظمة العسكريّة القمعية المدعومة من العولمة المتوحشة...وعلى هذه العجلة تدور حيثيات الرّقص الإرهابي منظمات ودولا وأفرادا.. فمن يرهب من ؟ ومن يوفّر أسباب إرهاب من ؟
وللعلم يقول المثل العربي شعرا (مرجعية ثقافية):
«فإنّ النار بالعودين تذكى **وإنّ الحرب أوّلها الكلام»
كما أنّ الثقافة العربية لا تقول بلجم الأفواه الاّ في بعض فترات الأنظمة المذهبيّة المتشدّدة، أما الضمير الثّقافي العربي فلا تقلقه الأساليب الفنّية في النّقد والسّخرية ولا أحد ينكر أنّ المدونة العربيّة الاسلاميّة في مجال الجماليّات والفنون والسّخف والسّخرية والنّقد ونقد النقد فلسفيّا وفقهيّا وأدبيّا من أوسع المدوّنات في الكون الثّقافي (الأغاني، المؤانسات، البخلاء، رسالة الغفــــران...) ولو سمح للثقافة العربية الاسلاميّة أن تنتشر في المدارس والمؤسسات التربوية والثقافية لانحسرت التّيارات التكفيريّة وتقلّصت فاعليتها  ولمّا حصلت أي جريمة ضدّ أصحاب القلم والفنون من صحفيين ومثقفين ولكان الاختلاف في المقاربات والمواقف مسرحا للسّجالات في الأندية والنقاشات الإعلامية والتحركات المدنية والقانونية ...وبالتالي فإنّ انحسار الثقافة الاسلاميّة الواعية ومحاصرة رجالاتها والتّضييق على مؤسّساتها لن يسمح بانتشار مبادئ التّسامح وحق الاختلاف وحريّة التّفكير والتعبير، كما أنّ وضع كلّ ما هو اسلامي في خانة الظّلاميّة والرّجعية يزيد من تأجيج هذا الاحتراب الهمجي والقتل العشوائي للأنفس والثمرات المحرّم في الاسلام كحدّ فاصل بين المؤمنين بشرائعه والمناوئين له « قتل النفس أيّ نفس حرام» على المؤمنين وممنوع في الأعراف والشرائع الوضعيّة، لا يمكن تبريره بأيّ حال من الأحوال.
القضية من جديد « تعريف الارهاب» دون خجل ودون دغمائية وبعيدا عن الكيل بمكيالين وذاك مأزق من مآزق العولمة المتوحّشة أصالة. وعليه لا بدّ من تحرّك مدني قويّ وجدّي وضاغط من أجل ايقاف مسارات النّظام العالمي المتوحّش «المتحكّمون في الإرادات اعلاميا وثقافيّا وسياسيّا»، لا يضيرهم اشتعال الحروب بين الأديان والمذاهب والحضارات والثقافات سيكونون هم من يموّلها وهم من يقود مساراتها وهم من يستثمر في تأجيجها....إذن لا بدّ من تجنيب كوكب الأرض كارثة الاندثار البشري وذلك  بتوسيع مجالات الديمقراطية في جنوب كوكبنا ومعاضدة التنظيمات والمراكز والجمعيات العربية الاسلامية ذات القدرة على رسكلة الفكر الاسلامي التقليدي والردّ على تيارات الفكر السلفي الذي يعيش حالة اغتراب نفسي ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين، قرن التعايش السّلمي تحت رايات حقوق الانسان والديمقراطية والحرّية  أي ضرورة التحرّر فعليا لا تلفزيّا من الاستعمار وعلى رأسه الاحتلال الصهيوني للأرض الفلسطينيّة، ومن الفقر عبر اعادة تخطيط التّوزيع العادل للثّروات في العالم، والدكتاتوريّة عن طريق مقاومة وإدانة ومحاصرة الأنظمة العسكرية والفاشية، ومن الجهل عبر تشجيع البحث ودعم المؤسّسات الثّقافية المدنيّة التى تقدّم شكلا جديدا معاصرا لتمثّل الحضارة العربية والاسلامية..
كلّ أولئك لا بدّ أن يكون على أرض الواقع لا خيال الوعود والأحلام والرّومانسية لأنّ الرّومانسية فضاء مزدوج الإثارة ويذكّر  بثقافة « توب موفي» السينمائية «TOP MOVIES»