قلم الشباب

بقلم
دعاء العوني
وطني كما تراه طفولتي بعينها الثالثة...
 تترعرع  طفولتي في وطني تونس، طفولتي هذه تمتلك ثلاث عيون، عين أولى و ثانية بيولوجيتين يبصران الأشياء كما هي دون تحوير أو تزويق، و عين ثالثة مستودعها الخيال و الحُلم تدرك الأشياء كما تتمنى و تحب أن تراها.
وطني... أحبابي، أراه بعيني الأولى و الثانية كما أتبصّره أيضا بعيني الثالثة.
 وحصاد ما اخْتُزِن من رؤى العين الأولى والثانية يتلخّص في:
* مجال التعليم: تعليم يفتقر للنجاعة والتطوير، ينهك جسم و عقل طفولتي بكثرة التشعبّات و ثقل الزّاد في المحامل البيداغوجيّة ووفرة الالتزامات،  بنيته التحتية تشكو النواقص وبنيته التربوية البيداغوجية والإدارية تشكو التداخل وقلّة الفاعلية وفضاءاته لا تسمح لخيالي العلمي بالتحليق.             
* مجال البيئة: تعاني أوساطنا البيئية من الإهمال والإتلاف والتلوّث مع قدرة عجيبة لأبناء وطني على إضاعة الفرص المتاحة التي يوفرها الوطن، إلاّ ما ندر من بعض الإستثناءات، فوطني يتحوّز على فضاءات طبيعية جذّابة وخلاّبة تبهر الزائر والسائح وتنعش القلب والروح تفنّن المواطن في إهمالها أو استغلالها الاستغلال السيئ.
* مجال الصّحة:  تباشر عيْنيَّ مؤسّسات صحيّة مكتظّة مع مساحة صغيرة، وأخرى شاسعة مع فائض كبير في عدد المريدين وفائض غير محسوب من الفوضى، مع نقص في الرّعاية ونقص كبير في الأدوية وفي الإطار الطبي ومردوديّة عمليّة تقترب من الصفر بحيث تصل إلى ثماني دقائق في اليوم. 
* مجال الثقافة: يفتقر وطني بعد الثّورة للحس الفنِّي والفقر الإبداعي فإلى حدّ الآن لم ترَ عينَي طفولتي الأولى والثانية مشروعا ثقافيّا يبعث فيَّ الاعتزاز بالحياة وبالثورة وبالأمل وينعش الآمال التي ترعى شبابي القادم على مهل. 
* مجال النقل: إلى الآن تنتظر طفولتي من يساعدها على الانتقال السلس والآمن بين مدن وشوارع وطني.
أمّا عينيَ الثالثة أحبابي التي تبصر الأشياء بشكل مختلف، وتختزن داخل فؤادي وخيالي صورا لما تحبّ وترضى أن تشاهد وطني عليه، فهي تنحت داخل مدركاتي مؤسّسات تربويّة ناجعة وناجحة وبرامج مدرسيّة فاعلة وهادفة وأطرا تربويّة خبيرة بالتنميّة البشريّة أكثر من خبرتها بتقديم المعلومة أو التعليمة المدرسيّة، ومجموعة تلمذيّة من المتلَقِّين تعيش ديناميكية وتؤشّر لمستقبل مشرق ومتطوِّر لوطني الكبير. وفضاءات بيئيّة مرحة ومليئة بالبهجة والحيويّة تزوِّد طفولتنا بالحياة وبالنشاط وتوسّع من مساحات خيالنا وأحلامنا، أمّا ما رأته عيني الثالثة في مؤسساتنا الصحيّة فهي مثلما توجد عند طفولة أوروبا واليابان وأمريكا، وما تراه في مجاليْ الثقافة والنقل أن تُسهَّل وتُيَسَّر الدروب  داخل مسالكهما ويُمَكِّن طفولتنا من السياحة في مسارب وطني دون اختلالات أو تصدّعات تزيل عنّا عند الحركة الخمول والصدأ عن مفاصلنا.
هذا أحبابي وطني كما أتمنَّى أن يكون، وأن يسلم من كلِّ ما يعكِّر صفو تجانس طفولته مع أحلامها..
-------
- تلميذة - تونس