وجهة نظر

بقلم
يسري بوعوينة
ثورة التجار
 إحتار التونسيون منذ قيام الثورة التونسيّة في الإسم الذي سيختارونه لها وكذا عادة العرب والمسلمين، يهتمون بالشّكل ويهملون الجوهر { كمثال بسيط الإهتمام المبالغ فيه بزي المرأة دون الإهتمام بتعليمها ورسالتها في الحياة، فهل خلقت المرأة لتنجب فقط؟}...كثرت التسميات منها الرّومانسي مثل ثورة الياسمين ومنها الحقيقي الموجع في آن واحد مثل ثورة الفقراء أو ثورة الجائعين ومنها المطنب في المثاليات مثل ثورة الكرامة أو ثورة الحرية، وفي الحقيقة هي كل ذلك وليست أي شيء من ذلك...
حتى لا أنهى عن شيء و آتي مثله أقول أنّ التّسمية لا تغيّر شيئا...الثّورة وعاء يسكب فيه كل شخص أو طائفة الأبعاد التي يفتقدونها أو يطمحون إليها وهي، أيّ الثورة، أكبر من ذلك وتقاس بنتائجها لا بمسمّياتها.. رغم ذلك أنا أقترح إسما جديدا للثّورة أراه الأقرب إلى روحها وإلى مضمونها وأحداثها ونتائجها وهو ثورة التّجار. لماذا ثورة التجار؟ حسب إعتقادي هناك أكثر من سبب يدفعني إلى هذه التسمية لعل أهمها :
أولا: حينما نعود إلى البداية القادحة للثورة نجد أن محمد البوعزيزي رحمه الله كان يعمل تاجرا { حتى و إن كان بلا رخصة أو يعمل في التجارة الموازية } فالشّرارة الأولى إنطلقت من أحد التّجار وقد ضاقوا ذرعا بالتضييقات التي يمارسها نظام بن علي سواء من النّاحية الأمنية أو من النّاحية الإقتصادية.
ثانيا: مشاركة طبقة التّجار خلال أحداث الثّورة لا تخطئها العين البصيرة، فالإضرابات التي شهدتها عديد المدن شارك فيها التجار بصفة كبيرة  بل إنّ عديد الشّهداء هم من التّجار الذين شاركوا في المظاهرات أو قاوموا الهرسلة والقمع البوليسي خلال تلك الأيام العصيبة، ولا يعني ذلك أنّهم كانوا قادة الثورة ولكن هذه المشاركة ذات دلالات عميقة ورمزية كبيرة.
ثالثا: ومباشرة بعد «إنتصار» الثّورة أصبحت الأخيرة مجرّد بضاعة وسط سوق كبير من التّجار الذين تاجروا بها وكلّ يدّعي وصلا بليلى {و لكن ليلى لا تقرّ لهم بذاك}. الجميع صار يهيم شوقا بالثورة والجميع صار معارضا شرسا لبن علي، والأغرب أن يصدر ذلك من حاشيته المقربة مثل المنذر الزنايدي وعبد الرحيم الزواري وزاد كمال مرجان في الشّعر بيتا، فقال إنّ الثّورة ما كانت لتنجح لولا التّجمعيين الذين شاركوا فيها...قفزت إلى سماء الإعلام أسماء لم نكن نسمع لها زمن الديكتاتورية همسا و قد صاروا الآباء الروحيين للثورة الناطقين بإسمها...كل الأحزاب تبدأ ديباجتها بالتحية والسلام على شهداء الثورة والإعتزاز والفخر بها حتى تلك الأحزاب المتولّدة من التجمّع البائد.
القنوات المأجورة التي كانت «لا شرقية ولا غربية» أو مجرّد بوق لنظام بن علي أصبحت قنوات الثّورة وصوت الشعب...17 ديسمبر أصبح مهرجانا إحتفاليّا كأنّنا شعب مازوشي نتلذّذ بألم البوعزيزي والنار تأكل جسده وقلب أمّه...14 جانفي أصبح يوم عطلة لشعب أغلبه عاطل عن العمل من أجل الإحتفال بالثّورة.. من منّا لم يتاجر بالثّورة ولم يستعملها بحقّ أو باطل؟ من الظّلم أن نقول أنّ الأحزاب فقط هي من استغلت الإسم التّجاري للثّورة، فالجميع شارك في ذلك...الجميع أصبحوا تجارا يبيعون ويشترون في سوق الديمقراطية والدولة المدنية  بضاعة إسمها الثورة...
رابعا: إذا بحثنا عن المستفيد من الثّورة مباشرة فسنجد بدرجة أولى التّجار الذين زادوا في أسعار المواد الإستهلاكية بل إنّهم أشعلوا فيها نارا لم تقدر أي من الحكومات المتعاقبة على إطفائها...كل شيء في تونس يغلو سعره و يزيد بل إن هناك موادا تضاعفت أسعارها {و قلّت جودتها في المقابل}..هل أتاكم حديث الزيادة في سعر الحليب؟ والزيت النباتي  والسّكر؟ والفلفل والطماطم واللحم وما زيادة سعر البنزين عنكم ببعيد...لم يعد للسّوق قانون يخضع إليه سوى قانون زاد و يزيد...فواتير الماء والكهرباء زادت فأثقلت كاهل المواطن المسكين الذي لا يرحمه أحد و إن أعجب لشيء فهي لطاقة صبره وإحتماله ...إنّ أبرع خبراء الإقتصاد العالميين يعجزون على إدارة ميزانيّة عائلة في تونس براتب 500 دينار...التّونسي يستطيع ذلك بل إنّه بالإضافة إلى كل هذه المصاريف قادر على مواكبة التّطور التكنولوجي المتسارع في الهواتف النقالة والشّاشات المسطّحة والمكيّف، إضافة إلى إمتلاك منزل {وهو حلم جميل يتبخّر كوعود الأحزاب الإنتخابية}. التونسي كائن إستهلاكي بإمتياز... مبذّر من الدرجة الأولى، ينفق آناء الليل وأطراف النهار...له في كل مناسبة موعد مع «المصروف»..لسنا هنا بصدد تحليل شخصيّة المواطن التّونسي لكنّه تذكير أنّ هذا المواطن واقع بين فكّي كمّاشة التّجار الذين يتحكمون في السّوق وجعلوا من الثورة مطية، فراحوا يزيدون في الأسعار والحكومة إمّا تغطّ في نوم عميق أو هي تزيد عليهم فتهدّد تارة برفع الدّعم وطورا ترفع الأسعار...
ثورة تونس 2011 هي بإمتياز ثورة التّجار...تجّار المواد الإستهلاكية وتجّار الديمقراطية وتجّار الأحزاب وتجّار الدين وتجّار حقوق الإنسان...صحيح أنهّا ليست على طراز ثورة «البازار» في إيران....لكنّنا نستطيع أن نؤكّد أنّها هي أيضا ثورة «البازار»، وإلّا فهي أيضا ثورة «بيزار» {عجيبة باللغة الفرنسية}...ولا داعي هنا لذكر الأسباب فهي أكثر من أن تعدّ أو تحصى... 
-------
طالب مرحلة ثالثة في العلوم السياسية
yosri.bouaouina@gmail.com