القلم الشاب

بقلم
مالك الشعبوني
على هامش «السلام» في أيام قرطاج السنيمائيّة
 ها قد مرّت الدّورة 25 لأيام قرطاج السّينمائية، وزّعت الجوائز، وعاد الضّيوف إلى بلدانهم فرحين مسرورين، ودخلت السّينما التّونسية في سباتها الشّتوي. المرض العضال، الذي ألمّ بتونس وعاد من جديد مستغلاّ برد الشّتاء الإنتخابيّ، تجلّى هاته المرّة في وزارة الثقافة المعلولة. فهاهو السّيد الوزير يقمع  فيلم «صراع» ويمنعه من المهرجان لأنه ببساطة غسيل داخليّ، لا يليق أن يعرض أمام ضيوف الخضراء، بلد الأمن والأمان وحقوق الإنسان. إنتظرت أن تتمّ محاكمة المخرج السّيد المنصف بربوش بتهمة الخيانة العظمى والتخابر مع جهة أجنبيّة لتشويه النّظام، أو بالأحرى صورة تونس! ولكن رحمة السّيد الوزير منعته من تطبيق القانون العرفي المتداول.
في حقيقة الأمر، وكما الحال في كل المجالات، كشف البرد عن خور السّينما التّونسية، الذي لا يخفى على جلّ الشّعب التونسي ولكنه مسكوت عنه. إسأل أيّ تونسيّ عن الفنّ السّابع في بلاده. سيذكره بكل خير. سينما فاجرة، يستحي المرء أن يشاهدها لوحده فضلا عن مشاهدتها مع العائلة. للأسف، الأفلام التونسيّة الهادفة والمشرّفة تعدّ على أصابع اليدين إن لم نقل اليد الواحدة. إحتكار جعل هذا الفنّ غائبا عن السّاحة. فنّ «نخبويّ»، بل فئوي، يناقش مستنقعات الإنحطاط الأخلاقي وينظر لإجتثاث الهوية، إلا من رحم ربي.
المفارقة هي أن شعبنا يعشق السّينما، ويتابع بشغف كلّ جديد هوليوديّ، وبدرجة أقلّ كل جديد مصريّ. قد نتحدّث عن فشل لفن ما لغياب شعبيّته. ولكن والحال الحال، تتحمّل سلطة الإشراف، كعمداء المخرجين، المسؤوليّة الكاملة في فشل المشروع السّينمائي في تونس. كيف للمخرجين الذين يسعون لتغيير المشهد والمنتوج ولمنافسة البضاعة الرديئة أن ينجحوا إذا ما قوبلوا بالقمع عوض الدّعم المادّي والمعنوي؟ لا وجود للإستثمارات الضخمة في هذا المجال. والأمر يعود إلى ما ذكرنا من تفشيل ممنهج لمحاولات النّهوض بالقطاع بالإضافة إلى ترسانة من التّجارة الموازية التي تجعل بيع الأفلام أمرا مستحيلا. 
لم نر بعد وزيرا حاملا لمشروع إصلاحي جدّي. قاعات السّينما، إن وجدت، تفتح في المناسبات وفي بعض المدن الكبرى دون غيرها. ولعلّ القطاع الخاص قد سبق سلطة الإشراف بأشواط، إذ انتشرت ظاهرة القاعات الصّغيرة للسّينما ثلاثيّة الأبعاد التي تخاطب الشّباب وتؤسّس لواقع فنّي جديد، لم يستوعبه الباب الخشبيّ الضّيق للوزارة. واقع رغم ايجابياته، يعتمد على المنتوج الأجنبيّ ويكرّس الغزو الثقافي.
ها قد مرّ المهرجان ب«سلام»، دون أيّ «صراع» لكي ينام الجميع مرتاحي البال، إلاّ هؤلاء القلّة الذين يريدون ارباك المشهد الرّاكد السّائد الجميل، والذين لا يتحدّثون إلّا عن الهوامش ولا يصطادون إلاّ في المياه العكرة لمستنقعات الثّقافة في إفريقيّة .
-------
-  طالب
chaabouni.malek@gmail.com